كيف تعرفها من منظورك الخاص؟ ما حدودها؟ وما النظام الذي تراه يمثلها بكل تجلياتها بالنسبة لك؟
ما هي الحرية بالنسبة لك؟
أنا ما زلت على المبدأ الكلاسيكي بفهم هذه الحدود، في أن الحرية هي أن أقوم بواجبي تجاه الآخرين بشريطة أن يقدّم الآخرين واجباتهم اتجاهي أو حقوقي كاملة، أي خلل في هذه المعادلة برأيي يضرب مفهوم الحرية في مقتل، لأنني أرى أن الحرية تكمن في إيجاد صيغة للتفاهم الواضح مع المجتمع والسهل، وبالتالي أعرف مساحاتي دائماً وفق للقاانون الذي اتفقنا عليه، أما من يريد التفلت من هذا الموقف الذي أتبناه فغالباً لا يعيش حياة حرة بل حياة متمردة فيها صدامات كثير مع المجتمع لا تريحه.
في أن الحرية هي أن أقوم بواجبي تجاه الآخرين بشريطة أن يقدّم الآخرين واجباتهم اتجاهي أو حقوقي كاملة
لكن من يرسم هذه الواجبات والحقوق، ما المرجع الذي يحقق التكافؤ والعدل في هذه الحقوق والواجبات للأفراد في المجتمع؟ فما تعتبره حق لك سأعتبره أنا مثلا تعدي على حريتي وحقوقي المشروعة؟
كيف تعرفها من منظورك الخاص؟
الحرية هي ما يتمتع به الآن أهل فلسطين عامة، وأهل غزة بالخصوص، نعم رغم الحصار والقصف والظلم فهم أحرار أكثر منا، تحرروا من ظلم العالم وقيمه المعوجة المرتجلة، تحرر الفلسطيني من حب الدنيا فأصبح مقبل غير مدبر لنصرة عقيدته وقيمه التي يدافع عنها، تحرر من تسلط الرغبة الذاتية التي انصاع لها العالم أجمع إلا هو ولم تعد تلك الرغبات تشكل عبءا عليه لأنه قارنها بما هو أسمى، وتحرر أيضا من خوف الحكام والخوف من الموت والخوف من الجوع والخوف من زوال متع الحياة لأنه تشبث بالخوف من الله وحده، ولذلك تراه يحمد الله وهو يدفن أحباءه، ويعد بالاكمال المسير وهو يخرج من الأنقاض مغبرا مجروح، الحرية هي ما شعر بها الثنائي فوق السطح في جباليا، تلك هي الحرية الحقيقية في رأيي.
معك حق فعلا صحيح أن الفلسطينيين يعانون من ظروف قاسية وظلم كبير، ومع ذلك تجدهم متمسكين بقيمهم وعقيدتهم، هذا التمسك يمكن اعتباره نوعا من الحرية الداخلية والروحية التي تمنحهم القوة والصمود، كما أن التحرر من الخوف من الحكام والموت والجوع هو قوة عظيمة، فالعيش تحت ظروف القصف والحصار والفقر يفرض تحديات نفسية وجسدية هائلة.
الحرية هي الحق الإنساني المشروع في التعلم و الاستكشاف و التجريب و الإختيار و الإختلاف و صناعة القرار و التسيد على الذات .. و الحرية المشروعة هي التي لا تلحق أي ضرر مادي أو معنوي للغير .. بمعنى أن الإنسان مطالب بأن يمارس بعض حرياته بشكل خاص و خفي مستور غير ظاهر دون السعي إلى إعلانه .. بسبب رفض المجتمع للإظهار و لإعلان بعض الممارسات التي قد يكونون هم بدورهم يمارسونها سرا .. لذلك أحيانا يصعب فهم الحكمة من وراء الإظهار أو الإخفاء .. قد تجد شخصا مدمنا على استهلاك المخدرات في الخفاء و لكنك تجده يطالب بحظر استهلاكها علنيا بسبب كونه شخص ابتلي بهذه المخدرات و هو يؤيد عدم ترويجها بين الشباب الآخرين ..
الحرية المشروعة هي التي لا تلحق أي ضرر مادي أو معنوي للغير
كيف أعرف أنني لا ألحق ضررا بغيري، ربما بذلك أضر نفسي، إذن لابد لهذه الحرية من مرجعية تستند عليها، لتحدد حدود حريتي وحريتك ومتى تنتهي،
أعتقد أن أهم قاعدة هي يجب أن تتوقف حريتك عند حدود إيذاء الآخرين، أي أن أفعالك يجب أن تكون غير مضرة جسديا أو نفسيا أو معنويا بالآخرين، كما أن الوعي الذاتي بتصرفاتك وتأثيرها على الآخرين هو أمر بالغ الأهمية، لذا اسأل نفسك دوما إذا ما كان فعلك قد يتسبب في ضرر لشخص آخر.
أهم قاعدة هي يجب أن تتوقف حريتك عند حدود إيذاء الآخرين
هذه قاعدة ليبرالية على ما أعتقد، لكن من هم الأخرون؟ هناك من يضع الاخرين ضمن نطاق الاقليات مثلا بما أنها مرتبطة بالدمقراطية التي تحكم فيها الأغلبية، لكن هؤلاء الأقليات الأن هم من يتحكمون في الأغلبة، مثال على ذلك جماعة المثليين اللذين ينادون بحريتهم في التصرف ونشر أفكارهم، هذه حرية بالنسبة لهم، لكن هل يمكن اعتبارها تسبب ضررا لي حتى أدعو لأقفها؟ أنا أراها تضر بقيم المجتمع، لكن المجتمع سمح بها تحت شرط "الإذاء"، وبالنسبة لهم لم يضروا أحد، فمن يقييم الضرر هنا؟ كيف يمكن حل مثل هذه المعضلة في رأيك؟
لكن المجتمع سمح بها تحت شرط "الإذاء"، وبالنسبة لهم لم يضروا أحد،
مَن قال أنهم لم يضروا أحد؟
نشر هذه المعتقدات من الأساس بين الأطفال هو بداية الضرر لأنه ترويج مستهدف وممنهج وأيضا للأسف مركّز، ولا يمكن القول بأنهم لا يقصدون هذا الترويج المكثف وتغيير الفطرة وفرض مثل هذه المعتقدات خصوصا على الجيل الجديد الذي لا زال وعيه في التشكل.
هم يمارسون أكثر من حدود حريتهم ويعرفون أنهم بذلك يكسرون القواعد والأسس التي وضعها أسلافهم ليكسروها هم.
مَن قال أنهم لم يضروا أحد؟
أنت تقول ذلك وانا أقول ذلك، لكن المجتمع الغربي والقانون الدولي الذي يتغنى به، والذي يرفع شعار الانسانية يدافع عن حقهم وحريتهم في التعبير ونشر أفكارهم، حتى أن هناك أجند ضخمة تمول حريته، لذلك أريد أن نصل معا إلى مرجعية ثابتة ونستسقي منها قيمة الحرية وحدودها، القانون ومافيه من حقوق وواجبات مبني على عوامل فردية وحكم الأغلبية، مبدأ الإنسانية الذي يتغنى بها الغرب رأينا إعواجه وميلان قيمه حسب غاياتهم وأجندتهم.
لذلك سأترك الحكم للاديولوجيا الفردية لكل فرد منا لتقييم الحدود الخاصة بنا في الحرية (الشريعة الاسلامية) ما رأيك؟
أنت تقول ذلك وانا أقول ذلك، لكن المجتمع الغربي والقانون الدولي الذي يتغنى به،
هذه كلها يا صديقي مداعبات ومناورات إعلامية أو هكذا أسميها.
كنا في جلسة مغلقة مع أحدى المسؤولات في البيت الأبيض عندما كنت أدرس في الولايات المتحدة تخصص الاتصال الجماهيري فسألتها بعد الجلسة: هل عندك أولاد؟ فقالت لي نعم. فسألتها: هل تقبلين نفسيا لهم أن يختاروا جنسا غير جنسهم ويصبغوا به حياتهم القادمة؟ فقالت لي طالما هي من سمات المجتمع والحرية الجندرية فلا حق لي في الموافقة أو الرفض ولكن قد أحاول عرض الأمر من جميع زواياه لهم إذ أن هذا دوري كأم. طبعا هذه مناورة دبلوماسية فهمت أنا منها أنها في واقع الأمر ترفض هذه الممارسات وإلا لكانت هي الأخرى امتنعت عن الزواج بطريقة طبيعية لكنها بطبيعة الحال تخاف على منصبها ومكانتها وتعرف أنها لو ردت عليّ في هذا الوقت ردا صريحا مباشرا لاستغللت طيشي الصحفي في ذلك الوقت وحولته إلى تصريح صحفي يودي بمستقبلها المهني.
إذا ابتعدوا عن عدسات الكاميرات فسيقولون الحقيقة حتما.
مفهوم الحرية عن طريق تقييمات الأخرين هذه لا أراها حرية بل على العكس هي تقييد للحرية نفسها، أنا معك بشكل كامل أن تكون حرا بالأساس أن لا تقوم بإيذاء غيرك، ولكن لا أعتمد على هذا المفهوم كثيرا حاليا وخاصة أنه أصبحت هنالك أشياء كثيرة لا يمكنك أن تعترض عليها ولو اعترضت رغم أن هذا حقك وحريتك حينها يمنعوك من الاعتراض، والأمثلة كثيرة فأنا مثلا أرفض بشكل واضح ما يحدث في فلسطين ولكن كلما عبرت عن رفضي الذي هو جزء من حريتي يتم معاقبتي وفرض تقييد على حريتي وخاصة في وسائل التواصل مثلا وفي أماكن كثيرة من العالم تم تسريح العديد من العاملين والموظفين باختلاف أنواع عملهم لأنهم قالوا رأيهم، لذا برأي أن مفهوم الحرية لي هو الحق في الاعتراض الحق في قول رأي الحق والحق أيضا في تقبل رأي الأخرين.
إذا أردت أن تعرف ( ما يجوز لك و ما أنت حر فيه ) حاول أن تسأل قريب أو صديق لك يكون ناضجا و موثوقا أو ربما مختص تربوي تستعين بتقييمه و نقده لسلوكياتك و أقوالك في إصلاح و تعديل ما ينبغي تعديله في سلوكك و أقوالك ..
مثلا :
قد تكون قد أدمنت التكلم بغضب عند حصول مشاكل معينة و عندما تسأل صديقك سيخبرك أنه باستطاعتك إدارة غضبك و السعي إلى حل المشاكل بهدوء و بحالة شعورية صافية لا تسبب قلقا لمن هم حولك ..
"حرية القيد وقيد الحرية"، هذا هو التعريف الصحيح للحرية بالنسبة لي، فالحرية هي أن ألتزم بالقيود التي ارتيضتها لنفسي، وأتحرر من كل ما يشتتني عن الالتزام بتلك القيود، فأنا أرتضي لنفسي قوانين وأحكام الدين الإسلامي وأحاول جاهدة التحرر من كل ما يصرفني على هذا الهدف الذي حددته لنفسي، وكلما استطعت أن أفعل ذلك أكثر، كلما شعرت بالراحة والحرية أكثر. أما التعريفات الأخرى للحرية من قبيل أن نكون أحرارًا منطلقين كالطير في جو السماء، فحتى الطير نفسه يتعجب من هذا الوصف، فهو بذاته يدرك أنه ليس حرًا طليقًا مطلقًا، فثمة قيود تضبط حريته، فمهما ارتفع هناك حد لتحليقه لا يستطيع أن يبلغه، ومهما تعب من التحليق لا يسعه أن ينزل فيمشي على الأرض بحرية، الكون كله له قواعد وضوابط.
التعليقات