لقد كنتُ تائهًا في الفصول الأولى من الرواية، وأوشكتُ أن أضجر من الفجوة الواسعة والاختلاف الذي لا يُطاق بين الكاتبة وخادمتها، واغتالتني رائحة الخوف، إذ أن ماجدا قد استهلّت الكتابة بالتعبير عن حالة نفسية رهيبة من الخوف الذي يُذكّرني بكافكا، وكلما قرأتُ أكثر، تلاشى ضجري، وبدأت أشعر بنفسي تغرق في أوج الأحداث المرتبكة، والقلق يلفّني من كل جانب، ويسرق انتباهي فلا ألاحظ أحدًا من حولي، حتى أنها كانت تساورني حالة من الغياب الغريب والغرق في القراءة تارة، وتارةً أنتبه على حين طعنة حُزنٍ تُخلّفها ماجدا في قلبي.

دومًا يجتذبني الاضطراب، ولا أجد الهدوء والمتعة إلا في أغوار القلق والتوتر، وبدأتُ أستمتع حين حلّت فصول الارتباك التي تشبه حياتي، وذلك الوضع من التصادم والصراع والرفض الشرس بين الكاتبة وخادمتها الجريئة، هل العلاقات القوية تبدأ دائمًا بالنزاع؟

لقد أحببت إيمرنس، وأحببتُ مشاعر الوفاق والألفة التي أخذت فجأةً مكانًا كبيرًا في المساحة الشاسعة بينها وبين الكاتبة، رغم أنف الاختلاف والفجوة التي كانت تراها الكاتبة بينهما، إلا أن الأشياء ليست كما تبدو، فقد اكتسبت الكاتبة معاني غالية ونفيسة من خادمة لم تفعل في حياتها إلا العمل في البيوت والحدائق، هذا لأن بعض الناس عبارة عن كتب عظيمة متجسّدة، نستغرب أحيانًا من تفضيلنا لهم على الكتب،

وهذا ما يجعلنا ندرك أن المعرفة لا يكون مصدرها الوحيد دائمًا هو الكتب.

لقد أحببتُ العلاقة بينهما، والحب الصادق الذي اشتعل على نحوٍ عجيبٍ في قلب الكاتبة ومشاعر الرحمة التي كانت تسرّها نحو خادمتها، أما الخادمة فكانت تتمتع بشخصيةٍ حازمة صارمة وملامحٍ خشنة، إلا أنها تُخفي وراء صدرها قلبٌ رحيم، تُضمر الحب ولا تبسط يدها كل البسط، كانت من أولئك الذين ينتابهم شعور يكاد أن يكون إحراجًا حين يُعبّرون عن مشاعرهم الخاصة.

لقد كشفت الرواية عن المشاعر الإنسانية المختبئة والتي لا ندرك ضرورة الحديث عنها إلا في أوقاتٍ متأخرة، حيث ينخرنا الندم مثل دودة، فنذرف الكثير من الدموع فوق قبور الذين نحبهم بدلًا من كلمات الحب التي كان بإمكاننا أن نخبرهم إياها.

ماتت إيمرنس، ولم تسمح لأولئك الذين يحبونها بمد يد العون، لقد ماتت وحيدة، وهزّني موتها هزًا شديدًا، مما دفعني لكي أتساءل:

هل لدينا الحق في أن نحمي الذين نحبهم من أنفسهم؟