لماذا نجد أن الشاب مستعد للعمل كنادل أو في وظائف مؤقتة أخرى في أوروبا لتأمين استقراره المعيشي المؤقت، بينما يتردد أو يرفض القيام بمثل هذا العمل في بلاده؟ ما هي العوامل التي تدفعه لقبول هذه الوظائف في الخارج رغم رفضه لها في موطنه؟
لماذا الشاب يعمل كنادل بأوروبا لتأمين استقراره المؤقت عادي ويرفض القيام بهذا في بلاده؟
سيقول البعض العائد المادي على ذلك في بلده وفي البلد الذي يسافر إليه، ولكني سأذكر سببًا آخر،
وهو موضوع الكرامة إلى حد ما، في بلدك أنت تعرف الناس والناس يعرفونك، ولكن بالخارج لا أحد يعرفك فتتصرف بحرية أكثر.
إذاً نحن نكذب حين نقول العمل عبادة وأنه لا عيب في العمل وما أشرف العمال وما إلى ذلك من شعارات يبدو أنها لا تنعكس نهائياً على حياتنا، ما المشكلة بأن تراني خالتي أقوم مثلاً بالعمل مثلاً في مطعم؟ أو حتى شريكة حياتي؟ أعتقد أن شعورنا المكنون بداخلنا بأن هذا الموع من الأعمال سيء هو أصلاً ما يساهم بفقرنا في ديارنا وتحسننا في ديار الآخرين.
الجديد أنه إلى الآن لم تخرج لدينا حفنة ليست صغيرة من المثقفين والمفكرين الشجعان الذين يحمّلون الفشل العربي ومسؤوليته على الشبّان وعلى من سبقهم بالدرب أيضاً وأن تقوم هذه الحفنة بنشر كل ما له علاقة بأساليب حمل المسؤولية وكيف نحمل مسؤولية في حياتنا، و ما الذي يجعلنا مضطرين لحملها وعدم توريط أنفسنا بالمعسول من الشعارات الغير منفّذة.
منذ الصغر وأنا لا أفهم هذه الصورة ولكن تقريباً وصلت إلى مبرر لها مؤخراً، ودعني اطرح عليك سؤال، مثلاً لو أنا غسلت اطباق هنا وغسلتها في ايطاليا هل سأحصل على نفس الراتب ؟ هذه أول جزئية، وبنفس الطريقة أنا كعامل مضافة مطبخ هناك هل تقدير الآخرين لي نفس تقديرهم هنا.
لا يعرف الناس العائد من الغربة إلا بما حقق لا بما فعل ليحقق ما حققه، وهذه الصورة أظنها التفسير الأقرب لتسرب أبناء الوطن واحد تلو الآخر إلى الخارج
أنا أعرف أوروبا جيداً، أهلي سافروا لهناك، ذات الموضوع تماماً، ما الفرق بين أنك تأخذ ١٠٠ دولار وتصرفها على أكلك وشربك وبين أن تأخذ مبلغ أكبر في الغربة وتصبفها على أكلك وشربك؟ هل تعتقد أن الأسعار في أوروبا هي ذات الأسعار بالمنطقة العربية؟ أكيد لا، ما يتقاضوه في أشغالهم الجزئية يضعونه أكل وشرب وإيجار وقد ينقصهم أيضاً، نبالغ برسم صور عنهم.
كلامك ينطبق فقط على من لديهم شهادة أو مشروع، أما لمن يبتدأ الآن فذات الشيء تماماً.
خارج بلدك لا احد يعرفك ولا تعرف انت احدًا. الشكل واللهجة و اللغة والمكان وطبيعته وبيئته تكون مختلفة عن بلدك الأم فتخلق احساسًا بالبعد والاختلاف فبالتالي تقبل أن تعمل بمهن برأيك فيها جرح للكرامة لان لا احد يعرفك سيراك تعملها, كما ايضًا ثقافة العمل مختلفة بالخارج عن اوطننا العربية. فتجد أن النادل ومنظف الحمامات لا ينظر إليه بوضاعة أو احتقار مثل ما قد يبدو في اوطاننا.
هذا يعتمد على مدى الثقة بالنفس وتقدير الذات، فأنا مثلاً عملت بذلك ببلدي وبجوار محل سكني لمدة عامين تقريباً ولم أجد مشكلة في ذلك، وكان لي رفيق يتخفى ويخشى أن يراه أحد معارفه يعمل في ذلك، أكتب لك الآن وأنا أعمل بمجال دراستي بينما هو احترف في أوربا ولايزال يعمل في غسل الاطباق
أعتقد أن الشباب يفكرون في أن العمل في مثل هذ الوظائف في أوروبا قد يمنحهم فرصاً للاستقرار طويل الأمد، مثل الإقامة أو فرصة للتطور المهني، وهو ما قد يفتقده في بلده. الشاب قد يرى أن العمل في وظيفة بسيطة هناك يمكن أن تكون خطوة لبناء مستقبل أفضل، بينما يرى العمل نفسه في بلده كوظيفة مؤقتة لا تقوده إلى تقدم مهني. أو بمعنى آخر، الشباب يرى أن العمل كنادل في بلده طريق مسدود سيظل محبوسا فيه طوال حياته، بينما يرى أن عمله كنادل في أوروبا أول خطوة في طريقة للنجاح، رغم أنه ليس بالضرورة أن تكون هذه هي الحال
عن أي فرص تطور مهني نتحدث في إعالة نفسه؟ إذا دخل كنادل ما الذي يريده في التطور المهني؟ أن يكون مشرف في المطعم؟ أي شخص يعمل كنادل هو يقوم بذلك ريثما يستطيع اكمال دراسته أو اكمال خطة مشروعه لا أكثر، يعني هي مرحلة مؤقتة لانطلاقة أخرى، أنا مرة استخدمتها ريثما قبلت بعمل، للأسف الشبّان في عالمنا العربي يرفضون هذا الحل حتى ولو كان مؤقتاً
أحد أصدقائي تخرج حديثا من كلية العلوم، وبعد العديد من المحاولات المضنية للبحث عن عمل في مجاله، لم يجد أي فرصة عمل متاحة، وعندما عرضت عليه أن يعمل في مثل هذه الوظائف كنادل أو ما شابه لكي يغطي مصاريفه وحسب إلى أن يجد وظيفة مناسبة رفض بشكل قاطع، وقال لي أن عمله في تلك الوظيفة قد يحزن والديه، حيث بذلا كل ما يستطيعان من جهد ومال حتى ينهي دراسته في الكلية، ثم ينتهي به الأمر كنادل في مطعم؟
رغم أنني ضد وجهة نظره إلا أنني أظن أنها مبررة إلى حد ما، فخصوصا في مجتمعنا، هذا الأمر يكون بمثابة شيء محرج للغاية
الفرق في الراتب و التطوير الوظيفي
في الدول العربيه والخليجيه الراتب 1000 دولار تقريبا و أيضا من الوظائف الي ماله مستقبل ولا تطور وظيفي مجرد وظيفه مؤقته دايم الي يشتغلون فيها مايستمرون كثير
لماذا برأيك نحتاج تطور وظيفي في عملنا كنادل؟ هذه مرحلة مؤقتة وفي اي دولة مهما تفاوت الاجر فإنه لقائها لا يكفي إلا أكل وشرب ومسكن، إذاً بما أن هذا العمل هو حالة مؤقتة ريثما تنفّذ الخطة الأساسية فلماذا أنا لا أمارسه بيسر نفسي وبدون ارباكات ريثما انتهي من دراستي او اعداد خطة لمشروعي..الخ
الغريب أننا نردد ليل نهار شعارات العمل عبادة والعمل هو أشرف ما يشرّف به الإنسان والعمل كرامة..الخ من الشعارات التي نرددها ويبدو أننا لا نصدّقها بأعماقنا نهائياً ولدينا موقف سلبي من العمل وخاصة أعمال سد الحاجة.
التعليقات