لعل أكثر المواضيع التي تناولها الكتاب ووصفها الفلاسفة واستعملها الأدباء وتناقلتها ألسنة الخلق، هو موضوع "الحب" .
ماذا يعني؟ كيف يكون؟ هل هو حقيقة أو خيال، هل كل من يقول أنه وقع في الحب دقيق في كلامه، أم أنه يظن أن تباريح عقده واضطراباته وهشاشته النفسية حباً حين يتعلق بأحدهم تعلق مرَضي، أو يقلد الأفلام والمسلسلات مستعملاً ذاك الشعور المجهول بداخله حتى يقنع غيره أنه يهيم به حباً؟ تساؤلات كثيرة تدور في مخيلتي حول الامر.
قرأت كثيراً في ذلك المعنى واستمتعت كثيراً بوجهات النظر المختلفة، ولكن وقع الكلام يكون عندي مختلفاً حين أقرأ شيئاً للدكتور مصطفى محمود، ربما لأنني تربيت على كتبه وقرأت أكثر من عشرون كتاباً من مؤلفاته، ما بين الكتب والمسرحيات والمجموعات القصصية والمقالات وجميعها موجودة في مكتبتي. فعندما شرعت في قراءة كتاب "الأحلام" توقفت عند تصنيفه للمحبين حين قال:
"و الحب أحيانا يعبر عن عقد نفسية فينا لا علاقة لها بمن نحبهم بالمرة، قد يعبر عن مركب النقص، أو مركب العظمة، أو السادية، أو الهستريا، أو الهروب من المذاكرة أو من وطأة الحياة اليومية أو من مسئوليات البيت المرهقة أو هروباً من أنفسنا "
وأظن أن تلك الحالات موجودة بالفعل على أرض الواقع، فنرى من بعض من يدعي أنه واقع في الحب أفعال لا يصدرها محبين، بل مرضى نفسيين دون أدنى مبالغة، ورغم أن الجميع يدعي أنه يحب إلى أن ذلك ليس صحيحاً بالمرة إنما الحب الحقيقي نادر جداً، وقد وصفه الدكتور مصطفى محمود في ذات الصدد وقال واصفاً ذلك الشعور :
"أما الحب الحقيقي موجود مثل الماء في باطن الأرض يكفي أن تدق عليه ماسورة فينفجر في ينبوع لا ينضب، الحب إحساس جاهز فطري في داخلنا، ينمو إذا واتته الظروف .. و الحب الصحيح خال من الغرض و إنما تأتي الأغراض فيما بعد حينما يحس كل حبيب أنه عاجز عن الحياة بدون الآخر و أنه في حاجة إليه كل يوم وكل لحظة، ولا وسيلة إلى ذلك إلا بالزواج، و لهذا لا يكون الزواج هدفاً مقصوداً من البداية"
وما بين العقد النفسية والحب الحقيقي يقف الإنسان حائراً، مشتتاً عن ماهية الشعور الذي يشعر الآخر به نحوه، هل يُكذبه؟ هل يُصدقه؟ وما المعيار الذي يحتكم إليه في ذلك، وماذا لو أخطأ التقدير وجعل شخص ما يدخل حياته و يمارس ضغوطه وإضطراباته عليه تحت مسمى الحب؟، ولهذا قد وضع الدكتور مصطفى محمود علاجاً لتلك التساؤلات، حيث قال في نفس الكتاب وفي نفس الفصل كذلك :
"إن سقوط الكلفة وتكاشف الحبيبين بخفايا نفوسهما وتعارف الإثنين تعارفاً نفسياً مكشوفاً، ضروري لنشوء الحب و لقيام العشرة الناجحة بعد الزواج، وبغير هذا لا أمل في حل هذه المشكلة المعقدة، وبغير هذا سيظل الزواج و الحب أكاذيب متبادلة"
من وجهة نظرك، ما هي المعايير التي من خلالها نصنف المحب بحيث نعرف إن كان "صادقاً" في مشاعره أو "مُعقد" يُحدث الضرر لمن يدخل في حياته وينخدع به؟
التعليقات