في كتابه القراءة المثمرة يقول الكاتب عبد الكريم بكار
اننا نشعر ان لدى الناس معلومات كثيرة حول قضايا وأحداث واشياء كثيرة لكن الملاحظ ايضا ان فهم كثير منهم لا يتحسن, كما ان قدرتهم على المحاكمة العقلية مازالت ضعيفة, وقدرتهم على غربلة المعلومات ودمجها فى أطر ومحاور أكثر شمولية أشد ضعفا, وليس من الغريب أن نصف شخصا ما بأنه كثير القراءة ثم نجد أن "مركبَه العقلى" لم يطرأ عليه أى تغير خلال عشرين سنة من القراءة والإطلاع.
كثرة القراءة هو أمر مهم بلا شك، ولكن ما فائدتها إن لم تُغير فينا عيب، أو تُكسبنا عادات جيدة، ومعرفة نافعة؟ ومن هنا يحتاج القارئ إلى التساؤل حول كيفية الوصول إلى القراءة المثمرة لكل ما يقرأ. وقبل هذا عليه ادراك المعنى الحقيقي والمفهوم الجوهري لمصطلح (القراءة المثمرة)
هل تعني أنه يجب على القارئ أن تحفظ الكتاب كأبيات الشعر حتى لا ينساه بتاتًا ويظل محفورًا في ذاكرته أبد الآبدين؟ أم أنه يجب أي تقوم بتلخيص ما يقري بحيث يطلع من حين لآخر على هذا الملخص ويستذكره بحيث يستقر في خلايا مخه ولا يغادرها مجددًا؟
في ذات الكتاب يقول عبد الكريم بكار
القارئ الممتاز يكون مستعداً لأن يستفيد من القراءة ما يمكنه من هدم بعض ما كان يظنه ثوابت فكرية، وإنشاء ثوابت جديدة، وبذلك كله يكون قد خفف من أضرار ما عسى أن يكون أصاب برمجته المعرفية والذهنية الأولى من انحراف وقصور، وهذا هو المعنى العميق للنمو المعرفي
وهذا يضعنا أمام المعيار الأول للقراءة المثمرة، وهو التغيير المعرفي، والفكري لدى الشخص. وهذا التغيير لا يكون بحفظ المعلومات، وإنما بتطبيقها على الحياة الشخصية للقارئ، والحياة العامة. فإن كان القارئ رافضًا للطب النفسي، وكل نظرياته ومصطلحاته، ثم وقع أمامه كتاب يُقنعه بالدليل القوي، والحجة المبنية على أُسس علمية بمدى أهمية هذا القسم من الطب، ومدى ضرورة دفع من يحتاج إلى دعم نفسي للذهاب للطبيب، فاتوقع من القارئ حينها الخروج بفكرة مختلفة عن تلك التي دخل بها الكتاب، لا أقول أن يُغير رأيه كليًا ولكن على الأقل يكون على استعداد للتوسع في القراءة عنه والتعرف عليه وربما تغيير الرأي بتاتًا بعد عدة قراءات متنوعة.
كيف السبيل لهذا؟ يكون السبيل بأن يبدأ القارئ في قراءة الكتاب وهو على أتم الاستعداد للتخلي عن آراء ومعتقدات آمن بها لسنوات إن ثبت خطأها. وفي هذا الصدد يقول عبد الكريم بكار في كتابه السابق ذكره
القارئ الممتاز يكون مستعداً لأن يستفيد من القراءة ما يمكنه من هدم بعض ما كان يظنه ثوابت فكرية، وإنشاء ثوابت جديدة، وبذلك كله يكون قد خفف من أضرار ما عسى أن يكون أصاب برمجته المعرفية والذهنية الأولى من انحراف وقصور، وهذا هو المعنى العميق للنمو المعرفي
ننتقل لخطوة أخرى يجب على القارئ الاتيان بها أو الانتباه لها وهو يسير في طريق القراءة، ألا وهي حُسن اختيار من يقرأ لهم، فالكاتب المتخصص المبدع في مجال بعينه هو خير وسيلة للتعلم والتعرف على على هذا التخصص بشكل سليم غير فاسد.
القاريء الجيد يحاول أن يقرأ للمبدعين في تخصصاتهم , فمن ينابيعهم يغرف الألوف من الكُتاب المتوسطين , فمن الافضل ان يشرب المرء من النبع مباشرة , فالقنوات التي يمر بها الماء يمكن ان تغير طعمه ويمكن ان تفسده» عبد الكريم بكار - القراءة المثمرة.
نقطة أخرى قد تكون بسيطة، تافهة ولكنها مؤثرة بحق على جودة القراءة، وهي وضعية الجلوس أثناء القراءة.
إن هناك ارتباطًا وثيقًا بين إمكانية الفهم والاستيعاب، وبين الأجواء والأوضاع التي تجري فيها عملية القراءة؛ فالوضعية الغير مريحة للقارئ، والمكان غير المناسب للقراءة يُقللان من إمكانية استمرار القراءة، كما يجعلان الفائدة منها محدودة» عبد الكريم بكار - القراءة المثمرة
وبالطبع ليس هناك هيئة معينة لهذا المكان، فهو من رأيي تفضيلات شخصية، قد يُحب أحدهم القراءة في هدوء تام، بينما يستطيع آخر القراءة في المواصلات وسط الزحام بكل أريحية. الشرط الوحيد لهذا المكان أن يكون القارئ مرتاحًا به بصورة تجعله يواصل قراءة ما في يده لساعات طوال دون ملل، أو كلل.
نقطة أخيرة غاية في الأهمية من وجهة نظري، وفارقة في مدى استفادتك مما تقرأ ألا وهي المناقشة والنقد لما قرأت. أحب فكرة نوادي القراءة أو القراءات الجماعية لهذا السبب، فهي تُتيح لنا مناقشة ما قرأنا مع آخرين واستعراض لرؤية كل منا وفهمه لنفس النص، وهذا يُثري العقل، وينير نقاط قد لا نكون انتبهنا لها أثناء القراءة، علاوة على أنه يساعد على تشرب المعلومات التي قرأنها وتنظيمها بشكل ممنظم داخل عقلنا. هذه الطريقة مفيدة جدًا في الدراسة كذلك، أن تأتي بأحدهم وتعيد شرح ما درسته عليه يساعد على تثبيت المعلومة بخلايا عقلك، وعدم نسيانها على مرور الزمن، والمقصود بعدم النسيان هنا ليس أن تقوم بالتفوه بها كما جاء في الكتاب، وإنما أن تقدر على بلورتها وصياغتها بأسلوبك انت دون إخلال بمضمونها.
وهذا هو جوهر القراءة المثمرة.
أن تكون قادرًا على صياغة ما اتكسبته من معلومات وخبرات متنوعة من كل ما قرأت بأسلوب يعبر عنك، يحمل بعضًا من لمساتك، وآرائك، ورؤيتك دون اخلال بمضمونه، أو تغيير في جوانبه.
وليس شرطًا أن نظل متذكرين لكل ما قرأنا، فمخنا ليس حاسوب آلي يحفظ البيانات، يكفي أن نكتشف أن شيئًا فيك تغير، أو اكتسبت معرفة جديدة من كتاب ما حتى وإن لم تذكر اسمه، أو ما قرأناه فيه كله.
والآن، هل هناك طرق لتصل إلى قراءة مثمرة؟ أيضًا هل لك أن تشاركنا بآخر كتاب قرأته؟
التعليقات