في مساهمة سابقة لي، كتبت عن سيكولوجية الجماهير للكاتب غوستاف لو بون، حيث تشكلت العديد من الاستفسارات لدي مما حدا بي لمحاولة القراءة في موضوع التأثير على الجماهير، فكان أن وقع بين يدي كتاب (المؤمن الصادق-أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية) للكاتب الأمريكي إيريك هوفر، والذي يتناول أسباب الجذب لدى الجماهير ونفسية الجماهير ودوافعها ودور الإعلام، وتقدير الجماهير للقادة، واهتماماتهم، مبيناً فيه رغبة البشر في العثور على أيّ قالب يضمّ تواجدهم ويتقبّل أفكارهم، وفي ذلك يقول هوفر:

(يرى الإنسان المحبط عيباً في كل ما حوله ومَن حوله، وينسب كلّ مشكلاته إلى فساد عالمه، ويتوق إلى التخلص من نفسه المحبطة وصهرها في كيان نقي جديد...وهنا يجيء دور الجماعة الثورية الراديكالية التي تستغل ما ينوء به المحبَط من مرارة وكراهية وحقد، فتسمعه ما يشتهي أن يسمع، وتتعاطف مع ظلاماته، وتقوده إلى الكيان الجديد الذي طالما حنّ إلى الانصهار فيه....من هذا اللقاء الحاسم بين عقلية الفرد المحبَط الضائع وبين عقلية القائد الإجرامية المنظم ينشأ التطرف، ومن التطرف ينبت الإرهاب).

بين تشابه ذات الفكرة التي ناقشها كتاب سيكولوجية الجماهير وتلك المطروحة في كتاب المؤمن الصادق، وجدت بأنّ الغالبية من الذين يناقشون أفكار الجماهير وتوّجهاتهم يرون بأنّ الجماهير ليس إلا مشاعر محتقنة، ربما بسبب الظروف الاقتصادية وقد تكون الاجتماعية وربما الظروف العامة، ولكنّ الفكرة هنا بوجود بوتقة لها مآرب أخرى تستطيع احتضان احتياجات واهتياج تلك الجماهير لتستغله وفق مآربها الخاصة.

ألا يجعلنا ذلك الأمر ندرك أنّ الشخص المحبَط قد يكون سبب انهيار الكثير من المجتمعات، وتداعي الأخلاق والثقافات فيها؟، خاصة وأنّ ما يؤكد ذلك ما أورده هوفر حين قال: (عندما يثور الناس في مجتمع ديكتاتوري، فإنهم لا يثورون على ظلم النظام، بل على ضعفه)!!.

يرى هوفر بأنه يتم استغلال الفقر والحاجة لدى الآخرين لدعوتهم للانضمام للحركات الجماهيرية، ويأتي رأى هوفر المثير حين يرى بأنّ فئة الفقر المستهدفة هي الأقرب للطبقة الوسطى لأنّ الأفراد في هذه الفئة يسعون للارتقاء في الوضع الاجتماعي، وتدمير النظام الاجتماعي الحالي لأنهم سبب ما هم فيه من فقر.

قد تتسائلون لماذا الفئة المستهدفة هي فئة الفقر الأقرب للطبقة الوسطى، وليس الفقر المدقع؟ يجيب هوفر على ذلك بأنّ الفقراء جداً يكابدون للعثور على القليل بما يضمن قوت يومهم الحالي، ولذلك مثل هؤلاء يكونون أكثر خوفاً من التغيير، وفي ذلك يقول هوفر: (إنّ الصراع اليومي للبقاء على قيد الحياة يحفز على الجمود، لا على التمرد)!!.

يظن هوفر بأنّ الأشخاص الذين تعرضوا للفشل في حياتهم، والأقليّات والمجرمين سيكونون أيضاً من الفئات المستهدفة لسعيهم لإيجاد القيمة والمعنى لحياتهم!!، خاصة وأنهم يهربون من واقعهم المفروض عليهم.

يضع هوفر خلاصة فكرة تشكيل الجماهير حين يقول: (الحركة الجماهيرية يخطط لها رجال الكلمة، ويظهرها إلى حيز الوجود المتطرفون، ويحافظ على بقائها الرجال العمليون)!.

كثيرة هي الأفكار التي أثارتني في الكتاب لذلك تعمدت أن لا أناقش فكرة واحدة بل أن أضع الأفكار التي استخلصتها من الكتاب أمام عيونكم راغبة بمعرفة آرائكم فيما ظنّه إيريك هوفر، وأيّ الأفكار وافقت قناعاتكم أو تمّ رفضها من قبلكم؟