لفت انتباهي بيت الشعر التالي:
هل تؤمنون ببيت الشعر القائل: وكنت إذا ما غلى شيء على تركته...... .فيكون أرخص ما يكون إذا غلا؟
لذا ما هي الأشياء التي يمكن ان يتخلى عنها المرء. أو هل تؤمنون أصلاً ببيت الشعر؟ أم هل نثابر للحصول على هذا الشيئ الذي غلا علينا؟ وإلى إي مدى يمكننا التخلي عن الأشياء التي تعز علينا؟
يمكن للمرء أن يتخلى عن أي شيء سوى محدداته ومبادئه، وأنا أؤمن بتلك المقولة:
إذا تعالى عليك شيءٌ فأهنه بالتخلي
بعض الأمور وإن غلت وتعالت وربما عز في القلب منزلها لا بد أن نقنع أنفسنا أن دواءها الهجر والترك،
فتكون بذلك قد حَفِظتَ عليك نفسَك وشعرتَ بالكرامة في زمن قلت فيها الكرامة.
نعم، أتفق معك وذلك يكون كثيراً في العلاقات الإنسانية التي لا تواتينا أو ترهقنا بمطالبها الكثيرة.
لا أتفق مع البيت، فأعتقد أن الأشياء التي تغلى علينا هي الأشياء التي تستحق المحافظة عليها والكفاح من أجلها. فالحب والصداقة والعلم والفن وغيرها من الأشياء الجميلة في الحياة لا تقاس بالمال أو السهولة، بل بالمعنى والقيمة. لذلك، لا أتخلى عن هذه الأشياء إلا إذا كانت مستحيلة أو مضرة أو ظالمة. وإذا كانت كذلك، فأحاول أن أتخلص منها بطريقة حكيمة ورشيدة، ولا أحتقرها أو أنكرها. فالتخلي عن الأشياء التي تعز علينا يجب أن يكون بقدر ما نستطيع، ولا يجب أن يؤثر على احترامنا لأنفسنا ولغيرنا.
لا يقصد بالغلو هنا انه حبيب إلينا بل يقصد بانه عزً وصعب علينا أن نناله رغم ما نبذله من أجله. ولذلك أرى أن الترك أنفع كثيراً وذلك حتى في سلع الحياة المادية. فقد قال الناس لعمر ابن الخطاب ( على ما أذكر) : غلت الأشياء....فقال : أرخصوها بأن لا تشتروها.....هذه حقيقة فلو غلت علينا سلعة وتوقفنا عن شرائها لانخفض سعرها بقوة.
فالتخلي عن الأشياء التي تعز علينا يجب أن يكون بقدر ما نستطيع، ولا يجب أن يؤثر على احترامنا لأنفسنا ولغيرنا.
وإذا كان هذا رأيك يا أحمد فما رأيك برأي الشاعر بعلاقته بمحبوته إذ يقول:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي..... متأخراً عنه ولا متقدم
وأهنتني فأهنت نفسي جاهدًا.... ما من يهون عليك ممن يكرم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم.....غذ كان حظي منك حظي منهم؟!
هل تتفق معه أم هو معذور أم كان أولى به أن يصون كرامته؟ هل يكون الحب بحيث يهين المحب نفسه ليرضي حبيبه؟!
كلّما زاد نضج الإنسان كلّما تزامن هذا الأمر مع قدرة أكبر على التخلّي عن الأشياء وهو حقيقةً فن على كل واحد فينا أن يتقنه. فصعوبة التخلّي عن الأشياء تؤثر سلبًا علينا بحيث أنّه تتسبب بالخوف من الخسارة وهو ما يجعلنا نعيش الحياة بدون الاستمتاع بها. في السابق كان من الصعب عندي أن أتخلّى عن أصدقائي ولم أكن أتخيّل الأمر أصلًا ولكن بعد خسارة أوّل صديق تعوّدت أن مع كل خسارة نكسب الكثير من الأشياء ضمنًا القوّة والبأس للتخلّي عن الأشياء. ففي اللائحة لم يعد عندي مخاوف لا أستطيع التحكم والسيطرة عليها إذ أنّ المخاوف تُعتبر جزءًا منّا وهو ما يعني أنّه علينا أن نتقبلها ونعمل على الحد من أثرها. أنا أجد أنّ أكثر النّاس قوّة هم الذين تخلّوا عن الارتباط العاطفي الهوسي بالأشياء فأصبح علاقتهم بالأشياء علاقة صحيّة وسليمة.
لذا ما هي الأشياء التي يمكن ان يتخلى عنها المرء. أو هل تؤمنون أصلاً ببيت الشعر؟ أم هل نثابر للحصول على هذا الشيئ الذي غلا علينا؟ وإلى إي مدى يمكننا التخلي عن الأشياء التي تعز علينا؟
كم هو صادق وعميق هذا البيت ، ليس فقط في اختيارنا للاشياء ، بل حتى الاشخاص والأحلام والمواقف، منما يغلو عليك ويجعل قيمته اكبر منك عليك ان تتركه محبة او اكراها حفاضا لنفسك .
فأما الاشياء فيمتها ليست في ثمنها، فأن كانت تستحق وذات ضرورة غير قابلة للاستبدال، تريثنا فيها حتى يعتدل ثمنها، وان زاد ثمنها دون ضرورة لها او حاجة ملحة فلا شأن لنا بها، ماذا افعل بكول قهوة ب5 اورو مثلا في حين يوجد ماهو ب30 سنت ومقبول الجودة ، ما جاجتي لحذاء ب150 اورو في حين يمكنني ان اجد بديله ب 20 اورو .............الخ
ماذا افعل بكول قهوة ب5 اورو مثلا في حين يوجد ماهو ب30 سنت ومقبول الجودة ، ما جاجتي لحذاء ب150 اورو في حين يمكنني ان اجد بديله ب 20 اورو .............الخ
نعم، هذا صحيح فالقهوة الغالية قد نستغني عنها وكذلك الحذاء من النوع الذي نحبه قد نهجره إلى أقل منه سعراً. غير أنه هناك أشياء قد غلت علينا وقد لا نستطيع أن نتركها؟
من أسبوعين كنت أحتاج إلى نوع معين من العلاج. لم يكن موجوداً. جعلت أخي يأتيني به من مخزن الشركة التي يعمل بها. لقد كان شحيحاً غير موجود بالصيدليات. غير اني أُخذت عندما رأيت ثمنه! لقد ارتفع للضعف تقريباً!!! هنا تذكرت البيت وحكمته وقلت: عذراً أيها الشاعر. ليس كل ما يغلى علينا يمكننا تركه. علينا أن نرضخ ونلهث خلفه! ساعتها تذكرت غيري ممن يحتاجونه ممن فعلاً قد لا يملكون ثمنه أو يعز عليهم ثمنه وقلت في نفسي: لو مر الشاعر بتجربتي هنا لغير رأيه أو غير بيت شعره.
التعليقات