هل تتذكر تلك الأيام التي كنت فيها راكباً في المقعد الخلفي للسيارة؟ لم تكن تعرف شيئاً عن القيادة، لا عن سرعة السيارة ولا عن خطورة المنعطفات. كان كل ما يهمك هو الوصول، وربما الاستمتاع بالمنظر من النافذة أو الغناء مع الأغاني في الراديو.
لم تكن تشعر بالقلق عندما يسرع السائق قليلاً، أو عندما يقترب من السيارة الأخرى بمسافة قصيرة. لم تكن تلاحظ تلك اللحظات التي يتطلب فيها الأمر ردة فعل سريعة أو قراراً صعباً. كنت تثق بالسائق ثقة عمياء، وتعيش في فقاعة من الأمان الوهمي.
ولكن بعد أن تعلمت القيادة، تغير كل شيء. أصبحت تعرف معنى النقطة العمياء، وخطورة القيادة تحت المطر، وأهمية المسافة الآمنة بين السيارات. بدأت تلاحظ كل حركة يقوم بها السائق، وتقيّم كل قرار يتخذه.
الآن عندما تجلس في المقعد الجانبي، تجد نفسك تضغط على فرامل وهمية، وتشد على المقعد في المنعطفات، وتتمنى لو كان بإمكانك التحكم في السيارة بنفسك. لقد فقدت تلك الطمأنينة التي كنت تشعر بها عندما كان الأمر خارج نطاق فهمك.
هذه ليست مجرد تجربة في القيادة، بل انعكاس لحقيقة أعمق في الحياة. أحياناً تكون المعرفة نعمة، وأحياناً تكون عبئاً. عندما نعرف أكثر، نقلق أكثر. عندما نفهم المخاطر، نفقد جزءاً من السلام الداخلي الذي كنا نتمتع به في أيام الجهل البريء.
لكن رغم هذا القلق، فإن المعرفة تمنحنا شيئاً أثمن: القدرة على اتخاذ قرارات مدروسة، وتجنب المخاطر الحقيقية، والتحكم في مصيرنا بدلاً من الاعتماد على الآخرين. قد نفقد الطمأنينة العمياء، لكننا نكتسب الثقة المبنية على الفهم والخبرة.
في النهاية، الطريق للأمام لا يكون بالعودة إلى الجهل، بل بتعلم كيفية التعايش مع المعرفة وتحويل القلق إلى حذر صحي، والخوف إلى احترام للمسؤولية.
التعليقات