في عام ١٩٨٤، طبيب مغرم بالكتابة يشارك في مسابقة روائية للمؤسسة العربية الحديثة عن طريق روايته الأولى (أشعة ض). تمر الأيام، وتصدر نتيجة المسابقة. ليفوز بالمركز الأول الطبيب الشاب حينئذ نبيل فاروق ! تمر الأيام وخلفها الأسابيع والشهور. وأخيرا، وبعد طول انتظار، يأتي عام ١٩٨٦ ليكون باكورة الرحلة الأدبية للدكتور نبيل فاروق. قد تتساءل . . . . لماذا خصصت هذا العام بالذكر دونا عن غيره من الأعوام ؟ ببساطة شديدة، لأنه كان العام الذي صدرت فيه أول رواية رسمية للنابغة د. نبيل فاروق. صدرت باسم (أشعة الموت)، وكانت تحت مظلة المؤسسة العربية الحديثة. ظل د. نبيل فاروق يكتب ويكتب ويكتب، وزملاؤه يكتبون معه رواياتهم الخاصة بهم، لكن الحقيقة الواضحة حينئذ كانت أن د. نبيل كان أكثرهم تألقا وظهورا وانتشارا ومبيعا وتأثيرا في الشباب وجذبهم للقراءة وتشجيعهم عليها. (رجل المستحيل)، (ملف المستقبل)، (زهور)، (كوكتيل 2000). كل هذه الروائع والبدائع وغيرها الكثير كانت مما تركه لنا د. نبيل فاروق. هذا الرجل الذي خلد اسمه كرمز من رموز الأدب العربي. ما من قارئ إلا ومر في حياته بمرحلة كان منغمسا فيها في عالم (أدهم صبري) و (محمود نور الدين)، وبالطبع (عماد وعلا) ! لم يكن د. نبيل فاروق أبدا مجرد كاتب، بل كان مفكرا ومبتكرا مبدعا، صاحب خيال خصب واسع، أبدع في أدب المغامرة والجاسوسية، وأدب الخيال العلمي، وحظي في عقدي الثمانينات والتسعينات خصوصا فما بعدهما بشهرة منقطعة النظير، حيث كانت رواياته معقل الإثارة والتشويق. وبالتأكيد إذا ذكرنا اسم د. نبيل فاروق، لا يكننا أن نغفل عن الحديث عن شخصيته الأبرز والأعظم والأفضل (رجل المستحيل أدهم صبري)، التي وضعته هي وشخصياته العديدة الأخرى بجوار آرثر كونان دويل مبتكر شخصية (شيرلوك هولمز)، وبجوار أيان فلمنج مبتكر شخصية (جيمس بوند)، وغيرهم العديد من الفطاحل والأعلام في مجال أدب الجاسوسية والخيال العلمي. لا أظن أن هناك تلخيص لظاهرة د. نبيل فاروق أدق وأبلغ مما قاله عنه العراب الدكتور أحمد خالد توفيق في روايته: (اسمه أدهم) ص٩: (الحقيقة أن أعماله من الأمثلة النادرة لأدب المغامرة المكتوب بالعربية أصلا، إنه قد كتب أكثر من خمسمائة عنوان، وكتب في كل الموضوعات تقريبا، وعلى كتاباته تربت عدة أجيال من قارئي العربية وشكلت وجدانهم، الحقيقة أنه شديد الأهمية لحد لا يوصف، "ديستوفسكي" نفسه لم يؤثر في كل هذا العدد من القراء، خاصة في سن الشباب حيث التكوين الأول للطين اللين، والملاحظة الصادقة هي أن كل شاب يجرب الكتابة يبدأ بتقليد أسلوب د. نبيل فاروق، المميز جدا). رحل د. نبيل فاروق عن عالمنا في التاسع من شهر ديسمبر، ليترك لنا تراثا أدبيا فريدا من نوعه، مختلفا عن غيره. في الختام، لا يسعني إلا أن أقول رحم الله الروائي العظيم، والمفكر الكبير، الدكتور نبيل فاروق، وأسكنه فسيح جناته.
د. نبيل فاروق . . . . أسطورة نشأت على مؤلفاتها أجيال!
العظماء يعرفون ويُعرّفون بالعظماء، أحمد خالد توفيق حين لمس تأثير نبيل فاروق وعمق أدبه أشار إليه ليعرفه الآخرون.
لكن المشكلة هنا كم من الكُتاب العرب يشير إلى زميله ويشيد بحرفه، هم قلة من يفعلون ذلك.
ولهذا السبب نعرف دوستويفيسكي وغارسيا ونابكوف وتولتسوي ... لكننا لا نعرف الكتاب والمبدعين العرب، اذا لم يشتهر نوابغ الأدب عن العرب أنفسهم فكيف سيصل الكاتب العربي إلى العالمية كما يفعل الغرب.
نحن بحاجة للقراءة لكل هؤلاء القامات وتعريف هذا الجيل بهم وإن كنت من اول المقصرين.
إنني من عشّاق الكاتب الراحل نبيل فاروق، فأنا أرى أن نوعية الكتاب في هذا الفرع من الأدب نادرة فعلًا، وكاتب مثل نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق هو، على عكس ما يظن الكثير من القرّاء المتفلسفين الذي يتهمونهم بالسطحية، كاتب شجاع، قرّر أن يمنح مشروعه الأدبي لأدب النشء. إن هذه الفئة من الكتّاب، وهذان الكاتبان بالتحديد، من أوائل القراءات التي منحتني المفتاح نحو المزيد من الكتّاب والكتب ومصادر المعرفة. نبيل فاروق أول من عرّفني على أدب الجريمة، ومنحني الرغبة في تشويق القرّاء بالطريقة المناسبة. أحمد خالد توفيق أول من فتح الباب أمامي نحو إدغار آلان بو ولافكرافت وغيرهما. إن هذه النوعية من الأدب لا غنى عنها، ولا يمكننا أن ندحض دورها في توجيه المراهقين والأطفال نحو قراءة فضولية مثيرة وثرية.
التعليقات