كم يتردد المرء أمام البدء في كتابة أي نوع أدبي، ويبقى حائرا يكتب ويتلف ما كتب، ويعاود الكرة ويصل إلى نفس النتيجة. هل هي بالفعل أزمة ثقة في المقدورات؟ أم حذر ضروري قبل الانطلاق؟ ومتى يمكننا القول أن الوقت قد حان للشروع في الكتابة وعرضها على العموم؟ أم عليه بالبدء وترك الحكم على ما يكتب للقراء؟
متى تيقن أنك مستعد للشروع في كتابة قصة أو رواية أو أي صنف أدبي يستهويك؟
دوما ما أجد الوقت المناسب للبدء في أي شيء نريد تعلمه أو ممارسته هو الآن. لا يجب الانتظار حتى الوصول إلى "الكمال"، لأن الكمال مفهوم نسبي وغير قابل للتحقيق بشكل مطلق. الكتابة نفسها هي عملية نمو وتطور، وكل نص جديد يمثل خطوة نحو الأفضل.
عرض النصوص على الجمهور هي خطوة مهمة ولكن يجب أن تكون مدروسة لأنها ستترك انطباع لديهم وسيبني القارىء قرار وفقا لجودتها، لذا يمكن عرضها ولكن عندما تكون النصوص جاهزة من حيث الجودة والأسلوب، حتى لو كانت نصوص صغيرة كبداية فيمكن أن تكون ردود الفعل من القراء فرصة للتعلم والنمو.
ربما يكمن الجواب في الإيمان بأن الكتابة هي رحلة مستمرة، لا تقاس بكمال النص أو باكتماله، بل بجسارة الخوض فيها. على الكاتب أن يبدأ، لا ليحكم على نفسه، بل ليترك للقراء أن يقرروا. فالكتابة عملية دائمة والحكم على النص يتجدد باستمرار مع كل قراءة وتفاعل جديد.
ذكرتني بتشارلز بوكوفسكي الكاتب والشاعر الأمريكي المشهور جداً وخاصة بالأوساط المثقفة العربية، المهم هذا الرجل شرح وفصّل في هذا الموضوع كثيراً وقال إن الكتابة يجب أن تكون دافع داخلي لا يُقاوَم نهائياً وكتب قصيدة مشهورة على ما أذكر اسمها So You Want to Be a Writer، وفيها أتذكر كلامه القاسي، في أن الكتابة لا يجب أن تكون مجبرة أو مدفوعة برغبة في الشهرة أو المال بل نتيجة شعور لا يمكن كبته، يقول إنه إذا لم تخرج الكلمات من أعماقك تلقائياً بدون جهد لا تكتب، وإذا لم تكن كالصرخة حرفياً بجسمك التي يجب أن تُطلق فلا تكتب. لإن لحظة الكتابة عنده تأتي عندما تتحول الأفكار والمشاعر إلى طلقة مضغوطة الزناد، على الأقل أنا اتبنى رأي بوكوفسكي وأعمل به بحياتي ولذلك حتى الآن لم أنجز إلا مجموعة واحدة من القصص.
أنا أيضا لا أستطيع أن أكتب إلا استجابة لصوت داخلي يُملي علي فكرة تشغل ضميري ويمتلأ بها إحساسي، ولكن هذا النهج صعب ولا يسمح بإنتاج غزير، عكس الذي يعتبر الكتابة طقسا يوميا محضا يخصص له وقتا محددا، يكفيه أن يجد فكرة فيبني عليها قصته، يصممها ويؤطرها ويبدأ في الكتابة ثم يخرجها، لا أدري هل مع الممارسة يستطيع الفرد الكتابة وتأليف القصص بهذه الطريقة (قصة تحت الطلب)؟
مساء الخير ..
ببساطة لأننا نخاف من نقد الآخر لما نكتب ،نازلنا عاحزين عن أن نفصل مابين الفكر والشخصية .
تحيتي لك
بالنسبة الي مايمنعني ليس تخوفا بقدر ماهو حيرة في اختيار المحتوى والاسلوب، يعني جانب مني يريد تأليف رواية بوليسية، جانب آخر يريد مجموعة قصصية رسالية، جانب آخر يريد تأليف كتاب مفيد وقيم، فهذا من بين مايجعلني أحتار دائما بما علي أن أبدأ.. أما التخوف من نقد الاخرين وقلة الامكانيات نعم موجود لكن ليس لتلك الدرجة يعمي، تخوف طبيعي معقول كأي تخوف آخر لأول تجربة يقوم بها المرء.
التعليقات