أحياناً لا يكون الصمت اختياراً، بل يسكن فينا كضيف ثقيل يفرض وجوده رغم امتعاضنا. أجد نفسي في مجالس يغمرها الضجيج والصخب، بينما أنا جالس كظلٍّ على الهامش، لا رغبة لي في الكلام، ولا شغف بي للمشاركة. الكلمات التي كانت فيما مضى تنساب بسهولة، صارت الآن ثقيلة، جافة، كأنها تحتاج إلى جهد جبّار لتخرج من بين شفتي.
هذا الانسحاب من الحوار لم يعد مجرد عادة مؤقتة، بل صار علامة على جرح داخلي أعمق. أحس أنني أفقد شيئاً من إنسانيتي حين أعجز عن مشاركة الآخرين ضحكاتهم أو أفكارهم. وهنا يبدأ الصمت يتحول إلى عزلة، والعزلة تتحول إلى شعور خانق يضغط على صدري حتى أكاد ألمس أطراف الكآبة بيدي.
أدرك أن ما أعانيه ليس قلة كلمات، بل أزمة نفسية تتفاقم شيئاً فشيئاً. الوحدة التي أهرب إليها لم تعد ملاذاً، بل سجناً مغلقاً. وفي هذا السجن، يتسع فراغ داخلي يبتلع لذة الأشياء، حتى صرت غريباً عن ذاتي.
ربما كان الحديث دواءً، وربما كان البوح بدايةً للخلاص. لكنني الآن عالق بين خوف من الانكشاف أمام الآخرين، ورغبة في النجاة من صمتي. كل ما أعرفه أن العزلة التي كانت يوماً اختياراً، باتت اليوم قيداً يجرني نحو حافة الكآبة، وكأنني أمشي على خيط رفيع بين الحياة والخذلان.
فما الحل لمعضلتي؟ هل أجد الطريق عبر البوح، أم أن الصمت قد اختارني إلى الأبد؟
التعليقات