هل ما يفهمه القارئ هو بالضرورة ما يقصده الكاتب؟
نُصادف في كتب النقد الأدبي مقولةَ "موت المُؤلِــف"، وهي مقولة تتكرر باستمرار، خاصة في تلك الكتب التي تُعنى بالبحث والكشف عن معنى النصوص الأدبية، وهي مقولة مجازية تعني نهاية سلطة المؤلف على نصه، فبولادة النص وبروزه للوجود، تنتهي علاقة المؤلف بما كتبه، ويتجرد النص من خصوصية المعنى الذي أراده كاتبه، ليخوض حياة جديدة مع القارئ، يبحث فيها عن وجودٍ له، لذلك فغالبا ما تمثل الكتب أو الروايات التي نقرأها صراعا بين ما ألّفه الكاتب من جهة، وما فهِمه القارئ من جهة مقابلة، واختلاف بين ما يقصده الكاتب وما يفسره القارئ.
وهو اختلاف لا يمكن مَحوَهُ، لأن لكل من المؤلف والمتلقي نصيبٌ في امتلاك المعنى، لذلك فلا وجود لعمل أدبي دون قارئ، ذلك أن القارئ هو الذي يبث الحياة في النصوص دائما، وهو الذي يُحيي معانيها دوما.
ونظرا لأهمية القارئ بالنسبة للنص وللكاتب، فإننا نجد اليوم نصوصا وروايات تخاطب القارئ بشكل مباشر، فيتحول القارئ إلى شخصية داخل الرواية مثلا. إذ يعمل الكاتب على مخاطبة القارئ علنًا وإشراكه في الأحداث، وأراها حيلة سردية من أجل استدراج القارئ نحو فهمٍ معين للرواية، وإقصاء كل التفسيرات والتأويلات المخالفة لِــمَ أراده الكاتب. نجد ذلك في رواية "الحالم" لسمير قسيمي، والتي نقرأ في مقدمتها قوله: ''من حق القارئ أن يعلم أنني في هذا العمل لم أكن إلا محررا لقصة وقعت بالفعل. وليس حظي منها إلا كحظ الراقن حين يرسم على الأوراق ما يُملى عليه. فأحداث الرواية حقيقية وكل شخوصها من الواقع ولا صدفة هناك ما تطابقت هذه مع الحقيقة'' الرواية، ص7.
فالكاتب يريد أن يُوهم القارئ بحقيقة ما يروي، في حين سنُدرك فيما بعد أن كل الأحداث هي محض تخييل، حيث يحاول إنشاء عوالم بديلة تقترب من الواقع لكن لا تدّعي الحقيقة، ليدرك القارئ فيما بعد أن الايهام بالواقعية لم يكن إلا حيلة استعملها الكاتب لتبرير حقيقة ما يروي، ويتحول القارئ من قارئ للأحداث إلى مشارك ومؤثرٍ فيها ومحققٍ لها، وهكذا يتم تهيئة القارئ في نهاية مقدمة الرواية: ''الآن وقد قلت كل هذا، فلا يسعني إلا أن أترك القارئ يقرأ الرواية، وكلّي أمل أنه حين يفعل ذلك ويبلغ خاتمتها، سيعرف أن ما جرى معي لم يكن مجرّد خيال أو هلوسات كاتب على حافة الجنون'' الرواية ص 15.
وبذلك يقوم الكاتب – على طريقة كُتاب الميتاسرد – بتكسير الايهام بالواقعية لإبعاد الوهم والاستلاب عن المتلقي، لكنه يحاول من جهة أخرى أن يصاحب القارئ في عملية القراءة وأن يتحكم في افتراضاته عبر الإجابة عن أسئلته الممكنة طالما أن السرد أخذ مجرى التخييل والتوقع.
وأنتم ما رأيكم؟ هل المعنى – الذي يتستر غالبا خلف مضامين الكتب والروايات – يكمن دائما فيما قصده المؤلف؟ أم أن للقارئ الحرية في فهم النص؟ وفي استخراج تفسيرات عديدة له؟ أم أن تحديد مغزى الروايات هو عملية مشتركة بين المؤلف والقارئ؟
التعليقات