لعامة الناس تصور غريب عن الفلسفة، فلا شك بأنك سمعتهم كثيرا يقولون: ''لا تتفلسف يا هذا''، لكن إن سألتهم: ''و ما الفلسفة؟'' فهي على الأرجح بالنسبة لهم (دخول و خروج في الكلام) كما نقول في عاميتنا.

لكن النظرة الأكثر انتشارا للفلاسفة هي أنهم ملحدين. أجل، لا دين لهم و لا ملة. دعني أنقل لك بعض الوقائع من محيطي و تجربتي الصغيرة:

عندما كنت في 13 من عمري لم أكن أعرف ما هي الفلسفة، لكن كانت لدي فكرة بأنها شيء جميل للغاية و جد متعمق. و في 14 عرفتني عليها صديقة لي كان والدها باحثا في الفلسفة. و أكدت لي أنها شيء جميل و سيعجبني بالتأكيد و نصحتني ببعض الكتب التي لم أقرأها. لكنني قرأت كتابا آخر نصحتني به بائعة الكتب: عالم صوفي. هذا الكتاب الرائع الذي يعتبر المدخل الحقيقي للفلسفة، من هناك تعرفت على الكثير من الفلاسفة. و يا للمفاجأة، كلهم كانوا مسيحيين باستثناء جون بول سارتر الملحد. أي أنهم يؤمنون على الأقل بالله أو لأقل بالخالق. ثم انتقلت بعدها لكتاب جمهوية أفلاطون و بدأت رحلة ممتعة.

لكن لحظة، ما بالهم زملائي في الدراسة يقولون أن أساتذة الفلسفة ملحدين؟ و هذا أنا في الخامسة عشر، و هذا أنا قد دخلت الثانوية و سأقرأ الفلسفة لأول مرة في حياتي كمادة دراسية. و، ماذا؟ تحذيرات من كل مكان. أستاذ الفلسفة الذي ستدرسين عنده ملحد يا فتاة. في إحدى الأعوام أشعل ولاعة و قال لطلابه قولوا لإلهكم أن يطفئها. و احذري يا فتاة، لا تكتبي في الدفتر: باسم الله الرحمان الرحيم كما تعودت. و إياك أن تذكري الله، سترسبين يا فتاة. أجل، هذا أستاذ الفلسفة و ليس فيلسوف، و يتهم بأنه ملحد. و هذا أنا أرى هذا الأستاذ و أدرس عنده، صراحة كان يشبه في شكله سقراط. لم نكن ندرس الفلسفة، كنا ندرس تاريخها فقط كتمهيد. و أنتظر أنا أي إشارة تدل بأن أستاذي ملحد، لكنه كان يتحدث أحيانا عن بعض الآيات القرآنية و حدثنا عن الفلسفة الإسلامية. لكن ما أدراني؟ لم يشر لشيء، و خرجت لا أعرف إن كان ملحدا أم مسلما.

و العام الثاني في الثانوية سأدرس عند أستاذة فلسفة هذه المرة. و تدخل الأستاذة، و يا سلاااام، إنها محجبة أيضا، و لا يخفى على أحد أنها مسلمة، ذلك لأنها حكت لنا بنفسها أن هنالك نظرة عامة لأساتذة الفلسفة بأنهم ملحدون و ضحكت و هي تردد التحذيرات التي لا بد سمعناها قبل عام.

و ندرس في مادة التربية الإسلامية درسا يسمى ب ''الإيمان و الفلسفة'' و يؤكد لنا الأستاذة أن لا تعارض بينهما لأنهما معا يهدفان للوصول للحقيقة و يدعوان لإعمال العقل.

هل تغيرت نظرتي للفلاسفة و أساتذة الفلسفة؟ لا. ببساطة لأنني لم أكن من الأغلبية الذين يعتقدون بأ التصاق الفلسفة بهم دليل على إلحادهم. لأنني تعرفت على الفلسفة قبل الثانوي و على الفلاسفة كنت أدرك تماما أن لا تعارض بينهما.

لكن لا تزال تلك النظرة شائعة، و أنا متأكدة أن محيطي ليس سوى نموذج فهي موجودة بجل الدول العربية إن لم أقل كلها.

و طوال التاريخ كانت هنالك تلك النظرة، ما اختلف أن أساتذة الفلاسفة المساكين أيضا لحقتهم، و أكبر دليل كتاب ''تهافت الفلاسفة''. لكن من يتعمق في الفلسفة بحق يدرك أنها تؤدي إلى الله (بغض النظر عن الديانة)، هل أذكر ديكارت و بحثه عن الخالق؟ أم أن نيتشه اللاديني؟ و ربما سيكون ابن رشد الفيلسوف المسلم أروع مثال عن اتحاد الفلسفة و الدين؟

الرجل في الصورة أعلاه هو الفيلسوف فرانسيس بيكون الذي له مقولة جميلة و معبرة:

قليل من الفلسفة يقود الى الإلحاد، كثير منها يقود الى الإيمان.

لكن هنالك فلاسفة مشهورين ومتعمقين و . . ملحدين: كمثال بول سارتر. ربما يكون مجرد استثناء لا يصمد أمام عشرات الأمثلة الإيجابية.

و أنتم ما رأيكم؟ هل هنالك تعارض بين الفلسفة و الدين؟