إذا كنت كاتبًا أو مدونًا أو صحفيًا، فلا بد أنك تعرف أن عليك إعطاء الجمهور ما يريده، ومن ذلك الأخذ بعين الإعتبار أن الجمهور قد لا يمتلك الذكاء الكافي لفهم كتاباتك، وأن عليك أن تشرح مواضيعك بأكبر قدر ممكن، أو أن جمهورك ببساطة لا يمتلك الصبر الكافي حتى يفهم القدر الكبير من التعقيد في مقالتك.

يقول لوب لانجتون في كتاب الصحافة المصورة والأخبار في عالم اليوم: "إن استراتيجية (إعطاء الجمهور ما يريده) تسود داخل غرف الأخبار" وفي عقول الكتّاب والمدونين. يكمل لانجتون:" لقد حضرت كثيرًا من الإجتماعات الإخبارية التي قال فيها المحررون (لا يريد قرّاؤنا القراءة عن كذا) أو (قراؤنا غير مهتمين بـ كذا) أو الأسوأ من ذلك (لن يفهم قراؤنا هذه القصة)".

لا بد أنك سمعت سابقا عن نظرية النبوءة المحققة لذاتها، تقول هذه النظرية أن توقعاتك سوف تصبح صحيحة مع مرور الوقت. فمثلا إذا أخذت فكرة عن شخص ما بأنه كذاب، فسوف تبدأ بالتعامل معه على هذا الأساس، وسوف تكذبه في كل صغيرة وكبيرة يقولها، حتى ييأس ذلك الشخص منك ويصير في النهاية كاذبا بالفعل. بالمثل، "يسهل هذا الأسلوب في التعامل مع الصحافة وحرية النشر المكسب المادي، ولكنه يقلل من شأن ذكاء القارئ ورجاحة عقله، ويضعف مبدأ الحوار العام".

أنا اعتقد -وقد أكون مخطئًا- أن هذا ينطبق على استخدام الأساليب البلاغية في الكتابة بل وفي الحياة اليومية، وخصوصًا الإيجاز. لقد دخلت في الكثير من المناقشات وخضت الكثير من الجدالات فقط لأن البعض أساء فهم مقالتي أو كتاباتي لأنني أوجزت فيها. إن الإيجاز لا يعني بالضرورة تعقيد الألفاظ وإخفاء الجليّ فقط لتقليل عدد الكلمات، هذا يتعارض تمامًا مع الهدف الرئيسي لاستخدام الأساليب البلاغية من التعبير عن المراد بالألفاظ المناسبة، ولكنه يعني الإختصار في المواضع التي تستدعي الإختصار. الإيجاز لا يكون إيجازًا إذا اختل فيه المعنى، ولكن أصبح الجميع في هذه الأيام يفسرون المعاني الموجزة الواضحة بما يتوافق مع آرائهم ومعتقداتهم، فصار لا بد للمعنى أن يختل مع الإيجاز. أتطلع إلى سماع آرائكم بهذا الشأن.