كنت قد اطلعت على مساهمة أحد السادة عن حادثة معاقبة معلمة بسبب مقاطع فيديو لها وهي ترقص.

لست مصريا ولاشأن لي بالمعملة بقدر ما أثارت في ذهني اشكالية شرائع الأدغال والسافانا بدولنا العربية والتي تمثل الشريان المغذي لمظاهر التناقض والنفاق بالمجتمعات.

  • القانون المنافق:

لنأخذ مثال هذه المعلمة الراقصة, فإن القانون يبيح الرقص وهو مهنة مقننة, يتم إعطاء تصاريح لامتهانها في أماكن عامة, بينما يدفع ممتهنوا هذه المهنة الضرائب للدولة, ويتم بث رقصات بالحفلات العامة والخاصة والأعمال التلفازية يشاهدها الصغير قبل الكبير ...نفس هذه الدولة تعاقب معلمة لأنها رقصت بحجة "الإخلال", فأين المنطق من هذا؟ هل هو مخل للأخلاق؟ إن كانت الإجابة نعم فلماذا هو مقنن ويبث بالتلفاز ويدفع ممتهنوه الضرائب؟ وإن لم يكن مخلا للأخلاق فلماذا يعاقب المعلمون؟

مع العلم أن أغلب ردات الفعل هي نابعة من الخلفية الاسلامية, فهل يبيح الاسلام رقص الراقصات بملابس داخلية مزركشة ويحرمها على المعلمات بالمنتجعات؟

ربما يوجد مذهب فقهي يقول بذلك وأنا لا أدري! أتمنى تنويري من طرف الراسخين بالعلم.

  • الوضع الاعتباري:

قد يقول قائل أن الاشكالية ليست في الرقص بل الوضع الاعتباري للمعلم كمربي أجيال وإن كنت أختلف مع هذا الطرح تماما, فإن كان الرقص مخلا لايجب عرضه بالتلفاز والحفلات التي يحضرها الأطفال. الطفل يتلقى قيمه بالدرجة الأولى من مجتمعه, ليس للمعلم ذاك التأثير الخرافي على الطفل, فهو يشاهد النساء يرقصن في مختلف المحافل وربما يشاهد أمه ترقص بالتلفاز.

ولكن على أي لنشبه المعلم بالقاضي وأنه يجب أن يكون له وضع اعتباري خاص, فلا يجوز للقاضي بحياته الخاصة مثلا أن يظهر في فيديو كوميدي سخيف على اليوتيوب, فهذا لا يُعد جُرما ممارسته من طرف المواطنين وليس مخلا بالأخلاق, ولكنه غير متقبل صدوره من القاضي الذي له وضع اعتباري يحتم على القضاة الالتزام بميثاق أخلاقيات المهنة حتى خارج أسوار المحكمة, ويمكن أن نطبق ذات الأمر على المعلم, ولكن السؤال هنا: هل يوجد ميثاق أخلاقيات للمعلم وكيف يتصرف خارج أسوار المدرسة كما هو للقاضي؟

لو كان هناك ميثاق فلماذا لا يطبق على جميع المعلمين وتم طرد فقط المتطوعة في حين لم يطرد البقية كونهم معلمون رسميون؟ هذا يدل إذن على أن القرار جاء بالمزاج الشخصي أو إرضاء للرأي العام بعد حدوث الجدل, وليس تطبيقا للقانون الذي من المفترض أن يشمل الكل.

وهذا ما يحدث في كثير من بلداننا, فوضى بالشرائع وقوانين منافقة تؤمن ببعض وتكفر ببعض, ومزاجية تُفعّل المواثيق حسب ما يطلبه المشاهدون, وما المعلمة إلا مثال جيد لهذا العبث... مبدأ اللامبدأ.

شريعة حامورابي أكثر وضوحا وتفصيلا من هذا الهراء!