لازلت أتذكر ذلك اليوم...كأنه بالأمس فقط. لم و لن أنسى ما حييت تعابير الفرحة و الفخر على وجه أبي ، رحمة الله عليه، يوم تكريمه بمناسبة إحالته على التقاعد. فرحة بذاك التكريم الرمزي و فخر بمسيرة زاخرة بتربية و تعليم أبناء هذا الوطن الغالي.

فرحة سرعان ما نسفت بسبب أخطاء تقنية على مستوى الصندوق الوطني للتقاعد. هذا الأخير، لم يحتسب مدة ليست باليسيرة من سنوات عمل والدي في حساب معاش تقاعده. مات أبي و لم ينصفه هذا الصندوق رغم عديد الشكاوى و كثرة التنقلات ذهابا و إيابا من أقصى شرق المملكة إلى عاصمتها الرباط.

حدث من هذا العيار، و أنا لم أبلغ بعد سن الرشد، غير نظرة التقاعد في عيني من نظرة شوق و ارتقاب إلى نظرة ريب و تخوف. نظرة ازدادت سوادا و تشاؤما بعد صرف معاش هزيل لا يتجاوز عتبة الألف درهم لأرملة رجل تعليم لم يتفانى في تربية أبناء هذا الوطن لمدة تناهز ثلاثة عقود.

تيقنت و أيقنت، و أنا لم أضع قدمي بعد على عتبة الوظيفة، أن التقاعد كابوس مرعب يزداد رعبا مع كل "إصلاح " لنظام المعاشات و التقاعد في المغرب...مقابل كل سنوات الكدح الطويلة، فستجازى بمعاشات هزيلة !

فبدل أن يكون التقاعد تتويجا و تكريما لمسار مهني حافل، قد يصبح إهانة في حد ذاته...بضع كلمات مرتبطة بهذا الحدث، كفيلة بدر الملح على الجراح : " إحالة " على التقاعد، "شطب" من لوائح الموظفين، صرف "معاش " التقاعد...حتى صار لسان كثير من المتقاعدين يصف حالهم ب " مت قاعد" أي مت جالسا !

صحيح أن التقاعد ليس سوى نهاية عقود طويلة من العمل، لكنه في الوقت نفسه بداية لمرحلة أخرى من الحياة...بداية لحياة سماتها الأساسية : وفرة في الوقت، و أسقام في البدن و شح في المال...فالفطن من أدرك نفسه قبل بلوغ سن التقاعد و راجع خططه، و العاقل من تحضر و حضر نفسه لمثل هذا اليوم قبل حدوثه.

د. الزروالي محمد جمال الدين