أعداد مهولة من المتابعات. أرقام لا تُصدَّق من ردود الأفعال. كم مدهش من التفاعل على هذه النوعيّة من المحتوى.
في رأيكم، لماذا يحصل محتوى المؤثّرين المتعلّق بحياتهم الشخصيّة بهذا التفاعل والإقبال؟
اسمح لي يا علي أن أتحدث من منطلق تجربة شخصية حتى أخبرك لماذا يجذبني مثل هذا المحتوى. رغم أن ما يُعرض قد لا يكون حقيقياً (100%)، بل ربما يكون مخادعاً أحياناً بنسب متفاوتة، إلا أنني حين أشعر أن ما يخبرني به المؤثر حول حياته الشخصية حقيقي إلى حد معقول، أحس بنوع من الانجذاب تجاه هذه الصراحة الشديد من طرف بعض من أتابعهم، مقارنة بمن ألتقيهم على أرض الواقع وحتى من أتبادل معهم الآراء عبر كثير من المنصات الافتراضية.
أتابع عدة شخصيات لأنني لست بحاجة إلى طرح سؤال أرجو من خلاله إشباع فضولي تجاه بعض الأمور، لأجد إجابات خجولة لا يريد أصحابها أن يفصحوا عن التفاصيل رغم أن السؤال بسيط جداً. بينما يمكنني ببساطة مشاهدة مؤثر يحكي بكل أريحية ولكل العالم كم ساعة ينام، وكم ساعة يقرأ (أو لا يقرأ)، ومتى ينام، وكم ساعة ينام، وماذا يأكل وكيف يتدرب، وكيف يبدأ يومه بالتفصيل الممل، وماذا يفعل قبل النوم لتحسين جودة نومه والنهوض بنشاط اليوم التالي، وغير ذلك الكثير. علماً أن حس الفضول عندي ليس من باب التطفل كالبعض، بل من باب حب التعلم وتطوير الذات وتحسين العادات.
كل هذه الموضوعات وغيرها تثير اهتمامي كثيراً، ولا أجد من يستجيب لهذا النداء أكثر من بعض المؤثرين الذين يخبرونك بكل شيء دون أن تسأل، بينما يمتنع من تطرح عليهم أسئلتك عن الإجابة، أو يقدمون إجابات لا ترقي لمستوى التوقعات.
وهذا ربما أكثر شيء يشدني لمتابعة البعض، مثل: محمود الدرة (لاعب كمال أجسام يسكن في كندا)، الصريح جداً تجاه مختلف تفاصيل حياته، وغيره من المؤثرين العرب والأجانب. إضافة إلى متعة الخروج قليلاً عن المألوف، وعن الضخ المعرفي اليومي، بمشاهدة شيء خفيف وطريف بينما تتناول إحدى وجباتك اليومية المعتادة مثلاً. والحياة الشخصية لشخص ما من أبسط أشكال المحتوى التي تلبي الفضول، والرغبة بالانفلات قليلاً من دائرة التركيز والتأمل والتعمّق الفكري... إلخ.
لكن ألا ترى أن قواعد البيانات على سبيل المثال أقدر على تمثيل مثل هذه الأمور بشكل أكثر دقة وأكثر مصداقية يا نبراس؟ من المرجح جدًا أن صناع المحتوى في هذه الحالة يكذبون، وأنهم يعملون على تصفية مختلف أنشطتهم اليومية قبل أن يعرضوها. لا أتحدث هنا عن نقاش الروتين اليومي الخاص بشيء تقني مثل التدرب الرياضي أو الحمية الغذائية، لكنني أتحدث مثلا عن أفكار عامة كالقراءة والعلاقات الشخصية وخلافه.
يهمني أن أعرف يا علي كم ساعة ينام أو يتدرب دوين جونسون مثلاً، أكثر من إحصائيات قواعد البيانات. بمعنى أنه يهمني معرفة روتين حياة شخص محدد يعجبني، رغم المخاطرة بعدم الحصول على معلومات صادقة دوماً، أكثر من الاطلاع على قواعد البيانات. وفوق ذلك، فإن متعة مشاهدة بعض المؤثرين للأسباب التي ذكرتها في تعقيبي السابق، تدفعني لمتابعتهم.
أظن السبب يرجع إلى اتساع القاعدة الجماهيرية والواقعية وهوس الفضول !
أغلب قنوات اليوتيوب التي تقدم نوعية معينة من المحتوى كالتقنية على سبيل المثال يظهر منها جانبًا واحدًا لدى المشاهد وهو جزء المعلومة فقط ، ولهذا فإن الفئة التي ستشاهد هي في الأغلب الفئة المتعلقة بهذه التقنية فقط ، لكن مشاركة جوانب الحياة الشخصية يُمكن لأي شخص أن يشاهدها ويستفيد منها أو ينقدها ، الفئة المستهدفة هنا أكبر .
مثلًا لو قارننا مجالات التعليم بمجال مراجعة المطاعم فستجد مثلًا أي شخص يُمكن أن يشاهد فيديوهات المراجعة في أي وقت وفي أي مكان ، لكن الفيديوهات التعليمية مثلًا تحتاج إلى ظروف معينة وأوقات معينة .
أيضًا ،
هنالك فضول غريب لدى كثير من الأشخاص لمعرفة كيف يعيش غيرهم ؟ كيف يقضون أوقاتهم ؟ وهكذا .
عن نفسي، أعتقد أن مشاهدة محتوى الحياة الشخصية للمؤثرين هو نوع من المسكنات التي يتناولها البعض للهروب من وافع حياتهم التي لا تلاقي آمالهم وتطلعاتهم في أحد الأيام. فبدلا من العمل على تطوير الذات والوصول لمستوى الحياة التي يتطلع إليها ذلك الشخص، يمضي الساعات منغمسا في حياة أحد المؤثرين مستمتعا بحياته المليئة بالإثارة والسفر والمواقف المضحكة وغيره، لكن سرعان ما يبتعد عن الشاشة ويلقي بناظره على حياته الواقعية، تختفي كل تلك السعادة الغامرة وتستبدل بحزن ومرارة على حاله.
ومن الجدير بالذكر أيضا أن المؤثرين الحاصلين على التفاعل والمشاهدات المهوولة غالبا ما يتقنون صنع رابطة وتواصل نفسي مع المشاهدين على نحو رائع، وذلك عن طريق إشراكهم في جميع تفاصيل حياتهم ليتغلغل بداخلهم الشعور بأنه بالفعل جزء من حياة المؤثر وليس مجرد مشاهد عابر.
هذا منحى آخر حقيقي ومؤسف للغاية يا كريم. نجده على سبيل المثال لدى معظم الجمهور المتابع لمختلف أشكال صناع المحتوى من عشاق السفر والفلوجرز، حيث أن الأمر يأخذ منحًى مختلفًا تمامًا عن ذلك الذي يجب أن يكون عليه، ويسبّب لهذه الفئة الكثير من المشكلات النفسية النابعة من أزمة المكان والقدرة الاقتصادية والشهرة وتحقيق الذات وخلافه، بالإضافة إلى الأزمات التي يمرّون بها بسبب انفصالهم عن الواقع بشكل لا عودة فيه أحيانًا.
سبب اظهار الحياة الشخصية ... هي خوارزميات مواقع التواصل التي تجبر صانع المحتوى على بث فيديوهات يومية ...
في حين ان صانع المحتوى المحترف سيحتاج الى ايام لبث تقرير سفره او وصفة طعام مميزة ...
وهنا يحدث فراغ ... فيقوم صانع المحتوى ببث فيديوهات عشوائية عن اي قصة حياتية او نشاط يومي ( نسبة كبيرة منها كذب واصطناع )...
الفئة الكثير من المشكلات النفسية
منذ بضعة سنوات تابعت زوجتى مؤثرة مقيمة باوربا تتحدث عن تربية الاطفال ( طرق حديثة استنسختها المؤثرة من مصادر اجنبية - وايضا نشاطات ومتاحف للاطفال ).
بضعة اشهر ثم بدأت المؤثرة ببث حياتها الشخصية ...
مثلا تجدها تنشر سلسلة من الفيديوهات كيف عزمها زوجها للسهر بأفخم المطاعم واقامة بفندق وتترك اطفالها بالبيت مع مربية توظفها لعدة ايام...
لم تسبب هذه القصص مشاكل بعائلتي ولكنها كانت تبث روح العجز لصعوبة تأمين الاطفال بالغربة ... بالكاد للحالات الطارئة كالذهاب للمشفى ...
وكما توقعت كانت يوميات المؤثرة كذبة كبيرة ... وخلال اسابيع انفصلت عن زوجها ( بدون اسماء ولكن القصة حصلت بلندن وليس امريكا )
في رأيكم، لماذا يحصل محتوى المؤثّرين المتعلّق بحياتهم الشخصيّة بهذا التفاعل والإقبال؟
برأي يعود لعدة اسباب منها:
وشخصيا، اعتبر المحتوى الشخصي الذي ينشره المؤثرون مصدرًا مهمًا للتواصل والتفاعل مع الجمهور، ويعمل على تحفيزهم والإلهام والترفيه عنهم في نفس الوقت. ولهذا السبب، فإن هذا النوع من المحتوى يحظى بشعبية كبيرة وإقبال واسع.
لأن الجمهور يشعر بالقرب من المؤثرين ويعتبرهم أصدقاءهم الافتراضيين
تمثّل هذه النقطة أيضًا شيئًا محيّرًا للغاية بالنسبة إليّ، حيث أنني أجد شرائح من الجماهير لا تقتنع بأبسط الحدود. لا ترى أن صانع المحتوى هو شخص آخر، وإنما تتعامل معه بشيء من المثالية، بالإضافة إلى أنها تصر على جعله شخصا قريبا منها دون أن تعي بأسباب ذلك أو دوافعه، حتى عندما يمر بأزمة مثلًا، كظروف العزاء على سبيل المثال أو المناسبات الاجتماعية. قد نجد متابعيه يتدافعون ويفسدون أجواء الحدث الشخصي المقتصر على معارفه في بعض المواقف. دون حتّى أن يراجعوا أنفسهم في أنهم ليسوا على صلة به من الأساس، معتبرين أنفسهم جزءًا من حياته بشكل لا جدال فيه.
قد نجد متابعيه يتدافعون ويفسدون أجواء الحدث الشخصي المقتصر على معارفه في بعض المواقف.
أمر محير بحق يا علي، ويدعو إلى طرح العديد من التساؤلات، العجيب في الأمر هناك بعض المؤثرين من يتلقون السب والشتم من طرف العديد من المتابعين في الواقع، ولكن افتراضيا تجدهم يتابعونهم بحق، وأيضا بعض المؤثرين لا يملكون أي محتوى هادف سوى يشاركون قصص حياتهم لكن نسب المشاهدة عالية جدا، حتى يصل بهم إلى تنشيظ حصص وبرامج على التلفزيون بصفتهم اخصائيين، وقد لاحظت ذلك بالفعل في قنواتنا الجزائرية، لا اعلم ان كان الأمر نفسه موجود عندكم في مصر؟
لا اعلم ان كان الأمر نفسه موجود عندكم في مصر؟
الأمر نفسه يا عفيفة في العالم لأكمله للأسف. لكن في المقابل، في مجتمعنا المصري على سبيل المثال، لم يعد هنالك منفذًا لمن يحقّق شيئًا على أرض الواقع بسهولة، فالفرص دائمًا أسهر للخروج إلى الواجهة الاجتماعية لدى من يمتلكون تفاعلًا وإحصائيات أكبر على السوشيال ميديا. وعليه، فالأمر أصبح أكثر فوضوية، ومن السهل للغاية الوصول إلى الشهرة والفضائيات من خلال هذا الطريق.
في رأيكم، لماذا يحصل محتوى المؤثّرين المتعلّق بحياتهم الشخصيّة بهذا التفاعل والإقبال؟
أول عامل أراه، هو عامل الفضول البشري فالناس يحبون معرفة ما يحدث في حياة الآخرين، خاصة إذا كانوا مشهورين أو ناجحين أو مثيرين للجدل أو صانعين للتفاهة، هذا يمنحهم فرصة للتعرف على تفاصيل شخصية أو خفية أو مثيرة عن حياتهم.
التسلية والترويح: محتوى المؤثرين المتعلق بحياتهم الشخصية قد يوفر لهم ذلك. فهو يقدم لهم قصصا وأحداثا وصورا وفيديوهات تشغل انتباههم وتسلِّيهم، ولكن، هذا النوع من المحتوى قد يكون ضارا أو مضللا، لذلك يجب على المستخدم أن يكون حذرا ونقديّ التفكير عند مشاهدته أو التفاعل معه، شخصيا أعتبر هذا النوع من التأثير والمؤثرين مجرد مضيعة للوقت، صحيح الكثيرون منهم يججني أموالا من الهراء الذي يقدمونه للناس، لكن ما يجنونه هو بسبب متابعيهم فهم فضلوا الإهتمام بسفاسه الأمور على أمور أخرى تنفعهم وتنفع الأمة.
لكنّني لا أرى أن التسلية تقتصر على مثل هذه النوعيّات من المحتوى، وذلك لأن تلقّي المحتوى الذي لا يطوّرنا يدفعنا بالتدريج إلى التأخّر والتشبّث بمثل هذه النوعيّات من المنتجات الرقميّة، ممّا لا يغذّي وعينا بالقدر الكافي، فهنالك طرق أفضل بكثير لقضاء الوقت، حتى وإن كان بدافع التسلية بشكل محض.
لكنّني لا أرى أن التسلية تقتصر على مثل هذه النوعيّات من المحتوى، وذلك لأن تلقّي المحتوى الذي لا يطوّرنا يدفعنا بالتدريج إلى التأخّر والتشبّث بمثل هذه النوعيّات من المنتجات الرقميّة، ممّا لا يغذّي وعينا بالقدر الكافي، فهنالك طرق أفضل بكثير لقضاء الوقت، حتى وإن كان بدافع التسلية بشكل محض.
صحيح أتفق معك، لكن هذا هو الواقع، على الأقل في عالمنا العربي، التسلية وتمضية الوقت والفضول هو ما يحرك تلك الحشود الإفتراضية لمتابعة قصص شخص ما يدعي نفسه أنه مؤثر.
بعيدا عن الفضول ومدى الإثارة التي يحملها، أرى أن العامل الأساسي هو عامل السهولة، سهولة استهلاك هذا النوع من المحتوى. لا يوجد ما هو أسهل من استهلاك محتوى يعرض حياة شخص آخر.
الأمر الآخر هو أم هذا المحتوى قد يستهلكه البعض كمعيار لجودة حياته. هل يقوم الآخرون بما أقوم به؟ هل يفعل الناس مثلي أم لهم طرق أخرى في تنفيذ الأمور؟ هذا بالطبع يتم بشكل لا واعي تمامًا.
بغض النظر إن كان هذا الأمر سخيف أو سيء أو ربما جيّد ومُلهِم، بغض النظر عن تقييم من يفعل ذلك ولكن برأيي الأمر كلّه معتمد على عوامل عدّة، أو ربما لا يخرج إلّا من هذه الأسباب والعوامل، منها وأوّلها طبعاً أنّ هذا النوع من النشر يوفر شعور بالانتماء للمجتمع، من خلال مشاركة حياتهم الشخصية يخلق المؤثرون إحساس بالمجتمع بين متابعيهم، يشعر الناس أنهم جزء من شيء أكبر من أنفسهم ويمكنهم التواصل مع الآخرين الذين يشاركونهم اهتماماتهم، أي مزاج جميل ومحيط مُتوقّع ويبدو داعم.
ثاني أمر أو سبب وهو الرائج خلال هاتين السنتين جداً مع تنامي ثقافة صناعة المحتوى أنها توفر الترفيه، يمكن أن يكون المؤثرون الذين يقدمون حياتهم الشخصية مادة مسلية للغاية للمشاهدة، أرقام المشاهدات تثبت ذلك، غالباً ما يشاركون القصص المضحكة والتجارب الغريبة معهم ولقطات من وراء الكواليس لحياتهم، يمكن أن تكون هذه طريقة رائعة للهروب من ضغوط الحياة اليومية والحصول على القليل من الضحك أو المرح على أقل تقدير.
محتوى يوفر الإلهام، الإنسان لا يتعلّم إلا من الإنسان، مهما حاولت المؤسسات أن تتفوق على الجهود الفردية لن يستطيعوا، يمكن أن يكون المؤثرون الذين يقدمون حياتهم الشخصية ملهمين للغاية، غالباً ما يشاركون أهدافهم وأحلامهم وتحدياتهم ويظهرون كيف تغلبوا على العقبات لتحقيق أهدافهم، يمكن أن يكون هذا محفز جداً للآخرين ويمكن أن يلهمهم للوصول إلى أهدافهم الخاصة أيضاً.
لما سبق يتعلّق الناس بهذا النوع من المحتوى ولما سبق نرى كل هذا التفاعل برأيي.
التعليقات