أنا لن اتفلسف أحيانا نتوسل الوقت ممسكين بطرف جلبابه كالأطفال - لقلتها تلك اللحظات السعيدة - و تارة نضع أيدينا على أذاننا و نصرخ لعله يمضي بعيدا عنا بسلام، ولم امضي حياتي مغمضا ابدا بل ما أكثر اوقات دأبي في ملئ فراغات وقتي بالإنتاج : بكتابة مقالة، قراءة كتاب أو إنجاز بعض المهام اليسيرة حتى تراخا كفاي و لم اعد اقدر على منع الايام من أن تنسكب مني و أفلت يدي و أمسكت عوضا عن الأيام برواية فيها أغلق بابها علي حيث لا يوجد الوقت، أحمل الطباشير و أرسم مشاهد نصوصها على الجدران، أصاحب الكاتب في أسفاره، معا و دائما إلي الأبد حتى وجدت أنه لم يكن هروب بل سقوط، فإذا ازعجني موقفا ما أمسكت بالرواية و أطبقت غلافيها علي حيث لا يراني أحد ... أتناسى ... أتناسى، و إذ بي اتسائل لم التناسي لم الهروب إلى المستقبل... إن غالب الهروب يكون بغية الإنتقال إلي المستقبل حيث وعِدنا بالنعيم و أن الأمور ستتحسن و ما أدركته أثناء ركضي أن الأمور ليست كذلك أبدا وأن أول ما يجب أن نتخلص منه هو الوعد بأن غدا أفضل، أنظر إليها تلك اللحظة التي تقبع بين راحتيك و تريد إلقاءها بعيدا عنك ماذا لو أنها الأفضل، وأن اللحظة التالية ستكون أكثر سوء و ظلمة، هل ستلقي بها ؟
ما معنى الهروب ؟
فإذا ازعجني موقفا ما أمسكت بالرواية و أطبقت غلافيها علي حيث لا يراني أحد ... أتناسى ... أتناسى.
في هذه الحالات أنت تحتاج للمواجهة وليس الهروب، إذا كنت تمر بموقف مزعج أو وقت عصيب عليك أن تتحدث وأن تعبر عنه وتقف أمام الشخص المتسبب في ذلك وتعبر عن استيائك أو أمام المشكلة ومحاولة حلها، أيا كانت النتيجة داخليا سترتاح وستتمكن من تجاوز ما مررت به وليس دفنه في داخلك ليتراكم فوق مواقف سابقة وتتراكم عليه مواقف قادمة فتأتي في النهاية لحظة الانهيار.
أتعلمين؟ لاحظت في سلوك الرجال تحديدًا أن فكرة المواجهة كما نصفها نحن غير متواجدة عندهم بنفس الأسلوب، بمعنى بعضهم يميل إلى ترك المواقف لتهدا أولًا وربما تنحل المشكلة دون أي تدخل، وإذا لم تهدًا، ففكرة التحدث عنها بعد يوم أو اثنين بالتأكيد سيجعل سياق الحوار أفضل من الناحية العقلانية، وهذا في الأغلب الأسلوب المعاكس لنا، نحن نميل أكثر للمواجهة في نفس التو واللحظة، لذا الفكرة نفسها يختلف تعريفها من شخص للتاني.
مشكلتهم هنا أنهم يظنون أن المواجهة تعني بالضرورة الصدام أو الخلاف الشديد، ولكن على العكس تماما هي مجرد تعبير عن حالة، فلتتخيلي مثلا أنا وأنت جالسين نتحدث وقلت كلمة أزعجتني، ليس الحل أبدا أن أذهب لغرفتي لأنكر ما حدث وأشغل نفسي بشيء ما حتى أنسى ويتغير شعوري، لأن ما سيحدث أنني سأهدأ ظاهريا بالفعل وأتعامل بشكل عادي جدا ولكن في أعماقي سأظل محتفظة بتأثير تلك الكلمة، وسيظل تأثيرها يأكلني في أوقات مختلفة بالأخص إذا عاود أحد تذكيرى بها هنا عقلي سيبدأ في تحويل تلك الكلمة وكأنها حقيقة عني مسلم بها وهذه كارثة أكبر، وببساطة كان كل هذا سينتهي لو أنني أخبرتك فقط بأن الكلمة أزعجتني بسبب.... ومن ثم كنت ستوضحين أنك لم تقصدي إزعاجي أو أيا كان عذرك وسينتهي الأمر تماما من جذوره، والأهم هنا هو الأسلوب نحن نتحدث بهدوء وبنضج.
وسيظل تأثيرها يأكلني في أوقات مختلفة بالأخص إذا عاود أحد تذكيرى بها هنا عقلي سيبدأ في تحويل تلك الكلمة وكأنها حقيقة عني مسلم بها وهذه كارثة أكبر
أصبت الهدف، ما لا يتم مواجهته، يتحول بالتدريج إلى صورة ذهنية سواءً عني أو عن الشخص الآخر، والأسوأ هو تحول تلك الكلمات أو التعليقات إلى أنماط لا واعية، تظهر في كل موقف مشابه، أو يذكرك فقط بهذا التعليق المرتبط بشخصك، أي أن نقطة عدم المواجهة تترك الموقف مفتوحًا لاستقبال كل دخيل حتى يتحول إلى موقف معقد من الصعب تعديله أو انتهاؤه بسهوله، ولكن كما ذكرت لكِ معظمهم فعلًا لا يدرك هذا الاختلاف، وليس بغرض إيذاء مشاعر الطرف الآخر، ولكن بسبب أن ما نعتقد أن يحتاج مواجهة، بالنسبة لهم هو أمر بسيط ربما حتى لا يفكرون فيه، هذا يحتاج لتفهم اختلاف العقليات والمفاهيم من الطرفين.
لاحظت في سلوك الرجال تحديدًا أن فكرة المواجهة كما نصفها نحن غير متواجدة عندهم بنفس الأسلوب، بمعنى بعضهم يميل إلى ترك المواقف لتهدا أولًا وربما تنحل المشكلة دون أي تدخل
فكرة المساهمة وإن كانت أشمل وأعم من مجرد هروب معظم الرجال من المواقف المزعجة تجاه الأشخاص، فهذه حقيقة.
ذلك يحدث لأن الرجال ليس من السهل عليهم التعامل مع فكرة وجود المشاعر بالموضوع، لأن المواجهة دائمًا ستكون مقترنة بمشاعر سلببية سيتعرض لها شاء أم أبى. مشاعر بالحزن، بالفشل، بالفقد،... إلخ. وبحكم أن طبيعتهم العملية لا تتسق كثيرًا مع المشاعر فلا يوجد سوى الهروب حلًا والتعامل كما لو كانت المشكلة غير موجودة أو لم تحدث من الأساس. في حين أننا كنساء لا نجد مشكلة في التعرض للمشاعر.
الأمر ليس قاعدة ولكنه شائع.
بالطبع هذا جعلني أقول من البداية ان بعضهم يتصرف بهذا الأسلوب، وجزء منه ناتج عن التوارث المغلوط لفكرة كبت المشاعر والتعامل بعقلانية كرجل، صحيح أن الرجل يميل للعقلانية عن المرأة، ولكن إنكار معظم المشاعر لا يؤدي لعقلانية، بل على العكس لو نظرنا لقراراته سنجدها مدفوعة دائمًا، إما بصدمة قديمة، أو درس قاسي لم يستطع تجاوزه، وبسبب ذلك هو لا يستطيع التعامل مع مشاعره لأنها تعقدت مع الوقت.
و أن الأمور ستتحسن و ما أدركته أثناء ركضي أن الأمور ليست كذلك أبدا وأن أول ما يجب أن نتخلص منه هو الوعد بأن غدا أفضل،
فكرة أن غد هو الأفضل أو الأسوأ هذا يحددها الشخص نفسه فهو مسؤول عن تقرير مصيره، لكن المشكلة أن الكثير يتساهل فيعلق إخفاقاته على شماعة الزمن.
انظر إليها تلك اللحظة التي تقبع بين راحتيك و تريد إلقاءها بعيدا عنك ماذا لو أنها الأفضل، وأن اللحظة التالية ستكون أكثر سوء و ظلمة، هل ستلقي بها ؟
هذه النقطة لها بعدين: الأول هو أن تكون هذه فرصة سيترتب على زوالها ذلك اليوم الأسود الذي ذكرته فحينها لن أتركها بالطبع بل أستغلها لتحسين اللحظة القادمة وهي تمثل المستقبل.
أما الثانية فأن تكون نعمة مؤقتة فحينها أتركها لأعود إلى السواد الذي ذكرته فأجعله أفضل.
أما الثانية فأن تكون نعمة مؤقتة فحينها أتركها لأعود إلى السواد الذي ذكرته فأجعله أفضل.
ولكن ألا يؤثر على الشخص فكرة تحويل السواد دائمًا إلى وضع أفضل وترك كل اللحظات "المؤقتة" تنسلب من بين يديه؟ أنا معك أن بعض الأوقات يمكن تعويضها والأهم هو تحديد الأولويات، ولكن هذا يضعك في حيرة ما بين أن ما نقول عليه مؤقت الآن، قد يصبح هو أكثر ما نشتاق إليه في المستقبل، الفكرة هو إيجاد ذلك التوازن، وفي رأيي هو عملية تعتمد على شخصية كل فرد.
حقيقة، لا أعلم جذور تلك الأفكار الخاصة ب "غدًا سيكون أفضل"، "طالما سعيت إذًا ما تريده سيتحقق" والعبارات التي على نفس الشاكلة، أنا لا أنتقدها، ولكن المقصود أنها تعلق بأمل وهمي في المستقبل نسبة حدوثه لا تتعدى ال 50% لو كنا منصفين، ولكنها تجعلنا نترك الحاضر تمامًا وإما نعود بالحنين للماضي أو نترك عقولنا تسرح في ملكوت المستقبل، وهي بالمناسبة وسيلة عقلية لتخرج الشخص أحيانًا من التفكير في أزمة حالية وتعطيه أمل بأن القادم أفضل، لذلك هي ليست سيئة في المطلق، ولكن لو تلك الأفكار هي الأسلوب السائد في الحياة، فكما ذكرت نحن لا نعيشها واقعيًا ولكن معلقين بأفكار ما بينية (الماضي والمستقبل). بالنسبة لي أرى أن أي حدث يجعلنا حاضرين بكل حواسنا وتفكيرنا هو ليس نوع من الهروب بل على العكس هو حضور للشخص.
أنظر إليها تلك اللحظة التي تقبع بين راحتيك و تريد إلقاءها بعيدا عنك ماذا لو أنها الأفضل، وأن اللحظة التالية ستكون أكثر سوء و ظلمة، هل ستلقي بها ؟
وهل سيختلف الأمر إذا كنتُ على يقين بأن هذه اللحظة التي بين راحتي هي التي تصنع المستقبل؟
أوليس في هذه الحالة سأتمسك بها وإن كنت أستثقلها على نفسي؟
ألم تحدثك نفسك قط بأن حاضرك هو الذي يصنع مستقبلك؟
فلماذا إذاً سأهرب؟ وكيف سأهرب أصلاً؟
هل سأهرب من نفسي إلى نفسي؟ من أزمة إلى أزمة؟
إن المستقبل هو امتداد طريق الحاضر، فالوقت الذي أهرب منه الآن هو نفسه الوقت الذي سألقاه بعد برهة إذا لم أعمل على تغييره.
ربما ينفر المرء منا من تلك اللحظات التي يعيشها ولكنه في هذه الحالة عليه أن يظل يعمل فيها حتى يجعلها مشرقة أفضل في اللحظات القادمة.
التعليقات