بعض الحقائق لا تطرق أبوابنا برفق، بل تأتي مع الريح، مع الانكسارات التي لا نستطيع تفاديها، مع الأوجاع التي لم نحسب حسابها، فنخرج منها أعمق، أكثر فهمًا، وأشد صمتًا.
أدركتُ أن الحداد ليس لونًا نرتديه، بل طريقة جديدة نرى بها الأشياء. قد يكون في نظرتنا للأماكن التي كانت تنبض بنا وصارت باردة، في تفاصيل اعتدناها ولم نعد نشعر بها، في ضحكاتنا التي تخرج خالية من الروح، كأنها واجب أكثر منها شعور. قد تكون قلوبنا في حداد، ولا أحد يدري.
تعلمتُ أن الشرح استنزاف، والتبرير رحلة عبثية في متاهة لا نهاية لها. من يحبك سيراك بقلبه، ومن قرر ألا يفهمك، لن تنفع معه ألف كلمة. ليست كل معركة تحتاج إلى سلاح، وأحيانًا يكون الصمت أعظم انتصار.
أما الحب... فينتهي حين نبدأ بالضحك على الأشياء التي كنا نبكي لأجلها، حين نمر على الذكرى ببرود كأنها لم تكن، حين نبحث عن ذلك الشعور القديم فلا نجده، فنوقن أنه تلاشى دون وداع. الحب لا يرحل دفعة واحدة، بل يتآكل بصمت، حتى نكتشف يومًا أننا لم نعد نحمله في قلوبنا.
هكذا... يعلمنا الشقاء ما لم تخبرنا به الأيام الهادئة، يُعيد ترتيب قلوبنا، يُنضجنا بطريقة لا نحبها، لكنه في النهاية... يجعلنا أقوى، وأكثر حكمة، وأقل اندفاعًا نحو ما لا يستحق.
التعليقات