لدي صديقة غالية على قلبي، صحبتنا قديمة ومليئة بالذكريات الجميلة، لكننا نختلف كثيرًا في فهمنا لمعنى الصداقة. هي ترى أن الصديق الحقيقي يجب أن يتواصل باستمرار، أن يسأل ويهتم ويتواجد بشكل دائم، وتشعر بالخذلان إذا مرت أيام دون حديث. أما أنا، فأؤمن أن الصداقة لا تقاس بعدد الرسائل أو المكالمات، بل بقوة الرابط الذي لا يتأثر بالغياب، ولا تضعفه المسافات. هذا الاختلاف بدأ يخلق بيننا فجوة، رغم محبتي الكبيرة لها. فهل حقًا الصداقة لا تكتمل إلا بتواصل دائم؟ أم أن بعض القلوب تظل قريبة، ولو طال الصمت؟
الصداقة لا تحتاج تواصلًا دائمًا، من يحتاج الإثبات اليومي لا يثق حقًا
في رأيي الصداقة الحقيقية لا تطلب تواصل يومي، قد نغيب عن بعضنا لفترة بحكم الانشغال وظروف الحياة وضغوطها، ولكن عندما نتحدث مجدداً يصبح كأن شيئاً لم يكن وكأننا كنا مع بعضنا بالأمس.
كان لدي صديقة دائماً تشكو أنني لا اتصل بها كل يوم ولا ازورها إلا مرة واحدة في الأسبوع، لما كنا في ثانوي كنت نرى بعضنا كل يوم، لكن في الجامعة افترقنا كل واحد في كلية، طريقتها كانت مزعجة فهي دائماً تؤنبني، وكأنني انا المقصرة الوحيدة! في النهاية لم أحتمل هذه الطريقة وابتعدت عن تلك الصديقة .
الحياة ضاغطة وعلينا جميعا أن نتحمل بعضنا البعض
المشكلة أن هذا النوع من العلاقات يشعرني شخصيًا بعبء شديد، ويجعلني وكأنني في اختبار مستمر لإثبات محبتي واهتمامي، وهذا مرهق نفسيًا، فالصداقة يجب أن تكون مساحة راحة، لا ساحة مساءلة، وإذا تحولت العلاقة إلى سلسلة من اللوم والعتاب اليومي، تفقد معناها الجميل وتتحول إلى عبء بدل أن تكون سند.
وأنا أقدر الصداقات العفوية التي تعطي كل طرف حقه في الغياب دون أن يحاسب، وتستمر بروحها الجميلة حتى لو طالت فترة الصمت.
أختلف معك قليلاً بصراحة، فالصداقة مثل أي علاقة تحتاج إلى تغذية مستمرة، والتواصل هو أبسط صورها. صحيح أن الانشغال واقع، لكن الإهمال المتكرر يجعل الطرف الآخر يشعر بعدم الأهمية. ربما صديقتك كانت تفتقد القرب الذي اعتادت عليه، فعبّرت عنه بطريقتها. ألا ترين أن الصداقة أيضًا تحتاج إلى جهد للحفاظ عليها، مثل أي علاقة إنسانية أخرى؟
المشكلة أن في نوع من الناس دائماً يطالبونك بمزيد من التواصل معهم ولكن عندما تتوقف وتفكر تجد أنهم هم أنفسهم لا يقدمون أي شيء ، بمعنى آخر لم اتصل بك اتصل انت، بادر أنت ، لماذا مطلوب مني دائماً المبادرة والسؤال في حين أن الطرف الآخر لا يقدم شئ.
يعني حاليا أنا زوجة وأم عاملة، قد لا أجد وقت كي أتواصل مع والدتي وأخواتي ولكن أجد والدتي تتصل بي فهي تعلم مقدار انشغالي ومقدرة للظروف، الفكرة أننا نقدر الظروف ولا نضغط على بعضنا البعض، لأن الحياة ضاغطة بالفعل، وتقريباً كلنا مهروسين فيجب أن نهون على بعضنا، نهون لا تثقل.
الصداقة هي مراعاة حاجة الصديق، فلو صديق يحتاج تواصل معه، فمن واجبات الصداقة أن نخصص له قليل من الدقائق يومياً وحتى بعد فترة عندما ينتهي ما يريد قوله أو يريد مشاركته أو تنتهي الفترة التي يمر بها، لن يكون محتاجاً للتواصل بنفس الغزارة، لكنه لن ينسى أنه عندما احتاج ذلك كان هناك صديق بجانبه.
لكن الصداقة الحقيقية لا تعني أن أُلزم نفسي يوميًا حتى لا يقال إنني غبت وقت الحاجة، فمن الطبيعي أن نكون بجانب أصدقائنا في أوقاتهم الصعبة، لكن أن يصبح "الواجب اليومي" مقياسًا لصدق العلاقة فهذا تحميل زائد وغير عادل.
ليس كل من لا يتواصل كل يوم هو غافل أو غير مهتم، وليس كل من يمر بظرف يحتاج أن يشارك كل تفاصيله الصداقة ليست فرض حضور يومي، بل شعور مستمر بالوجود والدعم حتى في الغياب.
هذا صحيح، لكن أن تتكلم عن وقت الحاجة أو الشدة بينما من كلام بسمة هنا يبدو أن هذا هو طبع صديقتها وتريدها أن تتواصل معها بشكل دائم بسبب أو بدون سبب وهذا بالطبع صعب لشخص يعمل أو يتعلم أو لديه مسئوليات.
برأيي طالما بخلنا على الصديق ب20 دقيقة من 24 ساعة يومياً فهي ليست صداقة حقيقية، أظن أن هذا هو الكسل وليس شيء آخر، فنحن نقضي على وسائل التواصل بدون هدف أوقات أضعاف ذلك..
ولو كما قالت بسمة أن ذلك سيصبح مثل واجب يومي فلا أظن صديقتك ستشتكي لو تفرغتي لها يومين في الأسبوع..
أتفق معك في أن الصداقة الحقيقية لا تحتاج لتواصل دائم، لكن هنا شيء أعتقد أنك ربما تكوني قد غفلتي عنه وهو أن لكل شخص احتياجات عاطفية مختلفة، فقد تكون تلك الصديقة من النوع الذي يحتاج لمن يتواصل معه بشكل دائم، لذلك أرى أنه عليكِ التحدث معها بصراحة وفهم سبب إصرارها على التواصل الدائم ثم قومي بإفهامها أن انشغالك وعدم التواصل معها يوميًا لا يعني عدم حبك لها أو عدم رغبتك في التواصل معها لكن يعني أنك مشغولة ببساطة.
ليتها تفهم ذلك، للأسف أخبرتها مرارًا وتكرارًا أنني أحبها كثيرًا، وأن غيابي أحيانًا لا يعني أنني لا أقدر صداقتنا، بل يعني ببساطة أن لدي التزامات ومسؤوليات، لكنها رغم كل شيء، ما زالت تتصرف وكأنها لا تملك ما يشغلها، وتنتظر مني أن أكون متفرغة لها طوال النهار والليل، عبر الهاتف وتطبيقات التواصل، وهذا مرهق جدًا، الصداقة لا يجب أن تكون بهذا الشكل، ولا أستطيع أن أكون متاحة ٢٤ ساعة لأثبت أنني صديقة جيدة.
الصداقة الحقيقية ليست بعدد الرسائل أو اللقاءات، بل بصدق المشاعر وعمق الاحترام المتبادل.
بعض القلوب تظل قريبة رغم طول الصمت، وتشعر بوجود الآخر من بعيد.
ليس شرطًا أن نلتقي يوميًا لنؤكد قيمة الصداقة، فالصديق الحقيقي حاضر في الفكر والروح قبل المكان والزمن.
الصمت قد يكون اختبارًا للوفاء، لا ضعفًا في العلاقة.
الأصدقاء الذين ينجون عبر المسافات والأيام، هم الذين يفهمون لغة القلوب بلا كلمات.
في النهاية، القرب الحقيقي يُقاس بالوفاء، لا بتواتر الكلام أو اللقاء.
التعليقات