منذ خمسة عشر يومًا، جمعتني جلسة مع أحد أفراد العائلة، خضنا فيها حديثًا طويلًا تفرّع إلى شتى المواضيع. وبينما كنت أشاركه شيئًا من عالمي الخاص، حدّثته عن شغفي بالكتابة، وعن ولعي بتلخيص الروايات وتحليل النصوص الأدبية. أريته دفاتري، بعضًا من أوراقي التي تحملني بين سطورها، وتحدّثت إليه بعين المحبّ، لا الباحث عن إثبات.

تصفّح صفحات مذكّرتي بصمت، ثم قال فجأة، وهو ينظر في إحداها:

"لا يمكن أن تكوني أنت من كتب هذا... هذا يشبه ما يكتبه ChatGPT."

توقّف الزمن في داخلي لحظةً. لم تكن مجرد ملاحظة، بل طعنٌ في الصميم. صمتُّ، لا لأنني لا أملك ردًّا، بل لأنني شعرت أن شيئًا مقدّسًا قد هُين. كيف يُقارن الإنسان، بما يحمله من مشاعر وتجربة وصدق، بأداة خُلقت لخدمته؟ كيف يُشكَّك في أصالة قلمي لمجرد أن لغتي أعجبته؟

أخذت دفتري من بين يديه بهدوء، وقلت له: معك حق.

ثم انسحبت، وجسدي يمضي، لكن أفكاري ظلت هناك، تحوم في الصمت.

قضيت تلك الليلة أتأمل، لا غاضبة، بل مثقلة بحزن غريب. كيف غدونا نرى في الآلة مرجعًا للحكم على الإنسان؟ متى صارت المعادلات معيارًا للفكر، والبرمجة مقياسًا للموهبة؟ أحقًا نعيش زمنًا يُفضَّل فيه صوت الخوارزميات على صوت القلب؟

تيقّنت حينها أن الآلة، مهما بلغ اتقانها، لا تعرف طعم الخيبة، ولا رعشة الحنين، ولا ارتجافة الحرف حين يولد من وجع أو حلم. إنها تحاكي اللغة، نعم، لكنها لا تعيشها.