من أصعب الخيانات خيانة عمرك، بعد عمر الشباب وتألقك وبلوغك ذروة نجاحك، يبدأ عمرك بالذبول، وتستقبل التقدم بالعمر وكأنك تحارب وداع جزء منك واستقبال جزء آخر ممزوج بالخوف ولاشيء غير التقبل، لأنك إذا لم تقبل فسيعتريك كساء الجنون والتيه، ان تكون على أعتاب الاربعين فأنت في منتصف العمر تقريبا، تقف لتقيم حياتك قبل هذا وحياتك بعد ذلك، التقبل سيكون أسهل لو أنك كنت راض فعلا عن العمر الفائت، وعشته بكل تفاصيله وسيكون صعب جدا عندما تصل الى هذه العتبة وأنت مقتنع أنه فاتك الكثير، أو أنك كنت عاجز عن بلوغ ماصبوت إليه في بدايتك، إنه بمثابة القراءة في رواية تصل إلى نهاية فصل فلا تقتنع بهذه النهاية وتشعر بخيبة كبيرة عندما تفتح بداية فصل جديد وتجد الكثير من البدايات الناقصة، لكن في عمرك عليك أن تصل لمرحلة وقناعة أنه بغض النظر عما فاتك فأنت الآن حر أكثر من ذي قبل، أنت سند نفسك وداعمها الأول والأخير، أنت الآن لست مرهون بظروف ولا بأشخاص، حياتك ملكك، لا تضيع مزيدا من العمر، صحيح أنك أصبحت بالنسبة للكثير عمو وخالتو، ولكنك مازلت أيضا بمنزلة الابن للكثير أيضا،أنت في مرحلة التأرجح لا زال الشباب قاطنك والشيب زائر طفيف خفيف أو لم يزرك بعد.

اعتزال لوكا مودريتش أثر في كثيرا بعد اعتزال نخبة من فريق ريال مدريد، وخذلان رونالدو جعلني اشعر أن صفحة من العمر تطوى، الكثيير من الحنين وليت الشباب يعود يوما قبل غزو المشيب، لدرجة اتخاذي قرار بعدم متابعة أي خبر أو فيديو يخص هذا الموضوع، فالحنين شعور مقيت مؤلم ولا مكان له، هو لحظة إذا أخذت أكثر من وقتها ستقودك للجنون، الحنين ليس بالضرورة لشخص، ربما يكون لعمرك ولنفسك، سؤال يتردد لو كنت فعلت لتغير كذا وكذا هذا السؤال علينا إعدامه، فهو سؤال عاق أنت لوكان بمقدورك لفعلت ولغيرت، كنت تتصرف رهن ظروفك وعقلك ولولا كل تلك الظروف لما كنت ما أنت عليه الآن، لقد فعلت ما بوسعك وما كنت قادرا عليه، لا تقارن نفسك بغيرك فهذه أقدار، أتذكر مقولة قالها دكتور درسني في الجامعة وأنا الآن أشعر بها واتذكرها، كنت في السنة الأولى من الجامعة، عندما قال: "بعد عمر معين ستدرك أن كل ما حدث كان مكتوبا وأنك مهما فعلت أخذت فقط ماقدر لك لذلك افعل كل ما بوسعك الآن حتى لا يأتي يوم وتقول ليتني فعلت، عادة عندما تقترب من الاربعين أو بعدها". حينها شعرت أن هذا العمر بعيد ومازال أمامي متسع من الوقت، كنت حينها تجتاحني قوة وإرادة وفعلت كل ما بوسعي لأي موقف صادفني، الآن لست أندم على شيء لأنني حاولت في كل مرة لرسم حياتي بالطريقة التي كنت أعتقد حينها أنها صحيحة، الخطأ وارد وهناك أخطاء كارثية تبقى تئن أحيانا لكن توصلت لقناعة ضرورة التقبل وأخذ العبرة.

الفرق بينك وبين لاعب الكرة أن لاعب الكرة من البداية يعلم أنه سيصل إلى هذه العتبة، وسيودع مرحلة من عمره لن تعود، لن يستمر فيما كان عليه، سيبدأ حقبة جديدة في هذا العمر وسيتخطى عشرين عاما مضت من حياته، أنت لا تدرك قيمة هذه العشرين عاما في حياتك بمقدار مايدرك هو كم هي ثمينة وذهبية، اعمل فيها ما تستطيع وحاول كأنك لاعب كرة، فعندما تصل للأربعين ستبدأ حياة جديدة، لكن أساسها مافعلته في العشرين سنة الماضية لا تستهن بعمرك ولا تقل عن نفسك صغيرا فالعمر يمضي بلمح البصر.