تتمنى الاستمرارية، وتطمح إلى النجاح وتحقيق الأماني، لكن توقّف قليلًا، وأنصت لذلك الصمت الذي يسكنك، ففيه الإجابة التي تهرب منها.

اسأل نفسك بهدوء: ماذا فعلت بكل ما مضى من العمر؟

هل زرعت في أرضك بذور الأمل ليسقيك الصبر والعزيمة؟

أم تركت جذور اليأس تمتد في أعماقك حتى ذبلت روحك وخبا فيك الضوء؟

هل منحت قلبك للحب لينمو فيه دفء الإنسانية؟

أم تركت الكره والضغينة ينهشانك حتى فقدت ملامحك الأولى؟

هل شيّدت في داخلك قصرًا من المودّة والثقة تأوي إليه حين تشتدّ العواصف، وتلوذ فيه روحك من صخب الحياة؟

أم أقمت سجنًا من الندم والغدر تحبس فيه نفسك، وتعيد محاكمتها كل ليلة بلا رحمة، كأنك خصمها وقاضيها وجلادها معًا؟

كم من عامٍ مضى وأنت تؤجّل البداية؟

كم وعدٍ قطعته على نفسك ثم خذلته؟

كم حلمًا دفنته لأنك ظننت أن الوقت فات؟

وكم مرةٍ نظرت في مرآتك وتجنّبت عينيك لأنك لم تعد تعرف من يحدّق فيك؟

يا صديقي… لقد عشت كثيرًا، ولم يبقَ إلا القليل.

فانهض، قبل أن تنطفئ آخر شمعةٍ في صدرك.

انهض، ولو كانت الجراح ما زالت تنزف، فكل جرحٍ فيك يحمل حكمة، وكل ندبةٍ تروي حكاية نجاة.

انهض، لأن السقوط لا يعني النهاية، بل بداية شكلٍ آخر من النهوض.

اغفر لنفسك ما كان، ليس لأنك نسيت، بل لأنك قرّرت أن تفهم.

افهم ضعفك، وتقبّل كسرك، وامنح نفسك فرصةً لتتنفّس من جديد.

فالرحمة بالنفس ليست ضعفًا، بل شجاعة نادرة لا يمتلكها إلا من صادقوا وجعهم وأحبّوه حتى تعافى.

ازرع الأمل من جديد، حتى لو جفّت الأرض.

واسقِ قلبك بالحب، حتى لو كان ينبع من دموعك.

فربما تزهر بعد طول خريف،

وربما تولد من داخلك نسختك الأصدق، تلك التي تؤمن أن الحياة لا تنتهي حين نفشل،

بل حين نتوقّف عن المحاولة.

وحين تصغي لذلك النداء الخافت في أعماقك، ستشعر بأن شيئًا يتحرّك من جديد،

كأن وردةً صغيرة تشقّ طريقها من بين أنقاضك،

كأن ضوءًا قديمًا عاد يتسلّل إلى صدرك بعد طول غياب.

حينها ستدرك أن النور لم يغادرك يومًا، بل كان ينتظر لحظة صدقٍ منك،

لحظة تصالحٍ لا مع الماضي، ولا مع الآخرين،

بل مع ذاتك التي أرهقتها القسوة، وآن لها أن تُسامَح.

فامضِ، ولو بخطوةٍ واحدة،

ودع الأمل يقودك،

فما دمت قادرًا على الإحساس بهذا النداء،

فما زلت حيًّا،

وما زالت فيك بذرة النور تنتظر أن تُزهر.