أسمع كثيرًا أن ترتيبنا في أسرتنا يؤثر في تكوين شخصياتنا، فنجد مثلًا أن الابن الأكبر يحمل صفات القيادة والمسؤولية ويكون دائمًا الأعقل والأذكى. أما الابن الأوسط فهو ناشد الاهتمام يحمل صفات تجمع بين الجدية والمرح يسعى لاثبات نفسه دائمًا وتطوره يكون في الخفاء، أما الصغير فهو المدلل الذي لم يحمل همًا منذ الصغر، مبدع أكثر ومرح أكثر ومحبوب أكثر. فما رأيكم؟ هل تتفقون مع هذه النظرية وهل تجدون أنها قريبة من شخصياتكم؟
ترتيبنا وسط أخوتنا يؤثر في شخصياتنا أم لا؟
عندنا مصيبة الأخ الأكبر، لا تصدّقي من يقول الأخ الأكبر أذكى وأعقل، كل ما هنالك أن الأخ الأكبر يتم إثقاله بكثير من المهمات والأمور الصعبة التي من الصعب إدارتها أو حملها والتفكير بها، مثل أن يطالبوني أهلي مرة بأن أرعى أخي المريض وانتبه له في المدرسة، بأن أسأل هل أكل وهل شرب وهل هو بخير وتذكر دواءه، كل هذه التفاصيل مثلاً أنا عشتها مع أخي صغيراً حين كان مريض وأثقلت عليّ، فيحاولوا أن يعوّضوا بأن يوصفوني إما بالأخ الأكبر العاقل والذكي أو عبر أن يقدّروني ويقدّروا ما أفعل بأن يعاملوني كالكبير وهذا يلغي مراحل كثيرة في تكوين الشخصية للطفل.
الأخ الأكبر ليس الأذكى بالفطرة أو لأسباب بيولوجية هذا ليس المقصود وإنما بدافع التجارب وأسلوب التربية الذي يتعرض له ويكون مختلفا عن بقية أخوته، التجارب التي تعرضت لها جعلتك أذكى لأن الذكاء ليس فطري وحسب بس هو يتطور وينمو مع الإنسان كلما عمل عليه، وتحملك لمسؤوليات أكثر عندما كنت أصغر هي ما ساهمت في نمو ذكائك بشكل أسرع وأكبر مقارنة ببقية أخوتك، لأن التحديات تستدعي التفكير لإيجاد حلول وإيجاد الحلول يحتاج لمهارات الملاحظة والبحث والاستكشاف والتحليل والربط والتطبيق والاستنتاج، كل القدرات العقلية هذه تتطور مع كثرة تعرض الإنسان للتحديات، وهذا سبب طبيعي لكون الأخ الأكبر أذكى، وإذا ما افترضنا مثلا أن الأهل أهملوا الابن الأول ووجهوا الاهتمام للابن الثاني ستجد أن هذا الطفل ستنتقل إليه الصفات التي كانت تميز الطفل الأول.
شخصياً، لا اتفق مع المقولة بشكل كامل فكثيراً ما نجد حالات يكون فيها الاخ الاكبر هو الاسوء من بين اخوته، وفي بعض الاحيان قد تجد ان الاخ الاصغر بشكل مفاجئ هو اعقل الاخوة واذكاهم.
ولكن بشكل عام ارى بأن كون الاخ الاكبر يتم اثقاله بمسؤوليات كثيرة كونه اول الابناء واكبرهم يساهم في تطويره وجعله يدرك اهمية دوره في العائلة مما يحده ليكون الاذكى والاكثر اجتهادا..
فأرى أن الظروف وطريقة التربية هي التي تلعب الدور الاكبر في اختلاف شخصيات الاخوة حسب ترتيبهم
فأرى أن الظروف وطريقة التربية هي التي تلعب الدور الاكبر في اختلاف شخصيات الاخوة حسب ترتيبهم
هذا بالضبط السبب، ولأن النسبة الأكبر من الأهل تربي بنفس الطريقة يكون النمط المذكور في المساهمة هو الأكثر شيوعا، بحيث يأخذ الطفل الأكبر النصيب الأكبر من الاهتمام مع أسلوب تنشأة يتسم بالحزم، والطفل الأوسط يتعرض قليلا للإهمال، والطفل الأصغر يأخذ النصيب الأكبر من الدلال بأسلوب تنشأة يميل للتراخي وتقديم حب ودعم أكثر من بقية أخوته بدافع أنه الأصغر سنا.
الذكاء يمثل القدرات الذهنية التي يولد بها الإنسان, مثلها مثل القدرات والاستعدادت البدنية, هي لا تتأثر بتموضع وترتيب الشخص بالوسط العائلي, لكن فيما يخص الشخصية فإن بعض الصفات كالمسؤولية أو الاستهتار والقيادة أو الانقياد وما شابه ذلك... قد تتأثر بالتنشئة, وبالتالي إذا اختلف أسلوب تربية الأبوين لأطفالهم فإنه من الطبيعي أن يكبر الأطفال على ما تم تلقينه إياهم, فإن حملنا طفلا المسؤولية مبكرا سواء كان الأكبر أو الأصغر فإنه سيكبر على تحمل المسؤولية, ولو تم دلال الطفل منذ صغره وعدم تحميله أي مسؤولية فإنه سيكبر مستهترا مدللا ينتظر العطاء من الآخرين دائما سواء كان أكبر إخوته أو أصغرهم.
الترتيب يلعب دورا في أسلوب التنشأة وهو ما يؤثر على تشكيل شخصية الفرد، فالأهل عادة ما يميلون للحزم أكثر أثناء تربية الطفل الأكبر ويتراخون في تربية الطفل الأخير ويهملون الأوسط، وهذا الاختلاف في أسلوب التربية هو ما ينشأ لدينا شخصيات مختلفة تتأثر بالترتيب، فعندما نقول أن الطفل الأول يكون أذكى هذا نتيجة لحصوله على الاهتمام الأكبر من والديه بتطوير قدراته وبتعلمه فضلا على التركيز الكامل عليه بوضعه تحت ضغوط تحقيق إنجازات معينة وهو ما يجعل الطفل أكثر التزاما واهتماما بدراسته وهو ما يجعل قدراته أكبر ونمو ذكائه أسرع، نأتي للطفل الثاني الذي يبدأ معه الإهمال، ماذا ستكون نتيجته؟ الطفل يجد نفسه غير ملزم وغير مراقب من قبل والديه وغير مدعوم كذلك ولهذا سيكون مشتت أكثر يميل كباقي الأطفال للعب وفي نفس الوقت من أجل اكتساب اهتمام والديه الحاصل عليه بالكامل الطفل الأكبر سيحاول منافسته بكل الطرق ولهذا هو الأكثر نجاحا على المدى الطويل ولكن الأقل تقدير وسط عائلته، أما الصغير فنتيجة للدلال وتوفير كل شيء أمامه سيكون مبدعا أكثر لأنه سيتعرض لتجارب مختلفة عكس إخوته تتيح له ذلك، ولكونه الأقل تعرضا فيهم لصدمات الطفولة فسيكون سويا أكثر ولهذا يكون مرحا وعليه يكون محبوبا أكثر. لكل سبب نتيجة.
برأيي هذا هو النمط الشائع لكن ليس صورة ثابتة فأنا مثلاً في أسرتي المسؤول عن كل صغيرة وكبيرة رغم أنني لست الأخ الأكبر، بل الأخ الذي كان قدر المسؤولية في كل مرة، ولا ألوم على أخي في شيئ فهو حر ولكنه اختار أن يعيش بحرية أكبر وهذا حق ليس لأحد أن يحرمه منه.
أما أخي الصغير فهو مدلل ولكن غيور يريد أن يفعل كل شئ بينما نمنعه خوفاً عليه ولأنه غير مؤهل بعد لأن يتحمل مسؤولية مثلي، وهنا يتضح عدم ثبات النمط رغم شيوعه
كانت هذه النظرية محاولة لفهم الشخصيات وتأثير الترتيب الأسري على تكوين الأفراد، لكن صراحة لم أجدها صحيحة منذ عرفتها، لنقل إنها تصيب أحياناً، وتُخطىء أحياناً كثيرة.
لكن لنقل أن لها ارتباط بالواقع بشيء ما، فالابن الأكبر عادة يتحمل جزء من المسؤولية أكثر من باقي أخوته، ويسمع كثيراً مقولة: أنت كبرت ولازم تعقل، وراقب أخواتك حتى نرجع من الخارج، ويسهم ذلك في تكوين شخصيته وتفكيره بالنسبة لباقي أخوته، والعكس بالنسبة للطفل الأصغر.
الحقيقة عندما اسقط هذا على وضع عائلتي، ربما فيه شيء من الصحة.. لكنني لا أؤيد تعميم هذه القاعدة، لأني ارى فعلا عائلات حيث يكون الابن الاكبر هو الاقل تحملا للمسؤولية والعبئ على اخوته وهكذا، لذا هل يعني أن الصفات مرهونة فقط بالترتيب؟ بالطبع لا. التربية، والظروف الحياتية، والتجارب الفردية، وتفاعل الأبوين مع كل طفل تصنع الفارق الأكبر.
لا أتفق معها، لأن واقع أسرتي لم يثبتها.
كل شخص في العائلة يتأثر بعد عوامل بجانب ترتيب الميلاد، الظروف الاجتماعية والبيئية والاقتصادية في كل مرحلة حياتية نشأ فيها أخي الأكبر أو أخي الأصغر أو حتى أنا مختلفة، وهذا بالطبع له تأثير كبير على تكوين شخصياتنا. تجاربنا أيضًا متفاوتة، فكل منا مر بتحديات وفرص تختلف عن الآخر. لذلك فكل منا لديه شخصية مستقلة لها من كل هذه الصفات نصيب.
التعليقات