القدر يسلب حرية الاختيار أم أنه متعلق بحدود أساسية فقط ولا علاقة له بإرادتنا

أعتقد هذا الخلط يأتي من عدم فهم ما هو القدر وما هي الإرادة، وسأعطيك الفرق من فهمي والوارد أن يكون به أي تعديل أرحب به، بالنسبة للقدر هي مشيئة الله التي تفوق وتحيط بكل شيء، أما الإدارة فهي قدرتني أنا كبشر في اختيار أفعالي أو تحمل شيء أو اتخاذ قرار، خاصة بي فقط، وهي ما تعطيني المسؤولية التي ستجعلني أحاسب عليها بيوم من الأيام، لذا يمكننا القول أن الإرادة هي نقطة في دائرة محيطها هو القدر.

فمثلاً لو نجح أحد في الحصول على فرصة عمل مميزة يقول سعيت وحاولت وخططت وكذا وكذا، ولو فشل تجده ومن حوله يقولون إنه القدر والنصيب وليس لنا من الأمر شئ.

أجد أن هذا المثال يعود لخطأ فكر الإنسان نفسه، يعني قد يجتهد اثنان بنفس القدر ولكن مشيئة الله وقدره تسهل لشخص ولا تسهل للثاني، فهل هنا سنلوم الشخص الذي لم يوفق، فمثلا مثال بسيط قد أتقدم أنا وانت لوظيفة، أدخل للمسؤول وهو مبتسم وتسير المقابلة بسهولة ويسر، واخرج ويستقبل هو مكالمة بها خبر سيء، ثم تدخل فلا تسير الأمور لصالحك، فعدم وجود الفرصة المناسبة هذا جزء من القدر، وحتى وجودها جزء من القدر، لكن المشكلة أننا كبشر حتى لا نحمل انفسنا السبب في الفشل نحمله للقدر

لكي نفهم هذا الموضوع علينا أن نتذكر الطبخ، ماذا نسمي المكوّنات التي نحضرها لصنع طبختنا؟ مقادير. هذه المقادير إذا أتت فاحتمالية كبيرة نحن نتوقعها مسبقاً كنتفرجين أن الأكلة الفلانية سوف تكون حاضرة لدينا بعد وقت قصير من أمهاتنا. وبالمثل الحياة، طالب يقدّر طوال السنة ويجلب مقادير للفشل من تسيّب دراسي وعدم حضور وتسلية وانشغالات وسخرية من المواد وعدم اهتمام وتغيّب، كل هذه مقادير، إذاً النهاية هو نتائج هذا القدر، كل شيء يمشي بهذه الطريقة وكل شيء مقدّر فعلاً ولكن نحن من يصنع قدرنا، وهذا لا يخرج عن ارادة الله، لإن كل المقادير التي نستخدمها لا يمكننا استخدامها إلا عندما يخلقها الله، فإذا خلقها إذاً نحن نعيش بقدر الله، وبهذا يكون كل شيء من الله ومع ذلك الانسان حر تماماً ولذلك يُحاسب هلى أعماله في الدنيا عبر النجاح والفشل وفي الآخرة عبر الجنة والنار، لإن كل عالمنا الآن هو يدور حول سؤال واحد: ماذا فعلنا بهذه المقادير التي وضعها الله لنا؟

إذا أردت أن تلخص الفارق بينهم فانظر في قوله تعالى ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) رغم أن الآية ليست موضوعة لهذا الموضوع إلا أنها قادرة على فض التشابك به، وانظر في قصة السيدة التي سألت سيدنا موسى الولد فأخبره الله أنها عاقر، وبعد أعوام من الله عليها بالرزق بمولود فجائت تعاتب سيدنا موسى فقال له الله رد دعائها قدري، وهنا القدر كان موجود والسعي غيره، وربما يكون قدرك أن تعمل بشركة لكن لم تسعى كفاية لتعمل بها، قدرك الزواج من فتاة ولكن معاملتك غيرت هذا فخسرتها، فهنا الأمر ارتبط بالسعي لا بثبات النتيجة.

الإنسان يمتلك حرية في اختيارته و لكنه لا يستطيع الجزم بتحقق النتائج كما هي في تصوره .. و ما لا يستطيع الإنسان رصده و تغييره و التحكم فيه يسميه ( قدرا محتوما ) .. فالحتميات هي ما لا قدرة لنا على ايقافه و منعه من الحدوث أو تغييره هي حوادث أقوى من استطاعتنا و أعلى من إدراكنا لها .. نحن بطبيعتنا البشرية نتصرف وفق ما خلقنا خالقنا عليه فلا نستطيع أن نتحول إلى مخلوق آخر إلا إذا منحنا الخالق هذه القدرة و هذه المشيئة .. فلا نستطيع مثلا أن نتحول إلى حيوانات ستضل هناك اختلافات كثيرة بيننا و بين عالم البهائم و هذه الاختلافات أقدار و حتميات لا سبيل لتغييرها .. و الحتميات هي ما أعجزنا الخالق على بلوغه لأنه من اختصاصه كالقدرة على الخلق و على العلم و الإحاطة بكل شيء .. معجزاتنا العلمية و مخترعاتنا تندرج ضمن مشيئة الله و أقداره .. فلو يشاء الله أن يمنح قدرات خارقة لبعض عباده كالأنبياء و الرسل فما الذي سيمنعه ؟ لو حصلت مشيئة إلهية قد يستطيع البشر من خلال تراكم العلوم و تطورها إلى تدمير كوكب الأرض و إحداث اختلالات فيه و إفناء مظاهر الحياة على سطحه .. فالعلم قوة من قوى الخالق يودعها في بعض خلقه و قد رأينا ما يمكن للإنسان أن يصنعه سواء كأسلحة تدميرية أو كتكنولوجيا شفائية و آلات مساعدة للناس .. فالعلم رزق إلهي يمكن استخدامه في الخير أو في الشر ..