_ لا تؤاخذني كنت مشغولاً

_ لا تؤاخذني نسيت الرد، فرغ جوالي من الشحن، لا تصلني الإشعارات اللعينة، زوجة خالي مريضة، وقعت في بالوعة زمكانية،... إلخ. و في أغلب الأحيان لن يعذب مخيلته في ابتكار أي عذر،سوف يكمل معك المحادثة بكل أريحية ضمير، " تمام تمام و الحمدالله كيف حالك أنت"، تهم بالرد و أنت تنظر إلى السطر السابق، سؤالك المخمر منذ أسبوع أو أكثر، حتى أنه لكأن إشارة الصحين المزدوجين قد استحال لونها الأزرق إلى الأخضر من هذه الهوة الزمنية بين السؤال و الرد، تحاول أن تتذكر خطاب العتاب الطويل الذي كنت تنوي أن تصفعه إياه عندما يرد عليك، لكن حتى مشاعر العتب أصبحت بالية بلا طاقة، لذا تكمل حديثك معه، و في خضم المحادثة، يختفي، تختفي إشارة "متصل الٱن"، تختفي الدائرة الزرقاء أو الخضراء من صورته الشخصية الباسمة، نعم يا عزيزي، هذا أنت من جديد، وحدك مع شاشتك المضيئة تحدق كالأبله في المحادثة البتراء، لا تقلق سيعاود الرد بعد ساعة أو يوم أو حقبة طبشورية.

والله إنه لأمر عجاب، هل نحن بحاجة إلى ميثاق موحد لأدب و اتيكيت المحادثة؟ على أرض الواقع لن يختلف اثنان مكتملا العقل أنه من المعيب و غير اللائق أن تدير ظهرك و تغادر في خضم حديث أو نقاش، فكيف يحصل هذا الأمر بتواتر متزايد على أرض الواتس ٱب و التيليغرام؟ هل أمضينا عمراً مهولاً أمام الشاشات فضعف اعتبارنا لإنسانية من نتحدث معهم؟

البعض ينسى حقاً أن يرد، مع أنه حتى النسيان له وزن في التحليل النفسي،خصوصاً إذا زادت وتيرته، و البعض صراحةً لا يرد لأنه يشعر بثقل و عبء البدء بمحادثة بشرية، أما من أشد ما ساق الدهشة و كلل رأسي بتاج من علامات الاستفهام الاستنكارية هو ما رأيت من بعض "أساتذة الحياة" المؤثرين في حثهم على التأخر المقصود و المتعمد عن الرد، لأن ذلك سوف يزيد من ثقلهم الاجتماعي، و يعطي إشارات بأن من نتحدث معه هو انسان غارق في أشغاله و أعماله و تداوله للعملات الرقمية و حضور ٱخر مواعظ "اندرو تيت".

في جميع الأحوال يا عزيزي، إن تأخرك بالرد مهما كانت الأسباب و العلل فإنه يعطي نفس الانطباع بالوقاحة، قد يستحق البعض هذه الوقاحة، أما البعض الٱخر فيستحقون منك على الأقل اعتذاراً و توضيحاً.