الأخلاق لا تقاس بناءً على المستوى العلمي للشخص! فكرة من كتاب العقد الاجتماعي.

ليس هناك أدنى علاقة بالمستوى الدراسي والاخلاق والتربية فهما شيئا لا يجمهما شيء وأنا أعرف أشخاص كثيرون لديهم من الذكاء العلمي والمعرفة والثقافة ما يجعلنا نصدق كما لو أنه لا يوجد مثلهم في هذه الدنيا ولكنهم يفتقرون للأخلاق وللآداب والدين ومستواهم الديني صفر وهذا ليس فقط على المستوى الطلابي بل أيضا على مستوى التدريس فيوجد لدينا أساتذة ودكاترة لا يفقهون شيء في التعامل الحسن ولا يمتلكون ذرة من الاخلق والقيم والمبادئ

الأخلاق، سلعة نادرة في زمن يَكثر فيه الإنحطاط، لا أقول هذا كأنني خالٍ من الذنوب أو الخطايا، ولكن حين أري شخص في قمة الحياء والتعامل الحسن ينهي عن المنكر ويأمر بالمعروف يُفرح قلبي أشد الفرح؛ كأني لم أري مثله من قبل، هذا ليس بالأمر الجلل ولكن حين يقل أمثاله فا وجودهم نعمه تُحس بأن الدنيا مازالت تحتفظ بخيرها،

يستحيل لطفلٍ بدرجاته المثالية أن يكون سيئاً

كم من أُناسٍ نالوا أعلي الدرجات العلمية، وأخلاقهم كالشجرة القبيحة، يؤذون الناس بكلامهم وتعاملاتهم الغير سوية، ما فائدة العلم بلا خلق " العلم بلا أخلاق كشجرة بلا أوراق "

كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " أكثركم خلقاً" عندما سُئل عن أكثر الناس دخولا الجنة.

الخلق أمر أعظم من العلم، هو الذي يحافظ علي العلم من الضياع، وهو أيضاً من يحافظ علي الناس من شرور العلم سواء في منصب كان أو حصوله علي شهادة علمية وكذلك.

ومعك حق ليس بالضرورة إقتران الأخلاق بالدرجات العالية وطالب ذو مستوي مرتفع.

اخبري والدتك بأنني كنت اكثر فتاة مشاغبة ومع ذلك كنت مجتهدة في الصف، اخبريها ايضا بأنني حتى في الجامعة طردت من الصف ومع ذلك كنت اول من يتحصل على درجات عالية للاستاذ الذي طردني من صفه.

لذلك المقولة الشائعة خاطىة، بالرغم من ان الكثير يؤمن بها، واكثر سؤال كان يزعجني هو لماذا اشاغب في الصف؟ وفي الحقيقة انني كنت احب ان اعيش خارج الصندوق، لا احب النظرة الماخوذة عن الطالب المجتهد، ودائما ما كنت احاول ان اقنع عائلتي بأن الشهادة لا تعكس شخصية الفرد، بمعنى قد احصل على شهادة عالية ولكن هذا لا يقيدني في ان احظى بحياة حرة ارسمها لنفسي، والى اليوم عندما اتحدث لاصدقاء عن ماضي السئ في مشاغبة في الصف، البعض لا يصدق، بقولهم: لا يمكن ان يكون قد حصل هذا.

ومن لم يعش المشاغبة وحياة الجنون في ماضيه فقد ضيع من عمره الكثير.

لا علاقة بالأخلاق بالمستوى العلمي مهما كان، الأخلاق شيء آخر تماما فهي تنبع من السلوك وتترجم اسلوب الحياة للشخص، فكثيرة هي الحكايات التي مررت بها وعن قرب ان طبيبا قد كان سيء الخلق وانتهى به الأمر لالغاء ترخيصه ومنعه من مزاولة العمل. وهناك من الأطباء من يستغلون المرضى سواء ماليا أو أخلاقيا وهذا الابتزاز قد تشاركه عمليه التعلق من المريضة بالطبيب او العكس وهذه حالات معروفة وبالتالي هل شفعت دراسة علم الطبيب او الطبيبة لسلوكهم.

ونسمع ان هناك بعض الأساتذة قد استغلوا الفتيات واقاموا معهم أمور خارجة عن القانون وكانوا هؤلاء المدرسين من المشهود لهم بالعلم والمعرفة والذكاء الشديد ولكن في هذا الجانب السلوكي قد رسبوا.

وسمعنا قبل فترة كيف أن مدرب فريق كرة للفتيات قد استغل اللاعبات ولم ينكشف امره الا بعد ان قامت احدى اللاعبات بتقديم شكوى ضد مدربها بعد ان ارتفع سمتوى ابتزازها لها ولتكتشف حكايته مع الكثيرات من اللاعبات.

رأيت هذه النماذج رأي العين في الجامعة، فكم من أساتذة لديهم أعلى الدرجات العلمية وهم عديمو الاخلاق والإنسانية والمبادئ، النجاح العلمي والمهني لا علاقة له على الإطلاق بمدى الاخلاق والاحترام والمبادئ، وهناك عشرات الأمثلة الشهيرة على هذا سواء من العلماء أو المفكرين أو أصحاب الأعمال، ومن الخطأ الذي يقع فيه أغلبنا أن اعتقادنا أن الناجحين هم دائما جيدين.

هذا النوع من التفكير لا يوجد فقط تجاه المتفوقين أو الناجحين، بل حتى الأشخاص الذين لديهم قدر من الوسامة، أو حتى الأغنياء، يقول المتخصصون في علم النفس أن غالبية الناس يميلون للاعتقاد بأن هؤلاء الأشخاص من المؤكد أنهم جيدون ورائعون بلا أي دليل منطقي، بل حتى التعاطف ليس محايدا، ففي تجربة شهيرة أتى الباحثون بطفلة وألبسوها أزياء فقيرة وأعادوا نفس التجربة وهم يلبسونها ملابس فحمة، وقد وجدوا أن التعاطف مختلف تماما في الحالتين.

الحقيقة التي ربما تكون مؤلم أن البشر في معظمهم أكثر سطحية وانحياز أكثر مما نتصور، لذلك في كل مرة تتعاطف فيها مع شخص ما اسأل نفسك هل تتعاطف معه لأنه فعلا يستحق التعاطف أم لأنه وسيم أو غني أو ناجح؟؟

كلّ أديب مثقف، ولكن ليس كلّ مثقف أديب يا آية..

حتى الأدباء والكتاب أبقى معجبة بكتاباتهم طالما راعوا الأخلاق وترفعوا عن العبارات السطحية التافهة السيئة، فإذا ما أساؤوا أو سقطوا في تلك الهوّة أطلقتُ عليه كاتب ولم يستحق عندي وقتها مسمّى أديب.. لأنّ أصل هذه الكلمة هي أ-د-ب.. ولا ينفصل الأدب عن الأخلاق.

عطفاً على موضوعك..طبيعة عملي تتطلب مني حضور اجتماعات يترأسها من لا يقلّ عن رتبة وزير بحضور مَن لا يقلون عن رتبة قائد أو باشا أو عقيد..

في أول اجتماع حضرته حين أتخليني أدخل خلية كلّ مَن فيها راقٍ مترفع عن الزلات صاحب أخلاق ومبادئ وراسم سياسات.. شخصية تشبه ما نتخيله عن صلاح الدين وخالد بن الوليد..

كانت صدمتي كارثية.. إنهم أدنى من أقل توقعاتي، وأقل من أضعف خياراتي..

الطالب في تجربتك قد يكون ابناً مدللاً لعائلته فضاعت أخلاقه في دلاله أو قد يكون ذويه مَن يعاملان الناس بفوقية فاستمد منهما ما هو عليه.

بالنهاية.. السير الذاتية لكبار العلماء والأدباء والفلاسفة والقادة تعجّ بالخطايا التي لا تقترب من الإنسانية أبداً.. لذلك فالأمر صدقاً لا يفاجئني.

أعتقد أن الأخلاق موضوع يتأثر ببعض العوامل ولكن ليس له قاعدة يمكن الاعتماد عليها، فلا يمكن القول أن المثقف أخلاقي، أو أن الناجح أخلاقي، أو أن الفنان أخلاقي، رغم أن الثقافة والنجاح والفن أمور محمودة لكنها لا تحتم أن يكون أصحابها أخلاقيين أو صالحين، فبعض قادة الحروب كانوا على درجة عالية من الثقافة مثل ونستون تشرشل.

وقد شاهدت بحكم احتكاكي الدائم بأساتذة الجامعة حتى بعد انتهاء دراستي الكثير من النماذج الذين يمتلكون درجات علمية رفيعة من أعرق الجامعات ولا يتحلون باللياقة أو يقومون بإهانة العاملين في الجامعة، والأسوأ أن بعضهم تعرض للمساءلة لانهم يتحرشون بطالبات، ومما لا شك فيه أن الشخص الأخلاقي قد يكون في أي مكان وفي أي منصب وهذا ينطبق على الشخص غير الأخلاقي.

المعرفة لا تُولّد الأخلاق، والأفراد المثقفون ليسوا بالضرورة أناساً صالحين " ، 

أوافق جاك روسو في مقولته، لأنّ الأخلاق ليست معارف نتعلمها من الكتب وإنما تنبع من أعماقنا وتكبر وتنمى بسلوكياتنا، وليس بالاطلاع والثقافة.

أما عن تجربتك فإنه لمن الرائع أن تكوني ناضجة ومُلاحظة بهكذا عمر، وبالفعل قد لاحظت ذلك أيضا، وأغلب الأساتذة لديهم نفس الحكم والأدهى من ذلك أنهم يتغاضون حتى عن قلة أدب هؤلاء لمجرد أنّ علاماتهم ممتازة.

لقد كنت ألاحظ كيف تضحك الأستاذة مع أحدهم، وهو يقلل أدب ويتكلم عن أستاذ ويصفه وصف سيء، وهي تضحك وتقول له من أين لك هذه الافكار، ولو أنك لست ممتازا لما تسامحت معك.

في حين كان هناك طلاب علاماتهم متدنية ولكنهم في منتهى الأخلاق والأدب.

وأزيدك من الأمثلة مثالا آخر، التلميذ الأول في المتوسطة التي درست فيها، كان سيء الأخلاق ونقاطه من الغش...وليست جهده.

إن الموقف الذي ذكرته يحدث في كل شيء تقريبًا، لو حدث ذلك الموقف بين شخص غني و فقير سينصرون الغني (كلامي عن الأشخاص السطحيين منهم أو عديمي الضمير). لكن لو قمنا بالفرض أنه حدث خلاف بين متفوق أو الأعلى في شيء ما و آخر أقل منه، و كذلك أن المتفوقين يتمتعون بالأخلاق أكثر من غيرهم، فهذا لا ينفي أنه إنسان و يخطئ، المغزى هنا أنه لا يجب عليهم وضع الأحكام إلا بوجود أدلة على ذلك.