إذا تمكنا من تحميل الوعي البشري إلى جهاز إلكتروني، فهل هذا يعني أن الإنسان أصبح خالدًا، أم أن هناك جزءًا من الإنسانية يفقد في هذه العملية؟

على مستوى شخصيات هزلية كرتونية من مثل مارفل، التي نراها على الشاشة أصلاً وليست شخصيات واقعية، حين نراها ضمن قصة من مثل باتمان نتحمس كثيراً ونتابع ونتأثر وقد نضحك ونبكي ونتفاعل بشدة، ولكن حين ينقلوا وعيه من تلك القصة إلى لعبة نشعر بأن باتمان وما حوله صار بارداً ولم نعد نكنّ له هذا الارتباط! تخيّل وأنا أتحدث عن شخصية أصلاً معلّبة وليست حقيقية فما بالك بالشخصيات الحقيقية والأثر المنقوص الذي سيكون متروكاً وغير منقولاً من حقيقة هذا الإنسان فعلاً ووجوده؟

ما ذكرته تم مناقشته في حلقتين من مسلسل Black mirror الأولى هي black museum، والثانية be right back، الوعي نفسه مرتبط بصاحبه وباللاوعي أيضًا، لأنه مبني على التجارب الحسية والجسدية، صفات الشخص، شخصيته، كل ذلك مرتبط بوجود الوعي داخل دماغ صاحبه، ولكن فكرة تحميله وإعادة وضعه لاحقًا في جسد آخر هي فكرة مجردة من الآدمية، بمعنى أن الكائن الجديد هو مجرد روبوت بوعي بشري.

أننا بذلك ننظر للإنسان على أنه مجرد وعي فقط، وإن صحت هذه النظرة فهذا يعني أننا مجرد آلات، الوعي ما هو إلا جزء من تركيب الإنسان تتكامل معه الرغبة والشعور والإحساس والوجود نفسه وقيمة الذات وصوت النفس، ولو تمت مثل هذه الاقتراحات سنقف أمام شئ يسيطر عليه الجمود فقط.

في رأيي أنه في آلة محملة بوعي بشري ما سنفتقده هي الأخطاء والسلبيات، وهي عنصر مميِز لشخصياتنا.

فالوعي داخل الكمبيوتر سيكون في الحالة المثالية، الخالية من التقلبات والسهو والشعور بالغضب والتسرع، وغير ذلك، وكأننا نخاطب الحكيم الحليم الذي يعرفنا، لكنه ليس هو الذي نعرفه.

أما التفكير في محاكاة السلبيات فهذا ما سيُنتج نسخًا باهتة فعلًا، أي أسوء.

مثال: تخيل أن شخصًا عزيزًا عليك قد تم تحميل وعيه إلى جهاز إلكتروني بعد وفاته. هل سيكون هو نفس الشخص الذي عرفته وتواصلت معه من خلال حواراتك العميقة وتجاربكما المشتركة؟ أم أن هناك "شيئًا" غير ملموس يُفقد عندما يتم تقليص الإنسان إلى بيانات ومعادلات؟

لا أظن أبدًا أن التجربة ستكون واحدة. البشر أكثر تعقيدًا من أن يتم تحميلهم على جهاز إلكتروني، في الحقيقة ما زالت الكثير من خبايا النفس البشرية مستغلقة علينا، إذن كيف سيقدر الذكاء الاصطناعي على محاكاة شيء نحن أنفسنا غير قادرين على فهمه بالكامل؟

كما أنني أرى أن شيء كهذا به قدر من الإهانة تجاه الشخص المتوفى.

لمثل هذا النوع من الأسئلة -وربما هذا السؤال تحديدا جاءك من وحي المرايا السوداء- أحتاج بسرعة لنيل الألف نقطة لتدشين مجتمع حول الخيال العلمي. على كل حال، حتى تلك الأشياء التي ذكرتها، تُعد تنويعا على الوعي بشكل أو بآخر، ولقد أرقتني المسألة لفترات طويلة لا تزال حتى اليوم، لهذا أنا مهتم أكثر بإنجاز أعمالي الأدبية من أجل تخليد ذواتي المتعددة. الإنسان كائن مركب، عماده أربعة عناصر أساسية مكملة لبعضها البعض؛ الإنسان لديه وعي بذاته وبمن حوله، وهو الشق الذي تناولته أنت في مساهمتك تلك. الإنسان يتطور، بالأحرى هو يتغير للأفضل أو الأسوأ أو مجرد تكرار لذاته، ذلك امتداد للوعي، يمكن تصنيع ذلك من خلال النهم المتزايد إلى المعرفة والذي يتم برمجة الذكاءات الاصطناعية ليكون عنصرا أساسا فيها، ولكن هذه المسألة لازالت قيد التطوير. إن العواطف، بشكل أو بآخر، ما هي إلا معارف أو نتاج لها. الآلة التي تملك معلومة تفيد بأن في مصلحتها البقاء، سوف تحاول الحفاظ على بقاءها لأن ذلك في مصلحتها، يمكننا تعريف هذه (المصلحة) كنوع من (العاطفة) وإن كانت أكثر عملية وفق منهج أخلاقي براجماتي (نفعي) قد يحكم الآلات وقد لا يفعل. العنصر الثالث المكون للإنسان هو الإرادة، أي حرية اتخاذ قرار، بغض النظر عن تساؤلاتنا حول مرجعيات هذه القرارات، التي تحيلنا للأسف إلى أمرين، إما أننا في عالم افتراضي، أو في عالم صمم كي يسمح بوجود عالم افتراضي، ذلك يفسر وجود آليات ذكية تشبه وتشابه البشر على نحو كبير، نحن نتوق لاستبدال الجن، الملائكة، والآلهة بنظيرتها البشرية، هذه هي الصور الأكثر تعديلا للبشر، نحن نعشق الأبطال منذ فجر الأساطير وهرقلة وأبوز زيد وصولا إلى باتمان ومارفل التي نهلت من هذه الأساطير كما هو واضح في ثور وآسجارد، وحتى الأساطير الحضرية الحديثة (آرخام في جوثام هدية من لافكرافت).

ماذا يبقى للإنسان؛ عصارة كل ما ذكرت، وما ذكرتيه أنت؛ الاختلاف.

لليوم، لم يثبت تشابه بين إنسان وآخر حد التطابق على الصعيدين المادي (العضوي أو البيولوجي، لدينا بصمات مختلفة خطيا في الأصبع أو جينيا في حمضنا النووي) أو النفسي / الروحي. لليوم، لم يؤيد العلم وجود الروح، لكنه عاجز عن نكرانها (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا). على كل حال، بعض أفكار من شخص لا يدري أمؤمن هو أم ملحد!.