الاختيار الأخير قبل الإبحار: السفينة تنتظر قراراتك

﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾

أحيانًا أسأل نفسي:

هل السخرية جزء من طبيعة البشر؟

هل وُلدنا جميعًا نحمل هذا الداء في داخلنا؟

أم أن هناك من اختار أن يسخر لأنه لا يعرف كيف يواجه خوفه؟

الشخص الذي يسخر، هل يفعل ذلك لأنه متأكد أن من أمامه يستحق السخرية؟

في قصة نوح عليه السلام، كان القوم يمرّون به ساخرين وهو يصنع السفينة.

كانوا يعلمون في قرارة أنفسهم أنه على حق،

لكنهم أرادوا أن يطفئوا ثقته بنفسه، فتحول الأمر بداخلهم إلى المحاولة الأخيرة

أن يكسروه نفسيًا لعلّه يتراجع ويترك رسالته.

ومع ذلك، استمر.

نفّذ أمر ربّه دون تردّد:

﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا﴾

ولكن هناك متسع للفهم بين السطور

يخبرنا من أفعال نوح قائلا:

علمت منذ الوهلة الأولى من يكونون وما هي هويتهم الحقيقية، وفهمت كيف أميز بين من ينصحني ومن يسخر ويهدمني.

فالناصح

لا يحتاج إلى هدمي أو كسري أو تحطيمي بانتقاده، ولكنه يبني معي، يحدثني، ويخبرني بأن أفعل هذا وهذا كي أنجح، وينقصني هذا وهذا كي أنمو.

والساخر

يحبطني ويكسرني ويضللني، حتى يحجمني بمراتي.

وكانت وصية الأخير لتلك اللحظة، لا تنسى أنهم كانوا قومي، وكلما أملك، فجاءت كشفره لتخبرنا:

الساخر لا يشترط أن يكون غريبًا عنك أو غريبًا عن دائرتك.

هنا توقف وحدث نفسك:

أي كان من ينصحني، هل هو حقًا أهل للنصيحة؟

مثل أحد تحدث معك عن قصر قامتك، هل هو حقًا طبيبًا يصف لك علاجًا لطولك؟

أو أن طولك يشكل خطرًا على حياتك، فتأتي كلماتها كنصيحة مصيرية من شخص مختص؟ 😅

حقًا، فلماذا تصغون إليه؟

افعل كما علمنا نبي الله نوح.

لم يتوقف عند السخرية، بل مضى حتى جاءه السلام:

﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ﴾

وتعلم:

الساخر ليس بناصح.