لماذا نشعر معظم الوقت أننا لم نبذل أقصى جهد ولم نحقق أفضل نتيجة ؟

أظن أن هذا الصوت ليس بالضرورة علامة ضعف أو نقص، بل هو عرض جانبي للرغبة في التحسن. نحن كبشر لا نعيش في حالة اكتفاء، بل في حركة مستمرة نحو الأفضل، حتى لو لم نحدد ما هو الأفضل بالنسبة لنا. هذا الصوت أحيانًا يعكس خوفًا من أن نرتاح ونتقبل النتيجة، لا حبًا في الجلد الذاتي. لكن الإشكالية تبدأ حين لا نفصل بين النقد البنّاء الذي يجعلنا نتحسن ونتطور أكثر وبين جلد الذات الذي يدخلنا في دوامة من الألم والحسرة المستمرة

لماذا نشعر معظم الوقت أننا لم نبذل أقصى جهد ولم نحقق أفضل نتيجة ؟

الغالبية العظمى منا مثلك في هذا؛ فأنت لست وحدك في هذا الصدد. ولعلك ترى الممثلين أمثال نور الشريف وغيرهم وحتى عمر الشريف كنت قد شاهدت له لقاء يقول أنه غير راض عن معظم أعماله وعندما يرجع إليها ويراها يقول أنه كان بالإمكان أن يمثل أفضل من ذلك. ذلك طبيعة في البشر وهذا دليل على نشداننا الكمال وهذا يعني أننا ناقصين. و الشيئ بالشيئ يذكر، فلقد ذكر ديكارت قريب من هذا الشيئ دليل على اننا مخلوقين ولنا رب فشعورنا بالنقصان يعني وجود الكمال خارجنا و الكمال هو الله سبحانه وتعالى.

أما كيف نتعامل معه فبرأيي أن نحدد أوجه التحسين الحقيقية وإذا ما عملنا شيئ شبيه بما قمنا به سابقاً أن نتدارك أخطائنا. ولكن في حقيقة الأمر علينا في معظم الأحوال أن نقول: ليس في الإمكان أبدع مما كان.

أعتقد أن هذا الصوت الداخلي يشبه موظفًا صارمًا يقيم أداءنا داخل عقولنا، لا يتوقف عن النقد ولا يرضى مهما بذلنا من جهد، فأحيانًا يكون دافعه الطموح وأحيانًا لا يجيد سوى جلد الذات، وبدأت أتعامل معه كما أتعامل مع زميل مزعج: أسمعه لكن لا أطيعه دائمًا، ووجدت حلًا عمليًا بسيطًا ساعدني كثيرًا، وهو أن أكتب في نهاية كل يوم ثلاثة أشياء أنجزتها مهما كانت صغيرة، وأشكر نفسي عليها، وهذا التمرين اليومي جعلني أقدر جهدي بدلًا من الاستخفاف به، ويعلمني أن الإنجاز لا يقاس دائمًا بالحجم، بل بالاستمرارية والنية.

عانيت مثلك وأعاني من نفس المشكلة، لكن أظن أنني بدأت أتخلص منها تدريجيا منذ سمعت حديثا قصيرا عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: "كُلُّ شَيءٍ بقَدَرٍ، حتَّى العَجْزِ وَالْكَيْسِ، أَوِ الكَيْسِ وَالْعَجْزِ." رواه مسلم.

فلما قرأت هذا الأمر، أدركت أن ضعف الإنسان أضعف بكثير مما كنت أتصوره! وأنه لولا توفيق الله لنا ورعايته لما قدرنا على شيء!

فصرت أتعامل مع نفسي على أني إنسان ضعيف، وعلى أن ما توفيقي إلا بالله، ولا أتحسر على ما فات، ولا أرى نقصا أو عيبا في الأشياء التي أنجزتها حتى لو كنت أستطيع إنجازها أفضل من ذلك.

من ناحية أخرى وعلى صعيد العقلية mindset المهنية، مؤخرا تعرفت على مفهوم مهم جدا وهو: الإنجاز أهم الجودة. فكثيرا ما نعطل أنفسنا بـ "هوس المثالية" وهو أكبر مثبط عن النجاح.

بهذه الطريقة يجب أن نفتخر بالإنجاز ونحارب الشعور والصوت بأنه "ليس كافي" أو "كان يمكن إنجازه بطريقة أفضل" لأن هذا قدر الله، وهذا هو الطريق الذي وصلنا به لما نحن عليه من نعمة ووعي ومعرفة.

هل كان يجب أن ابذل جهد قاتل أركض كما تركض الغزال الأخيرة في الغابة من الأسد الجائع أليس هذا غير عادل!

التشبيه الذي استخدمته معبر جدًا بل إنه يختصر شعور الضغط المستمر بطريقة بصرية عميقة فكرة أن تركض وكأن حياتك كلها على المحك بينما لا أحد يرى ذلك أو يقدّره فعلًا تمثل معاناة داخلية نعيشها كثيرًا في صمت وكأننا دائمًا تحت تهديد غير مرئي يدفعنا للمزيد دون توقف أشعر حقًا بما كتبته لأن هذا الصوت الداخلي أعرفه جيدًا وكثيرًا ما زارني في لحظات الإنجاز بدلًا من أن يتركني أحتفل بما تحقق وكأنه لا يعترف بالتعب ولا يرى سوى ما لم يحدث بعد أعتقد أن هذا الصوت ينبع أحيانًا من مقارنة غير واعية أو من توقعات عالية زرعناها في أنفسنا أو زرعها فينا المجتمع دون أن نشعر وهذا لا يعني بالضرورة أننا مقصرون بل قد يكون العكس تمامًا فنحن نحاول بصدق لكننا لم نتعلم كيف نحتضن الكفاية ونرضى عنها شخصيًا أتعامل معه بمحاولة التذكير الدائم بما أنجزت فعليًا والاعتراف أن بذل الجهد لا يعني الوصول للكمال بل للقدر الذي أستطيعه في هذا الوقت فهل جربتم أن تسكتوا هذا الصوت قليلًا بالامتنان بدلًا من المجادلة؟