حسناً رغم أنني أكتب الٱن مختلجاً بأوتار درامية عاطفية إلا أن ذلك لا يستلزم أن يخرج كلامي بالمطلق عن دائرة الحكمة و العقل، نعم قد أكون مندفعاً في حكمي هذا من أثر تجربة شخصية محدودة لا تخولني لأطلق حكماً عاماً كهذا، و قد كان من الممكن على الأقل أن أضع مقولتي هذه في قالبٍ عقلي رصين ليستغيثه أهل القياس و المنطق، أو ربما ابتدأت ببعض الفزلكات الفلسفية أو الاقتباسات المشهورة مما يضفي بعضاً من المهابة الثقافي على وجه هذا البوح الشاعري - كما يفعل بعضهم - لكنني يا صديقي لست بفاعلٍ أي من ذلك، فالساعة الٱن قد تجاوزت منتصف الليل، أي أننا في الوقت المثالي للبوح و الاعتراف، دعني الٱن أكرر العنوان الذي نسيناه في خضم هذا التمهيد و اقرأه بتمعن: لا يمكن للمرأة أن تكون صديقةً للرجل بأي حال من الأحوال، قد تكون حبيبته، أنيسته، معشوقته، شريكته، زميلته، زعيمته،عدوته،عمته، لكن من المحال أن تكون صديقته، صديقة بمعنى الصداقة التي يكنها الرجال لبعضهم، تمهل! تمهل! يا حبيبي، أعلم والله أعلم أن هذه ليست الحال دائماً، و أنه قد تنشأ رابطة بين ذكر و أنثى يمكن وصفها بكلمة صداقة، نعم نعم أحسنت هذا بالضبط لب المشكلة، مشكلة الكلمات، مشكلة اللغة، لأنه لا أدري لماذا لم نجد بعد كلمة دقيقة لتوصيف هذه الألفة التي تعقد بين الرجل و المرأة، لدينا عشرات الكلمات عن الحب و الهيام و الغرام، لكن هذه العلاقة الغريبة التي ندعوها تجاوزاً صداقة، لا أدري ماذا يمكن تسميتها عوضاً عن ذلك، إنها تشبه الصداقة لكنها ليست صداقة و ليست حباً، الغريب في موضوع اللغة هذا، أننا نتعامى عن الواقع و ننخدع باللغة، و هذا الأمر يحدث دائماً مع البشر، صبراً عزيزي أعلم أنني تجاوزت الحد المعقول من السفسطة، لكن حقيقةً ما يحدث هو أن هذا الشيء الذي أطلقنا عليه بسبب كسلنا اللغوي (صداقة) أصبحنا نراه صداقة، و هذا المرأة التي تتكلم معها أصبحت صديقة، لكن الواقع لا يأبه بمسمياتنا،سوف تتفاجأ مثلاً بأن هذه الصديقة الصدوقة و الخليلة الوفية قد تغيرت لهجتها و نبرتها معك أيها الصديق بعد أقل من أسبوع من خطبتها، ما هذا التأثير لشخص تعرفت عليه بمدة لا تزيد عن الشهر يجعلها تعود بعلاقتكم أياً كان ما تسميها إلى مئة شهر في الخلف؟! أنا أعلم أن هذا يحصل بين الشباب أيضاً، فكم من صديق فقدناه بعد شهر العسل، لكن ليس هذا ما أتحدث عنه، و أنت تعلم أن هذا ليس ما أتحدث عنه، اوه أعلم أعلم علي أن أكون ناضجاً و أتسامى فوق هذه التصورات الصبيانية السبيستونية عن معنى الصداقة، و هل كل هذا التذمر بسبب (صديقةٍ) سبقتك بالنضج و بدأت فصلاً عقلانياً في حياتها فلم تعد تهتم بالاستماع لتقييماتك الفنية للأنمي الفلاني أو الفيلم العلاني؟ هل كنت تتوقع منها أن تظل ملزمة ب"عهد الصداقة" الغريب الذي لا ندري كيف و لماذا أباحه عقلك؟ لا أدري إن كانت المشكلة في المجتمع، أو في الفيزيولوجيا أو في تجاربي الشخصية، لكن ما أؤمن به الٱن هو أن المرأة لن تكون أبداً صديقةً للرجل.
لن تكون المرأة صديقة للرجل
الحياة الواقعية أثبتت فشل هذه الفكرة من الجذور؛ الفطرة البشرية تقتضي انجذاب كل من الجنسين إلى الآخر، وفي هذه العلاقة المسماة (صداقة) حتما ستتحرك المشاعر، حتى وإن تم التحفُّظ عليها وعدم البوح بها، ستظهر يومًا ما في كلمة أو تصرف، وقد تخرب العلاقة بشكل كامل، لذلك فالأمر لا يستقيم.
هذه وجهة نظري.
سوف تتفاجأ مثلاً بأن هذه الصديقة الصدوقة و الخليلة الوفية قد تغيرت لهجتها و نبرتها معك أيها الصديق بعد أقل من أسبوع من خطبتها
هذا ليس سبب يجعلك تنفي إمكانية وجود الصداقة بين الرجل والمرأة، هذا نتيجة طبيعية للفطرة، ودليل قاطع أن الأمر لا يستوي.
هذا ليس سبب يجعلك تنفي إمكانية وجود الصداقة بين الرجل والمرأة.
أنا ضد الفكرة صراحة، لأنه بالنسبة لي الصداقة هي المشاركة والمساندة والدعم في الأوقات الجيدة والسيئة، الصديق هو الشخص الذي ألجأ إليه ويكون أول من يخطر بعقلي عندما أريد أن أشارك خبر يفرحني أو أحكي عن شيء يحزنني، هذا ما أبحث عنه في الصداقة، وهذا ما يبحث عنه أي شخص إذا فكر في الارتباط، ولهذا إذا شعر الشخص رجل أو امرأة بهذه المشاعر تجاه الطرف الآخر لن تكون هناك صداقة، وستجدين أن كثير من حالات الصداقة تتحول في النهاية لارتباط وإذا لم تتحول فهي فقط لم تكن قوية لتصل لهذه النقطة.
أنا أومن جداً بأنّ مفهوم الصداقة كلّه أصلاً لا بين بنت ورجل ولا حتى بين رجل ورجل موجود، المفهوم كلّه للصراحة لا أومن به، هذا لإنّني أفهم الأمر بشكل مختلف تماماً، حيث أرى أنّ الأمر لا يعدو أكثر من مصالح بحتة مُتبادلة هي ما تُشنئ ما يُسمى بعرف البشر الصداقة، وهي بالأصل روابط إمداد لأمور يحتاجها الطرفين، أي أنّها حاجات يمتلكها الشخص الأوّل ويريد أن يأخذها من الشخص الثاني والثاني أيضاً لديه ما يريده من الآخر، هنا تحصل الصداقة تماماً، حيث هي اكتمال حاجات، قد تختلف هذه الحاجات من شخص لآخر، حيث أنّ منهم من يريد حاجات اجتماعية كالحديث والكلام والضحك وغيره ومنهم من يريد ماديات بحتة سواء بصورة عينية أي كنقود وغيرها من الأمور أو حتى بطريقة غير مباشرة كتمرير مصالح وظيفية والكثير من الأمور والصلاحيات التي قد نقدّمها لبعضنا البعض وهكذا، أي أنّ الأمر أفهمه كروابط، هذه الروابط هي بالضبط ما تجعل هذه العلاقة علاقة صداقة لإنّ ليس لها مسمى والإنسان ينزعج من فكرة المصلحية البحتة رغم إيجابية المعنى وعاديّته.
الصداقة هي أقوى ما يكون من علاقة تنشا بين اثنين من نفس الجنس و الحب أقوى ما يكون من علاقة تنشأ بين اثنين من جنسين مختلفين
هذا رأي للعقاد في علاقة الرجل بالمرأة و الرجل بالرجل و الحقيقة أنا أراه منطقياً جداً فكما قالت زميلتنا فاطمة أن الفطرة هي الغلابة في نهاية المطاف وليست صديقتك المزعومة هي الملومة في أنها لم تعد توليك نفس الإهتمام كما كان قبل لأنها وجدت أخيراً من يملأ عليها حياتها ويكون لها الأب و الأخ و الاخت و الأم و الزوج و الحبيب...إلخ. هناك من المشاعر و الأحساسيس ما لايمكن أن يبوح به رجل لأمرأة بدعوى أنا صديقته ولكن يمكن ذلك مع رجل ورجل لأن الصداقة تكون حاصلة فعلاً....
أنا لا أؤمن بمفهوم الصداقة بين كلا الجنسين والسبب ليس العرف ولا الثقافة المجتمعيّة التي نشأتُ عليها. عندما نقول "صديق" فنحن نتحدّث ضمنًا عن شخص نشاطره أوقات فرحنا ومحنتنا على حد السواء ولا نخجل من مشاركته بالتفاصيل الخاصّة بنا نتيجة وجود عنصر الثقة. ولكن عندما يكون الصديق من الجنس الآخر ، فأكثر من نصف الأشياء التي أخبرها للصديقة لن أستطيع البوح بها للصديق لأنّ وجود الحياء يستوجب ذلك. فالصديق من الجنس الواحد يثير حالة أكبر من الرّاحة والاطمئنان والاستقرار النفسي. وأمّا إن كانت العلاقة زمالة بموجب العمل أو الدراسة فهي موجودة نتيجة وجود مصلحة مشتركة.
التعليقات