عند صمت الضحية، طالب الجلاد بترقية.
في أغلب الحالات يقول الجلاد هل من مزيد؟ بلا اي ندم أو حتى شعور بالذنب
فهل الصمت هو الدافع الأساسي أم أن هناك شيء داخلي؟
فهل الصمت هو الدافع الأساسي أم أن هناك شي داخلي؟
يذكرني سؤالك هذا بحادثة محاكمة سيرجي كوروليف في الاتحاد السوفيتي في الخمسينات. كان كوروليف، الذي أصبح لاحقًا أحد الآباء المؤسسين لبرنامج الفضاء السوفيتي، قد أُعتقل في عام 1938 بتهم ملفقة وأُرسل إلى معسكرات العمل السوفيتية. خلال محاكمته، كان صامتًا تمامًا، حيث لم يتحدث دفاعًا عن نفسه رغم التهم الباطلة.
الجلاد، الذي كان يمثل النظام السوفيتي القاسي، لم يظهر أي نوع من الندم أو الشفقة. بل على العكس، استمر في معاملة الضحية كأداة قابلة للتوظيف في الخطة الكبرى للنظام. وبالرغم من صمت كوروليف، تم تقديمه لاحقًا في محاكمة أخرى حيث تطلب النظام "إدانة ذاتية" من الضحية كي يتقدم الجلاد في نظامه. في حالة كوروليف، كان صمته بمثابة وسيلة للنجاة، ولكن الجلاد استمر في تنفيذ أوامره بلا أي ضمير.
من هنا، نرى أن الصمت ليس بالضرورة هو الدافع الأساسي، بل في بعض الأحيان يكون رد فعل الضحية على قسوة الجلاد وفقدان الأمل في العدل. أما بالنسبة للجلاد، فلا يندم عادة لأنه يرى نفسه في موقع قوة، ويستمد سلطته من النظام الذي يدعمه، مما يعزز فكرة أن هناك شيئًا داخليًا في الجلاد يدفعه للاستمرار في قسوته.
أعجبتني القصة فيها بعد فلسفي عميق.
وهنا نعود الى نقطة البداية صمت الضحايا وذويهم يجعل الجلاد يتمرد أكثر فأكثر مع غض النظر عن سبب السكوت الذي يكون إما بسبب خوف أو عجز أو مثل ماذكرت فقدان الأمل فليس دائما السكوت علامة الرضا
أو مثل ماذكرت فقدان الأمل
تخيل معي ماذا لو كانت كثرة صمت الضحية تُفقد الجلاد نفسه الأمل. أما تذكر عماد الدين باقي، الذي كان ناشطًا حقوقيًا وصحفيًا، اعتقلوه في إيران في عام 2009 بسبب انتقاداته للنظام الإيراني. أثناء سجنه، تعرض للتعذيب الجسدي والنفسي من قبل السلطات الإيرانية. إلا أن ما جعل حالته فريدة هو مقاومته الصامتة. عندما كانوا يحققون معه، كانوا يتوقعون منه أن ينهار ويعترف أو يطلب العفو، ولكن بدلًا من ذلك، كان يظل صامتًا، لا يُظهر أي خوف أو ضعف.
ذات مرة، في أحد جلسات التحقيق، حيث تعرض للتعذيب الجسدي بشكل مفرط، لاحظ المحققون أنه لم يُبدِ أي علامة على الألم أو التراجع، بل كان يُظهر تماسكًا داخليًا ملحوظًا. هذه المقاومة الصامتة جعلت الجلادين يعتقدون أنهم لا يستطيعون الضغط عليه نفسياً أو جسدياً كما كانوا يتوقعون. مع مرور الوقت، بدأ المحققون يشعرون بالإحباط من أنهم لا يستطيعون كسر إرادته. في النهاية، توقفوا عن تعذيبه، حيث شعروا أن سعيهم لكسره كان عبثيًا.
أول مرة أسمع في هذه القصة معلوماتي قليلة في هذا الجانب. احيانا القوة تكمن في الصمت، في مثل هذه الحالات فهو يعرف تماما مصيره اذا تكلم الحكمة تكمن في اختيار الوقت المناسب للتكلم والصمت
من غير الطبيعي أن يؤدي صمت الضحية إلى تمادي الجلاد، لكن هل الضحية فعلاً ضحية؟
فعلى سبيل المثال لو قام جار بأعمال تهديم في منزله أدت إلى تصدع وضرر في منزل جيرانه، وقاموا بشكايته إلى البلدية، بينما التزم هو بالصمت لأنه لم يقصد إيذاء الغير، فهل هو فعلاً ضحية؟
أم أن عليه تعويض الأضرار التي نشأت من عدم حذره؟
لا طبعا يجب عليه أن يدفع ثمن أغلاطه. فليس كل ضحية ضحية. لكن لنفترص انهم لم يشتكو عليه وزاد في أعمال بناء منزله وضر جيرانه المجاورة وجميعهم إلتزمو بالصمت هل هو سوف يتوقف عند هذا الحد أم يتطاول أكثر على حدود الآخرين؟
الصمت يكون أحد الدوافع بالطبع، ولا يمكن تجاهل أن هناك شيئًا داخليًا يدفع الجلاد للاستمرار في أفعاله، ومن يصمت عن الظلم أو الحق برأيي يساهم في استمراره، لأن الصمت قد يكون علامة على قبول الضحية بما يحدث أو خوفها من المواجهة، مما يعزز سلوك الجلاد ويجعله يعتقد أن ما يقوم به لا يتطلب محاسبة، لكن في الواقع الصمت لا يعني بالضرورة الرضا بل قد يكون نتيجة لعجز أو قمع داخلي، مما يفتح المجال للطغاة للاستمرار في أفعالهم بلا تردد أو ندم.
صمت الضحية قد يكون لأسباب كثيرة، ونعم قد تكون عامل مساعد في استمرار الجلاد، ولكنها ليست عامل أساسي، والسبب أننا نرى في الحالات التي تحاول فيها الضحايا المقاومة أو الدفاع عن حقوقها، لا يترتب عليه اختلاف في النتائج في حالة كانت السلطة في يد الجلاد، وليس السلطة فقط بل تفويضات من كل الجهات لاستمرارية آليات حكمه. وهنا أرجح أن عقلية "الجلاد" نفسها هي سبب استمراره، فالشخص السيكوباتي المعادي للمجتمع، سيجد مختلف التبريرات لعنفه وأفعاله الإجرامية (سواءً بنصوص قانونية، دينية، علمية أو غيرها) وعليه فمهما حاولت الضحايا المقاومة، هو يرى في أعماله ما يسميه بالعدل أو تحقيق المصلحة العامة.
أري الصمت قد يمنح الجلاد مساحة للاستمرار، لكنه ليس الدافع الأساسي. الجلاد في الأصل مدفوع برغبات داخلية، سواء كانت حب السيطرة، أو غياب التعاطف، أو تبريرات يخلقها لنفسه. حتى لو كسرت الضحية صمتها، قد لا يكون ذلك كافي لردعه، لأنه لا يعتمد فقط على استسلام الآخرين، بل على قناعة داخلية تبرر له ما يفعل.
لو أن صخرة سقطت على ظهري الآن وأنا صامت بدون أي رد فعل هل ستتحرك بعيد عني وتتوقف عن تسبيب الألم لي من تلقاء نفسها هكذا ؟ أم أنه يجب أن استجمع قوتي وأحاول دفعها بعيداً عني ؟
بكل تأكيد الصمت مبرر قوي لاستمرار أي تأثير يحدث لنا سواء ظلم أو تعدي أو إلحاق ضرر أو التسبب في أذى مادي أو معنوي والعاجز والضعيف فقط هم من يختارون الصمت
ليس الصمت وحده ما يدفع الجلاد إلى التمادي، بل أيضا غياب المواجهة وتقديم التبريرات له. فبعض الضحايا لا يكتفون بالصمت، بل يحاولون إيجاد أعذار لمن يؤذيهم، سواء بدافع الخوف، أو الأمل في التغيير، أو حتى الشعور بالذنب. وهذا لا يجعل الجلاد يطلب المزيد فحسب، بل قد يجعله يقتنع بأنه على صواب، وأن الضحية تستحق ما تتعرض له. لذا، فإن الأمر يتجاوز مجرد الصمت، ليصل أحيانًا إلى مساهمة غير مباشرة من الضحية في استمرار الظلم.
التعليقات