طالما كنا نفتخر ونُبجل بطبقة المثقفين والكتاب، لكن أن يتم انتقادهم، قد يكون غريبًا علينا، لكن هذا ما قام به الأديب والكاتب المصري نجيب محفوظ في روايته الخفيفة ثرثرة فوق النيل 

الرواية التي كتابتها قبل نكسة  عام 76 تنتقد  حال المجتمع بشكل كبير وخاصة طبقة المثقفين والمفكرين. 

 يتحدث محفوظ في الرواية عن مجموعة من المثقفين الذين يعيشون حياة مزدوجة، فهم في الصباح أفراد عاملة على مضض في المجتمع وفي المساء تجمعهم عوامة على النيل مع فقدان تام للوعي بفضل "الجوزة" والكحول وابتعاد تام عن الواقع حيث يتسامرون ويضحكون ويتناقشون في مواضيع فارغة تمامًا من أي معنى أو منطق.

نجد هؤلاء الأفراد بدلًا من أن يكونوا مؤثرين في المجتمع ومن رواد تغييره محتفظون بأفكارهم منغلقون على أنفسهم غارقون حد الثمالة (بشكل مجازي أحيانًا وحرفي أحيانًا أخرى) في العبث والفراغ الدائم 

وحتى مناقشتهم لمشاكل المجتمع يغلب عليها طابع السخرية والابتذال بدلًا من أن تكون مناقشات فعالة هدفها التغيير والتطوير.

من وصل مأخذًا فكريًا منهم يرى العدمية والعبثية في كل مكان أمامه فيتوقف عن محاولة النضال والتفكير ولربما يرى أفكاره فوق المجتمع وييأس من محاولة تحسينه مبكرًا وينخرط في عمل روتيني يكفيه قوت يومه فحسب ويستسلم لسحر هذه العوامة وسحر الثرثرة 

على النيل.

يبدو أن هذه الرواية كانت قاسية جدًا عليّ فقد حدث كثيرًا أن وجدتني من شدة ما قرأت في موضوع أتخذ الحياد لأن كل طرف له حسناته وسيئاته واتهرب من النقاش الفعال وأحيانًا قد اسخر ممن يأخذون جوانب واضحة وأتحجج بقلة معلوماتهم ولكن هذا جعلني لا أقدم أي مفيد في أي نقاش وجعل تلك المعلومات الكثيرة سجنًا بدلًا من أن تكون أجنحة الحرية! 

يقول نجيب على لسان أحد شخصياته "فيا أي شيء افعل شيئًا فقد طحننا اللاشيء" ويقول أيضًا: "لم يبدع الإنسان ما هو أصدق من المهزلة

 وإذَا بعدما زلزلتني هذه الرواية الصغيرة جدًا في صفحاتها المليئة بالعبثية الجادة بين طياتها جعلتني أتسائل: لماذا ظاهرة الانسلاخ عن المجتمع والغرق في العبثية منتشرة بين المثقفين؟ ولماذا يسيطر عليهم الاكتئاب بدلًا من الرغبة الفعالة في تطوير المجتمع؟