كتب السير الذاتية بطبعها كتب ممُتعة، هذا إن كتبها كاتبٌ جيِّد، فلا صنف آخر من الكتب تشعر فيه بمثل هذا التقارب بينك وبين الكاتب، فهو يبثّك همومه كصديق حميم، لكن لو أضفنا لذلك كلّه قصص من المعاناة والارتقاء الصعب إلى القمّة، قصص من الايمان بالأفكار حتّى عند أصعب الظروف، سيكون هذا الكتاب خالدًا، وكذلك حالُ مؤسس نايكي، فيل نايت وكتابه مارد الأحذية.

"قلتُ لنفسي في ذلك الصباح عام 1962، ليقل الجميع أنّ فكرتك مجنونة، لا يهمّ، لا تتوقّف، ولا تفكّر أبدًا بالتوقّف حتّى تصل إلى محطّة لا بلوغ بعدها، بل لا تفكّر بهذه المحطّة أصلًا، ليأتِ ما يأتي، لا تتوقّف"

قرأتُ الكتاب بعد صدوره بلغته الانجليزية وكان اسمه Shoe Dog وتُرجم للعربية لـ"مارد الأحذية" هذا الكتاب مليء بالقصص المُلهمة، هو ليس كتاب سيرة ذاتية وحسب، بل قصّة ادارة شركة، قصّة رحّال حول العالم، قصّة مُحاسب، قصّة زوج، قصّة أب يتفجَّع على ابنه الذي مات بعمر صغيرة، وقصّة واحد من أنجح رجال الأعمال في التاريخ.

رحلة التحوّل من شركة محلّية تُدعى "بلو ريبن" إلى شركة "نايكي" التي تستحوذ على الرياضة والثقافة في أيّامنا هذه، هي رحلة صعبة ومليئة بالعراقيل، وأنا أقرأ الكتاب لم اكن لأريد أن أؤسّس نايكي، فما مرَّ به فيل نايت صعب مرير، لكنِّي فضلتُ أن أكون مُشجعًا له على مدار الكتاب، ومُذرفًا لبعض الدموع في بعض اللحظات المؤثِّرة.

"الرياضة مثل الكتب، تُعطي الناس احساسًا بأنّهم يعيشون في حيوات أخرى، يُشاركون الآخرين في انتصاراتهم وخسائرهم، حين تتجلَّى الرياضة وتُبرز أفضل ما عندها، فلروح المشجع قابلية على أن تمتزج بروح الرياضي"

لفت نظري من هذا الكتاب قصّة، فيل نايت كان قد ذهب إلى بلدان عديدة لاقناع الشركات للتعاون معه، وواحدة من تلك الرحلات كانت للقدس، في تلك الأيّام كان مهووسًا بالأحذية، وبدأ ينتبه على أحذية الناس وأشكالها، حتّى حينما رأى صخرة المعراج، طبَّق عليها الهوس، وأخذ يُفكِّر بالشكل المطبوع على الصخرة، أهي تعود لحذاء أم هي أثر قدم حافية؟

طبعا فيل لم يتأكد من القصة، فهو يرويها على أنَّ الأثر لقدم الرسول (ص) الشريفة، لكنَّ علماء الاسلام يفندون هذه الدعوى، حتى اضطر هذا الامر عالما فاضلا مثل ابن القيم بان يصف هذه الحادثة بأنّها كذب مفترى.