القدرة على التعبير عن الأفكار بوضوح لهي من أهم سمات الشخصية الناجحة، لكن في رأيكم هل الحضارة حقًا بدأت مع فصاحة اللسان؟، ولماذا؟
بدأت الحضارة عندما قام رجل غاضب لأول مرة بإلقاء كلمة بدلًا من حجر. ما رأيكم في هذه المقولة؟
عندما يتم سؤالي في العموم عن أعظم اختراع للبشرية يكون ردي دائما هو الكتابة! لأنه بدون الكلمة سواء مكتوبة أو منطوقة لن يكون هنالك حضارة، فأتذكر هنا قول عبد الرحمن الشرقاوي أتعرف ما معنى الكلمة:
الكلمة نور ..
وبعض الكلمات قبور
وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري
الكلمة فرقان بين نبي وبغي
بالكلمة تنكشف الغمة
الكلمة نور
ودليل تتبعه الأمة .
بالفعل ما كان للبشر أن يعرفوا شيئًا من غير الكلمة والكتابة.
يمكن المبالغة والقول أن الكتابة كانت حاجة إنسانية أكثر من كونها مجرد توثيق لأحداث معينة أو فترات زمنية معينة.
فرجل الكهف الذي ترك رسوماته على الجدران لم يكن غرضه فحسب التوثيق، إنما حسب رؤيتي، كانت صيحة تقول أنه هنا عاش إنسان مهم له قصة تستحق أن تُروى وتُسمع.
فربما الكتابة في مضمونها رغبة بشرية بأن نُرى.
رجل الكهف الذي ترك رسوماته على الجدران لم يكن غرضه فحسب التوثيق
دائمًا ما يثير انتباهي تلك الرسومات التي مرّ عليه آلاف السنوات، ربما تكون ببساطة "كهف الأيدي" (كويفا دي لاس مانوس)، مجرد مجموعة من الأيدي التي لا تعطينا أي معلومة عن تلك الحضارة، ولكنها توثيق لوجود أفراد وقصص تريد أن تظل محفورة لقرون لاحقة، السياق هو نفسه مع الكتابة أو الكلمة، لأن الكلمة هي الوسيلة للتواصل مع الآخرين، بناء علاقات أو تحالفات، وضع قوانين للمعيشة، وسيلة للتعبير عن مكنونات البشر، وسيلة لنشر الأفكار وعليها تبنى المبادئ والمعتقات وغيرها، كل ذلك ينتج عنه تاريخ كامل من حضارات وثقافات لم تكن لتوجد دون وجود "الكلمة".
أرى أن الحضارة بدأت بالأفعال وإحداث التأثير وتشكلت ملامحها وتلونت بفعل اللغة والثقافة، فالحديث والخطاب وحده ليس كافي، وانظر لنا اليوم ستجد وضع أمتنا به خطابات تحرك الجماد وتبعث الأموات ولكن لا نتحرك أو نحدث تأثير، الخطاب والكلمة بدون فعل وتأثير لا قيمة لهم.
الخطاب والكلمة بدون فعل وتأثير لا قيمة لهم.
لكني أريد أن أضيف أن الفعل بدون فكر لا قيمة له أيضًا، وما فهمته من الجملة أن الرجل الغاضب بدلًا من أن ينتقم أو يواجه بالقوة الجسدية نهض وتحدث، فاستوحيت أنه تحدث بفكرة جاءته، وهذا فهمي لمقصد الجملة.
بالطبع بدأ التطور الحضاري مع بداية الفصاحة والتبادل اللغوي والثقافي الكبير، وبشكل عام اللغة وتبادل الأفكار هما انعكاس لحضارة كل مجتمع ومن الأسباب الرئيسية التي تجعل الحضارات تتطور وتنتقل من مجتمع لآخر، كما أنهما من أهم وسائل الاستكشاف في مختلف المجالات.
هل في رأيكِ الحضارات المتطورة أكثر هي إذًا ذات الثقافة واللغة الأكثر قدرة على التعبير؟
فعلى سبيل المثال، فرنسا كانت هي الأكثر تأثيرًا في أوروبا من حيث الفنون، وبالنظر إلى أشهر كُتابها؛ فكان المفكرين والفلاسفة الحالمين والأخلاقيين في المقدمة. أما انجلترا فكانت الرائدة في الثورة الصناعية والهيمنة التجارية، لأن أشهر مفكريها كانوا تجريبين يتعاملون بواقعية أكثر.
لا أرى اختلاف عن رأي بسمة هنا يا عمر، فحضارة فرنسا مرتبطة بلغتها الحالمة وتوثيق ذلك في فنونهم، والفنون تحركها الأفكار والمشاعر المبنية على الكلمات أيضًا، الأمر نفسه مع انجلترا "كتابات" مفكريها شكلت عقول الناس في هذا الوقت، وجعلت أفكارهم تميل إلى العيش في الواقع وتحسينه. فنعم، الكلمة هي وسيلة التعبير عن الأفكار، والأفكار هي التي تُشكل المجتمعات والحضارات، فهل ما تقصده يختلف عن ذلك؟
هو محور تفكير جانبي يا @ErinyNabil خطر لي حين قرأت تعليقها.
هذا يتوقف على تعريفنا لمعنى الحضارة... فلو قصدنا أن الحضارة هي مابقي من تاريخ أمة ما فهنا ستكون الحضارة ليست فقط في سرد التاريخ وكتابة الفكر الثقافي فهناك بعض الحضارات المفقودة أو المكتشفة جزئياً مثل المايا وجزر ايستر وغيرها من البقايا التي لم يجدوا لها آثار مكتوبة يمكن قراءتها هي فقط مجرد آثار لأمة عاشت هنا ومن خلالها عرفت عاداتهم وشكل حياتهم, ولكن الأولى هو معرفة الحضارة بالعلم والكتابة الذي تركوه مثل الحضارة الفرعونية والرومانية والسومرية وغيرها من الأمم الذي عرفت العلم والكتابة
التعليقات