تمثّل النصيحة نقطة حرجة للغاية في علاقتنا بالآخرين. فقد تكون سببًا في قربنا العاطفي من الآخر. وقد تكون سببًا أيضًا في نفوره منّا.
حول آراءكم ضوء ذلك، متى تصبح نصيحتنا للآخرين تعدّيًا على خصوصيّتهم؟
ولكن أحياناً نحتاج للنصح ولا نعي ذلك، أحياناً نشعر بالتيه ولكننا نصرّ على أننا سنصل للحل بمفردنا بينما يرى الآخرون خلاف ذلك، أولئك الذين يرون أن لديهم الخبرة والمعرفة لمساعدتنا والأهم أنهم يرغبون بذلك، يودّون نصحنا لأننا نهمهم .. إغلاق الباب في وجوههم في هذه الحالة ألا يعد إجحافاً بحقهم وبحق أنفسنا ؟
وهذا يأخذنا إلى عكس الموقف يا تقوى. لأن الفكرة هنا تتمثّل في كوننا مستقبِل النصيحة، لا مقدِّمها. وعليه، فإن سعة الصدر يجب أن تكون ذات حسّاسات دقيقة. يجب أن ندرك الفرق بين النصيحة أو الإرشاد الحقيقي والنصيحة ذات المغزى الفضوي أو التنظيري أو غيرهما. من هنا، يجب أن نعتمد على المزيد من الأدوات، لا حدسنا فقط، لأن الحدس هنا من الممكن أن يبعدنا عن الطريق الصحيح وعن الإنصات لتجارب الآخرين وخبراتهم.
نحن لا نحب النصيحة بطبيعتنا في كثير من الأحيان، لأننا نشعر وكأن الطرف الآخر يظهر تفوقه علينا، ولكن مجرد التفكير في النصيحة فيما بعد وإعطائها فرصة لتمرّ في أدمغتنا ونحللها، هل فعلاً نحن نحتاجها ؟ هل فعلاً قد تكون حلّاً ؟ هل فعلاً صاحبها أراد أن تكون له يد في انتشالي مما أنا واقع فيه ؟
في نهاية الأمر سنصل إلى جواب مقنع لهذه الأسئلة وسنصل إلى قرار فيما يخص الأخذ بالنصيحة .
لكن شئنا أم أبينا، لدينا أشخاص نحبّهم في حيواتنا يا Ruba. هذه النوعيّة من الشخصيّات، وإن تمثّلت في شخصٍ واحدٍ فقط، قد تذهب بنا إلى ما هو أبعد من هذا. قد تذوب الحدود بيننا. بالنسبة إليّ مثلًا، أعتبر شريكة حياتي هذا الشخص. في حين أنّني أرى أن النصيحة وقاحة من أشخاص آخرين، ربما بسبب الأسلوب، ربما بسبب عدم تقدير المواقف. لا أدري. لذلك أتساءل، ما الذي يجعلنا نتصرّف بهذه الفظاظة ما نصيحة شخص تكون فعلًا مزعجة لنا في حين أننا نقبلها من الآخر؟ ومتى نشعر بأننا فعلًا يجب أن نسدّد هذه النصيحة وندرك أن الآخر سيتقبّلها؟
متى تصبح نصيحتنا للآخرين تعدّيًا على خصوصيّتهم؟
هناك الكثير من الحالات والمواقف التي تصبح فيها النصيحة تعديا على خصوصيات الأخرين، والمشكلة ان معظمها تكون بطريقة غير مقصودة ، او بحسن نية وبغرض الحماية والمآزرة.
على العموم بتوجد بعض السمات العامة التي يصبح فيها النص ندخلا وتعديا نذكر منها :
أضيف إلى ذلك أيضًا:
عندما يتم تقديمها له أمام العامة، هذه فضيحة وليست نصيحة.
لا جدال في ذلك. والشخص الذي يتعمّد القيام بهذا أو يغفله، مهما كان قريبًا إلى قلوبنا، هو شخص لا يؤتمن على النصيحة.
عندما أقصد بها التنظير دون مراعاة لضعف الطرف الآخر أحيانًا.
أكره ما عندي فيما يخص النصيحة هم هذه العيّنة من الأشخاص.
عندما يتم النصح في توقيت غير مناسب (ليست كل الأوقات مناسبة للنصح).
بالضبط. ليس من الرائع أن تنصحني وأنا في منتصف الكارثة وأطلب منكَ المساعدة.
أنا أتفق معك تمامًا في هذه الآراء يا خلود. هناك فعلاً الكثير من الحالات والمواقف التي تصبح فيها النصيحة تعديًا على خصوصيات الآخرين، وغالبًا ما تكون هذه المواقف غير مقصودة وتأتي من مكان الحماية والمساعدة.
ومع ذلك، أود أن أضيف بعض التفاصيل إلى ما ذكرته. من السمات العامة التي يمكننا التعرف عليها لتحديد متى يمكن أن تصبح النصيحة تعديًا على خصوصية الآخرين هي:
1. عندما يتم تقديم النصيحة من موقع تسلط وتحكم، دون مراعاة وجهات نظرهم أو تجربتهم الشخصية. يجب أن نكون مدركين لأن الأشخاص لديهم الحق في اتخاذ قراراتهم الخاصة والوصول إلى حلولهم الخاصة.
2. عندما يتحول النصيحة إلى انتقاد شديد أو تخويف، مما يتسبب في جرح الشخص وتقويض ثقته في ذاته. يجب أن نتذكر أن الهدف من النصيحة هو المساعدة والتوجيه، وليس ترويع الآخرين.
3. عندما نقوم بإسقاط تجاربنا الشخصية وآراءنا السابقة على حياة شخص آخر دون مراعاة اختلاف الظروف والمتغيرات. يجب أن نتعامل مع كل حالة على حدة ونحترم تجربة الشخص الفريدة.
4. عندما نفتقر إلى تقديم الدعم الذي يحتاجه الشخص بدلاً من ذلك نقدم ما يعزز أنانيتنا وقيمتنا الشخصية. يجب أن نكون مدركين لاحتياجات الآخرين وأن نسعى لمساندتهم بطرق تتناسب مع واقعهم ورغباتهم.
5. عندما نحاول إجبار الشخص على قبول نصيحتنا ونستخدم الحب والخوف والأبوة والأمومة والأخوية والزوجية وغيرها كأدوات للإقناع. يجب أن نحترم حق الشخص في اتخاذ قراره الخاص وأن نعطيه المساحة اللازمة لذلك.
6. عندما نقوم بتحديد الحل للشخص دون استفساره أو إبداء رغبته، ونتجاهل تمامًا رأيه ومشاركته في عملية صنع القرار. يجب أن نعترف بأن الشخص الآخر هو الأقدر على معرفة ما يناسبه وما يحتاجه بشكل أفضل.
أعتقد أنه من الضروري أن نمارس الحذر والتفكير المتأني قبل أن نقدم النصيحة للآخرين. يجب أن نكون حساسين لخصوصية الشخص ونضع أنفسنا في مكانهم. التواصل الفعّال والاستماع الجيد هما مفتاح النجاح في تقديم النصائح بطريقة مفيدة وغير تعديّة.
يجب أن نسأل أنفسنا: ما الهدف من النصيحة؟ هل حقاً نحن نريد الأفضل والخير للغير لذلك ننصحهم؟ أم أننا ننصحهم لأننا نشعر أننا أفضل منهم؟
النية تختلف
يفضل أن تكون النصيحة في خلوة مع الشخص المراد نصحه، وليس توبيخه ونصحه أمام الجميع؟
وتصبح النصيحة تعدياً على الآخرين عندما ننصح لأول مرة ولا يستمع الشخص الآخر للنصيحة فنصر على أن يفعل بالنصيحة وكأنه فرض!
النصيحة يجب أن تقال دون إصرار، الشخص الآخر قد سمع النصيحة وفهمها، لو كان يريد تطبيقها لفعل، لماذا نعيد ونكرر؟ لا داعي لذلك.
هذا فيما يتعلّق بمعايير النصيحة بغض النظر عن الشخص الذي يقدّمها يا دينا، وأنا أتفق معكِ فيها. لكن فيما يتعلّق بطبيعة الشخص نفسه، حول دوافعه للنصح، وحول المزيد من الاستفسارات التي طرحتيها عن النصيحة والغرض منها. هل ترين أن الأمر يعتمد فعلًا على إجابة الشخص الذي يسدّد لنا النصيحة؟ أم أننا نطرح هذه الأسئلة على أنفسنا؟ لأننا لا أرى أن الإجابة عليها أمر غير مجدٍ إذا كانت ظروف النصيحة غير متوافرة.
تصبح تعديا أولا عندما تكون بصيغة أقرب إلى الأمر من النصيحة . فبدل القول " أنا أرى أنه من المهم أن يتم إنجاز الأمر بالطريقة كذاـ علينا أن....." يقول الشخص " عليك أن تقوم بذلك" وهو ما يحمل لهجة آمرة. ثانيا فإن تقديم النصيحة يجب أن يرتكز على العطاء أكثر من الأخذ فبدل أن نحاول الاستفسار عن كل شيء بشكل تطفلي يمكن إعطاء النصيحة حول الصورة الكلية المتوفرة من ثم إذا أبدى الطرف الآخر اعتراضه حول رأينا يقوم وحده وبدون أن نطلب بإعطائنا باقي التفاصيل. ثالثا فإن إعطاء النصيحة يجب أن يكون بصيغة إبداء رأي لا سؤال إذ أن ذلك سيبدو تطفلا أيضا.
رائع يا فاطمة. أنتِ تشيرين هنا إلى المزيد من التفاصيل الداخليّة للنصيحة. والتي تمثّل العديد من التقنيّات اللغوية التي يجب علينا أن نراعيها، وذلك حتى نوفّر على أنفسنا وعلى الشخص الكثير من النقاشات.
أحرص عادةً عند تقديم النصيحة لشخص ما أنني فعلًا أعبّر عن رأيي. وأحرص أيضًا على أن أخبره بأنني أنصح بذلك في رأيي الشخصي من خلال تجربتي أنا. لكن فكرة الإجبار على النصيحة بحجّة المساعدة، هذا الحل غير مجدٍ على الإطلاق. والعقليّة السلطويّة للأسف لن تتقبّل ذلك، أيًّا كان الشخص الذي تسدّد له هذه النصيحة.
حول آراءكم ضوء ذلك، متى تصبح نصيحتنا للآخرين تعدّيًا على خصوصيّتهم؟
أعتقد يا علي عندما لا يطلب الشخص النصيحة ويتعمد شخص أخر بنصحه فأنا أعتبر هذا تعدياً واضحاً على خصوصية الطرف الأول، ولكن يوجد بعض الأفراد والذين يبررون ذلك بحاجه الطرف الأول وأنهم شعروا أنه يجب أن ننصحه وأرى أن تلك مشاعر طيبة وقد تكون صادقة بالفعل، ولكن طالما الطرف لم يطلب نصيحتي بشكل مباشر أو غير مباشر فلا أستطيع تقديمهاً.
أتفق معك في الكثير من النقاط التي ذكرتها. بالفعل، عندما لا يُطلب الشخص النصيحة ويقوم شخص آخر بتقديمها بصورة غير مطلوبة، يُمكن اعتبار ذلك تعديًا على خصوصية الشخص الأول. من الضروري أن نحترم حق الأفراد في اتخاذ قراراتهم الخاصة وعدم التدخل في مسائل تتعلق بمعتقداتهم الشخصية.
ومع ذلك، أود أن أذكر أنه يوجد بعض الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يقدمون النصيحة بحسن نية واعتقادهم أنها مهمة وضرورية. فعلاً، قد تكون تلك المشاعر طيبة وصادقة. ولكن عندما لا يطلب الشخص النصيحة بشكل صريح أو غير صريح، يجب علينا أن نحترم رغبته وأن نمنحه المساحة اللازمة لاتخاذ قراره الخاص.
وخصوصًا إذا كانت النصيحة تتعلق بمعتقداتنا الشخصية، يجب أن نكون حذرين جدًا في تقديمها بدون طلب، حتى وإن كانت بنية حميدة. كل شخص لديه حقوقه الشخصية والثقافية، ويجب علينا احترام تلك الحقوق.
في النهاية، من الضروري أن نكون مدركين للحدود الشخصية ونمارس التوازن بين رغبتنا في مساعدة الآخرين واحترام خصوصيتهم.
وخصوصًا إذا كانت النصيحة تتعلق بمعتقداتنا الشخصية، يجب أن نكون حذرين جدًا في تقديمها بدون طلب، حتى وإن كانت بنية حميدة. كل شخص لديه حقوقه الشخصية والثقافية، ويجب علينا احترام تلك الحقوق.
المعتقدات الشخصية هي من أكثر المواضيع الحساسة والتي دائماً أرى جدل مستمر حولها بين الأشخاص الذين يريدون المناقشة، فما هو الحال بين طرفين أحدهما قرر إبداء النصيحة للطرف الأخر بدون طلب ؟
إنهاء النقاش على الفور هو الحل الوحيد، لا الحل الأمثل فقط. لأننا هنا نتعامل مع شخص لا يرى المفهوم الصحيح أو الخاطئ إلّا من زاويته الشخصيّة فقط. وبالتالي يجب عليه أن يستند للمزيد من الزوايا قبل أن يسدّد النصيحة للآخر. بالإضافة إلى ذلك، إن العبث بأفكار الآخرين من خلال نصحهم وإرشادهم هو تجنٍّ واضح على مختلف معتقداتهم ومعايير حرّياتهم، وبالتالي لا يجب علينا أبدًا أن ننقاش الآخر فيما يؤمن به، مهما كان قريبًا منّا.
في الكثير من الأحيان قد يكون من الصعب يا علي معرفة متى يمكن أن تصبح نصيحتنا تعديًا على خصوصية الآخرين، ولكن يمكننا دائمًا الحرص على تجنب تقديم نصائح تتعلق بأمور حساسة مثل الصحة النفسية أو العلاقات الشخصية أو الدين.
في حالة أن تعدّت نصيحتنا حدود الخصوصية، يمكن أن يتسبب ذلك في الإحراج والضيق للشخص الآخر، وربما يؤدي إلى تدهور العلاقة بيننا. فمن الأفضل أن نستخدم حكمة الاختيار والتفكير المتأني قبل تقديم أي نصيحة للآخرين، ونحرص على الاحترام الكامل لخصوصيتهم.
في كثير من الأحيان يكون من الصعب تحديد متى يصبح تقديم النصيحة تعديًا على خصوصية الآخرين يا عفيفة بالفعل. ولذلك، من الأهم أن نتخذ الحيطة والحذر عندما نقدم النصائح للآخرين.
فيما يتعلق بالسؤال الذي طرحته، أعتقد أنه من الضروري أن نتساءل لماذا نشعر بضرورة تقديم النصيحة، ولمن نقدمها؟ هل هو لصالح الشخص الآخر فعلاً، أم أنه بمحض إرضاء لأنانيتنا أو لأسباب أخرى غير مهمة؟ يجب أن نتأكد من أن دوافعنا نقية وأن نصيحتنا تأتي من قلب صادق يهدف إلى مساعدة الآخرين وليس للتدخل في خصوصياتهم.
وفي النهاية، من الأفضل أن نعترف بحق الأفراد في اتخاذ قراراتهم الخاصة وأن نحترم خصوصيتهم. فإذا كنا متأكدين من أن النصيحة التي نقدمها حقاً مفيدة ومهمة، يمكننا توجيهها بحذر واحترام، والاهتمام بخصوصية الآخرين في كل خطوة نقوم بها.
التعليقات