كثيرا ما تختلف مع أهلك، أصدقائك، شريكك، حول مسألة ما، وفي الأخير تجد أنها اختلاف في اللاشيء، لكن المشكلة أن اللاشيء هذا هو نفسه من يدمر كل شيء، كم من صداقة خسرتها، كم من لحظة انكسرت فيها امام أهلك وكسرتهم، كم مرة فقدت فيها عميلا أو مشروعا مهما، إنها كثيرة أليس كذلك؟ دعني أربت عليك وأخبرك أنك لست الوحيد، ولنضع أيدينا على المشكلة.

المشكلة تكمن في التميز والتفرد، كل منا له هويته الخاصة، التي تعبر ليس فقط عن حقيقته، بل هي مملكته وملعبه بالكامل، ما يجعل أي اختلاف مع الغير يشعرنا بأننا مهددون في وجودنا العميق، ومنتهكون في ذواتنا وممتلكاتنا، لذلك نجد أنفسنا في صراع دائم لحماية هذه الحقيقة، وأن نجعلها معدية قدر المستطاع ، لأن في ذلك حماية أكبر لنا.

في الفلسفة، يعتبر هذا الصراع طبيعيا بل وغريزيا، لكنه يستوجب التهذيب والتحسين لكي نستحق مرتبة الإنسانية أولا، ثم نكون جديرين بالحياة والمشاركة، لذلك دعنا نلخص سويا أهم النقاط التي تجعلنا نرتقي نحو مرتبة محاور جيد ونتأسى بمبادئ الحوار الأصيلة، ولما لا نكون محاورين مؤثرين وملهمين:

*العقل البشري فائق الذكاء، لذا سيعمل على تغطية غرائزه بأغطية أيديولوجية ودينية وثقافية، لذلك علينا أن نحاول بذكاء، نراجع مبادئنا وأفكارنا التي برمجنا عليها ونتحرر من قيود الأيديولوجيا، ولا نقع في فخ محاور مأدلج.

* الأخر هو الجحيم، والإنسان دئب لأخيه الإنسان بالفعل، لكن الأخر أيضا له حقوقه وكرامته ومبادئه، لذلك علينا أن نحترم الغير، ونعطيه كافة الحريات، لأن الأخر هو من يجعل الوجود ممكنا.

*- الوعي بأن الحقيقة ليست ملكا لأحد، وأن المرونة الفكرية شرط أي وجود متزن، لذلك لا ليس علينا حماية أي شيء، ولا ممارسة أي مغالطة منطيقة لإثبات شيء، لأن الحقيقي يدافع عن نفسه بنفسه.

* الاختلاف لا يعني الخلاف، نختلف بحب، ونسمع بعضنا بعمق، ويرجع كل منا لفراشه بالأفكار التي تناسبه، فالاختلاف لا يفسد للود قضية.

* أن نعتبر اللغة وسيلة للتعبير والتقارب والتعايش لا وسيلة لإثبات الأقوى، والحوار مكان للمشاركة والاستماع، لا لتسلط والاستقواء، الغرض من الحوار هو إيجاد مشترك حضاري وكل ما يهدد هذه المساحة المشتركة يجب منعه.

وأنت عزيزي القارئ، ماهي الأخلاقيات التي يجب مراعاتها في الحوار أكثر؟ وما السبيل لجعل الحوارات الحساسة حوارات مثمرة فعلا؟