لفت انتباهي مؤخرًا كميات المشاهدات التي بدأت كالسيل الجارف على مسلسل سفاح الجيزة والمستوحاة من قصة حقيقية لرجل قتل زوجته وصديقه وفتاتين أخريتين، وبالرغم من الاحداث والتفاصيل المرعبة بالمسلسل إلا أنه العالم العربي أقبل على مشاهدة مثل هذه النوعية من المسلسلات، لكن السؤال المهم، لماذا ينجذب المشاهد للاحداث المرعبة والقتلة المتسلسلين؟
لماذا يميل المشاهد لقصص القتلة المتسلسلين؟
يتجاوز الدافع وراء مشاهدتنا هذه القصص إحساسنا بالفضول، فثمة متعة تدفعنا إلى متابعة هذا النوع من المسلسلات حتى نهايته. إذ رغم كون القاتل المتسلسل متطرفٌ بوحشيته وغير سويّ، يستمر المُشاهد بالمتابعة رغبةً منه بتفسير لغز ارتكاب القاتل جرائمه الفظيعة تجاه ضحاياه.
ومتى ما تمكن من حل لغز الشخصية الغامضة وفهم دوافعها الحقيقية يستشعر المشاهد التأثير المُبهج لارتفاع الأدرينالين. يسمّي البعض هذا النوع من المتعة بـ«المتعة الآثمة» (Guilty Pleasure) التي تمنعنا من التوقف عن المشاهدة مهما بلغت بشاعة ما نراه.
هل المتعة الاثمة هي العامل الوحيد في الانجذاب لهذه المسلسلات أو الافلام؟ ما رأيك فيمن يعزو هذا الامر إلا مثل هذه الاحداث يستطيع من خلالها المشاهد مواجهة مخاوفه، ما رأيك؟
لا ارى الأمر على أنه التشويق لحل لغز الجريمة، فقصة مسلسل سفاح الجيزة ليس فيها أي ألغاز، فهي قصة حقيقية كل أهل مصر يعرفونها من بدايتها لنهايتها.
وأيضًا عزو الأمر إلى رغبة المشاهد في التمكن من مواجهة مخاوفه لا يبدو أمرًا منطقيًا هو الآخر، فهي دعوى تفتقر للدليل.
لكن ما آراه وأعتقده هو أن إقبال العالم على الفخر بالمجرمين مرده هو القهر الرأسمالي والقهر الديكتاتوري، ففي هوليوود يشاهدون هذه النوعية لأنهم يعيشون حياة رتيبة تحت ظل قهر الرأسمالية وترتفع عندهم معدلات الانتحار، فيشاهدون هذه الأفلام ليشعروا ببعض الانتقام من هذا النظام.
ونفس الأمر في الدول الديكتاتورية، محرد تنفيس عن الغضب الذي لا يستطيعون تنفيسه في وجه الديكتاتور.
والدليل على كلامي هو مقدمة ابن خلدون التي تكلم فيها عن كيف أن الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها.
لأنها مثيرة وغير متوقعة وتجعلنا ننفصل بعيدًا عن أحداث حياتنا التقليدية والمملة والتي يتكرر فيها كل شيء بنفس الوتيرة يوميًا، وما يميز سفاح الجيزة أنه سفاح محلى قد يكون قريبك أو جارك لذا فقصته تمتلك نفس الجاذبية التي تمتلكها قصص الجن والعفاريت التي تجعلنا نخاف أكثر من قصص مصاصي الدماء او غيرها لانها ثيمات غريبة نشعر أنها لا يمكن أن تكون موجودة.
ربما يعود ذلك إلى الفضول البشري العام في معرفة الأشياء التي تخيفهم، والتي يعتبرونها غير مألوفة ومخيفة. خصوصا عندما نجدها تتناول قصص القتلة المتسلسلين وجوانب مظلمة ومرعبة لتصرفات الإنسان، مما يثير اهتمام المشاهدين وجعلهم يرغبون في معرفة المزيد عن هذه الظاهرة الغامضة.
حتى أن تصوير القاتل المتسلسل عادة ما يكون مثيرًا للاهتمام، فيتم تصويره على أنه شخص ذكي ومحنك ويتحدى السلطة، مما يجعل المشاهد متحمسًا لمعرفة ما سيحدث بعد ذلك. وقد يتضمن التساؤل الذي نبحث عنه دائمًا: من هو القاتل؟ ولماذا يفعل ما يفعل؟ وهل سيتم القبض عليه في النهاية؟ وهذه الأسئلة تجعل قصص القتلة المتسلسلين مثيرة للاهتمام والتشويق لدى المشاهد. خصوصا أن هذا النوع من القصص جانبًا مظلمًا في الإنسانية يثير الاهتمام والتساؤلات، مما يجعلها تختلف عن القصص الجريئة الأخرى.
حتى أن تصوير القاتل المتسلسل عادة ما يكون مثيرًا للاهتمام، فيتم تصويره على أنه شخص ذكي ومحنك ويتحدى السلطة،
هل يعني أن المنتج والمخرج يُجمل صورة القاتل للمشاهد؟
أظن أن بعض الناس يشعرون بالفضول والإثارة عند مشاهدة مثل هذه القصص، لأنها تعرضهم لعالم غريب ومختلف عن حياتهم الطبيعية. ربما يحاولون فهم دوافع وشخصية القاتل المتسلسل، أو يتعاطفون مع ضحاياه، أو يستمتعون بالتشويق والغموض والحلول المفاجئة. كما أن مشاهدة هذه الأحداث من خلال الشاشة تمنحهم شعورا بالأمان والسيطرة، لأنهم يعلمون أنها ليست حقيقية أو تؤثر عليهم مباشرة.
ووفقًا لبعض الدراسات، فإن مشاهدة الأحداث المرعبة والقتلة المتسلسلين قد تؤدي إلى إطلاق هرمونات مثل الأدرينالين والدوبامين والسيروتونين في الدماغ، وهذه الهرمونات تسبب شعورًا بالاندفاع والسعادة والارتياح. كما أن هذه البرامج قد تساعد على تخفيف التوتر والقلق، لأنها توفر مصدرًا للتفريغ والابتعاد عن المشكلات الحقيقية، بالإضافة إلى ذلك، قد تزيد هذه البرامج من ثقة المشاهدين بأنفسهم وقدرتهم على التغلب على المخاوف والصعاب.
لأنهم مقهورين يا صديقي. - لماذا أحب العالم شخصية البروفيسور؟ - لماذا أحب الغالم شخصية الجوكر؟ - لماذا أحب العالم شخصية جيفري دامر؟ - بل لماذا تعاطف المصريون مع قاتل نيرة أشرف؟ لماذا سئم العالم من باتمان وسوبرمان وكل أولئك الذين ينصرون الخير والعدالة؟ لأن الناس صارت ترى كل هذا هراء فارغ، فهي تستيقظ من نومها على قهر العالم لها، ولذلك حينما يأتيهم من ينتقم لهم من هذا العالم فهم ينظرون له على أنه بطل. والدليل على كلامي هو كلام ابن خلدون في مقدمته الشهيرة إذ أسس بشكل علمي إلى أن الأمم المقهورة تسوء أخلاقها. أهلًا بك في عالم الرأسمالية، أهلًا بكل في النظام العالمي الجديد، مجدًا لمن ينتقم لنا منه.
لماذا ينجذب المشاهد للاحداث المرعبة والقتلة المتسلسلين؟
الطبيعة البشرية دائما تبحث عن الإجابات بدافع الفضول، ومن يقوم بإنتاج تلك النوعية من المسلسلات يعي هذا تمام فيكتب قصة مشوقة ومثيرة يها الكثير من الألغاز والأحاجي ويا حبذا لو كان منها ألغاز نفسية، كإخفاء دافع القاتل لفعل هذه الجريمة وإيضحاها لنا بالتدريج لنتفاعل ونتماهى مع الشخصيات. ومن ثم الارتباط بهم ومؤخرا عملت شركات الانتاج على إضافة بعد نفسي أساسي عاطفي للقاتل لكي يجعل المشاهد يتعاطف معه في بعض الأحيان. كما حدث في فيلم الجوكر لعام ٢٠١٩ فقد جعلنا الفيلم في حالة تعاطف تام مع شخصية شريرة تماما.
وبالرغم من الاحداث والتفاصيل المرعبة بالمسلسل إلا أنه العالم العربي أقبل على مشاهدة مثل هذه النوعية من المسلسلات
في عالمنا العربي مؤخرا، أصبحنا نشاهد في البرامج التلفزيونية الكثير من العنف والقتل وكذا على وسائل التواصل الاجتماعي وبالتبعية هذا جعلنا لا ننفر منها بالشكل الذي تعودنا عليه سابقا، فأصبحت رؤية الدماء والعنف شيء روتينيا، وهذا يؤثر على مستقبلات الحس لدينا مع الوقت حتى صرنا نشاهد ما هو أبشع بهدف الاستمتاع
التعليقات