ربما مررت بتجربة ما جعلتك مقتنع تمامًا بأن معرفة الناس ليست دائمًا كنوز وأن البعد عنهم غنيمة، هل مررت بموقف أكد صحة لك هذه المقولة؟
"البعد عن الناس غنيمة" هل مررت بموقف جعلك ترى بأنّ هذه المقولة صحيحة؟
حسب القصد من المقولة, فهل تعني البعد عن الناس بشكل عام أم أنها تقصد التعامل معهم بحدود؟ هل تقصد البعد عن أشخاص بعينهم أم البعد عن البشر عموما؟ إن كان المقصود البعد عن أفراد يسببون المشاكل فبالتأكيد المقولة صحيحة بالنسبة لي! أما إن كان المعنى البعد عن البشر بصفة عامة فالمقولة تنطبق على قائلها ابتداء, فهو أيضا كائن بشري ويجب الاغتنام بالبعد عنه هو الآخر.. لم يسبق أن مررت بتجربة جعلتني أقتنع بهكذا مقولة انهزامية, ليس لأنني لم أواجه المصاعب في حياتي فقد تعرضت على مدى سنوات لمصائب عدة...هكذا هي الحياة! من منا لم يمر بالمشاكل مع الآخرين؟! إننا جميعا بشر وإن فكر كل واحد منا بالتقوقع حول ذاته وبعده عن الناس لأذى حصل له لتوقفت الحياة بكل بساطة.
أكاد أجزم أن جميعنا مر بتجارب مشابهة تؤكد صحة هذه المقولة ولكنني أرى دائمًا أنه لا يمكن أن نعمم القاعدة على الجميع فإذا فعلنا ذلك سنبتعد عن جميع البشر وسنصبح وحيدين حينها ... فهذه طبيعة البشر على كل حال لذلك دائماً ما أضع الحدود الواضحة بيني وبين جميع المقربين حتى لا أشعر بإنهزام حينما يتخلي عني أحدهم ولكن التجربة الأصعب بالنسبة لي التي علمتني هذا الدرس كانت مع أحد الأصدقاء وظلت لأكثر من خمس سنوات وتخلي عني فجأة وبدون مقدمات .. لا يرد على رسائلي، لا يتحدث .. فجأة انتهي كل شئ.
ربما مررت بتجربة ما جعلتك مقتنع تمامًا بأن معرفة الناس ليست دائمًا كنوز وأن البعد عنهم غنيمة، هل مررت بموقف أكد صحة لك هذه المقولة؟
يقال انك اذا اردت ان تعرف حقيقة شخص فسافر معه ، وهي مقولة صحية تماما، فالسفر يجعلك تعرف الناس على حقيقتها فعلا، وقد سافرت مع احدى البنات في سنة من السنوات الفائته، وكنت اظنها ما أظنها، علما وخلقا وضميرا، لكن بمجرد الخروج من البلد خرجت من جلدها تماما، مع اني لم اطل معها السفر اكثر من 10 ايام، لكن كانت بالفعل كابوس طول تلك المدة، وقتذاك ادركت ان السفر وحيدا احسن من السفر مع من تظنه شخصا جيدا وهو لا يستحق... وان الثقة تبنى بالمعاملة لا بالكلام.
كنز أن تكون متصالح مع نفسك، بمعنى أن لا يؤثر فيك الكلام السلبي، وأيضاً لا تتأثر بالكلام الإيجابي، لأنك في كلا الحالتين أنت راسم طريق حياتك، قادر على كيفية التعامل مع المشكلات ومتأني في اتخاذ القرارات وليس دائماً، وهذا بأن يتوجب عليك تكوين العلاقات والاحتكاك بالآخرين، لكن هذه المرة ستقدم أنت لهم الكنز والغنائم برُقيك وتعاملك النابع عن شخص سويّ.
أنا أفهم تمامًا ما تعنيه. لقد مررت بتجربة عدم وجود الثقة في بعض الناس، وكانت هذه التجربة تؤكد بالفعل على أن البعد عنهم يمكن أن يكون غنيمة. ومن خلال هذه التجربة، أدركت أن الثقة هي شيء يجب أن يكون موجودًا في أي علاقة بين الناس، وإذا كانت الثقة غير موجودة، فمن الأفضل الابتعاد عن هذه العلاقة. لذلك، فإن الابتعاد عن الناس الذين لا يستحقون ثقتي قد يكون الخيار الأفضل بالنسبة لي في بعض الأحيان.
دركت أن الثقة هي شيء يجب أن يكون موجودًا في أي علاقة بين الناس
وحتى عند وجود الثقة بين الناس. فلابد أن نترك مسافة بيننا وبينهم. فالثقة ليست مطلقة؛ بل هي ألفة موقوتة بوقتها سترتدد علينا فيما بعد بالأذى وساعتها نقول المثل : البعد عن الناس غنيمة. أرى أنً كل الناس حتى أقرب الأقربين قد يملوننا و نرى منهم ما يسيئ إلينا ولا يعرفون قيمتنا إلا عند البعد وحد قول ابي تمام:
وطول مقام المرء في الحي .... .مخلق لديباجتيه فاغترب تجدد
فإني رأيت الشمس زيدت محبة....إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
نعم. مررت وما زلت أمرً. وهي صحيحة جداً. وما زلت أنصح أحبائي ومن يهمني أمرهم بألا يجعلون علاقتهم بالناس لصيقة جداً. عليهم أن يجعلوا هناك مسافة أمان بينهم. حينما نقترب من الناس أكثر من اللازم يصيبنا منهم أذى نفسي و مادي و غيره من أنواع الأذى. وضرت أقتنع بمعاملة القنافذ لبعضهم البعض؛ فلا هم يبتعدون عن بعضهم البعض فيموتون برداً ( في فصل الشتاء) ولا يقتربون اقتراب يتلاصقون فيه فيدمون بعضهم البعض بسبب شوكهم. وكذلك، للناس أشواك فلا تقترب منه أكثر من اللازم و اترك مسافة أمان بينك وبينهم.
هذا بالفعل ما قاله الوجودي والماركسي الفرنسي جان بول سارتر بالحرف ولكن بصيغة أكثر مصدومية: "الجحيم هم الآخرون" يأتي السطر من مسرحيته، لما قرأتها أعجبت بها جداً، حيث يحدث فيها أن يكتشف ثلاثة أرواح ملعونين أن عقابهم الأبدي ليس تعذيباً كالنار والكبريت مثل الكثير في الجحيم، ولكن بدلاً من ذلك يتم حبسهم في غرفة بها الأشخاص الذين سيثيرون أعصابهم ولكن إلى الأبد! من أكثر الأمور المرعبة فعلاً، هل تتخيل الأبدية مع أشخاص مستفزين؟!.
تعليقه يعبّر عن الانزعاج الناجم عن العيش في مجتمع مع أشخاص آخرين. أفظع عذاب وأكثره قهرية بالنسبة للكثير من الناس فعلاً، عاداتهم المزعجة، تفاهاتهم أو سخريتهم أو غبائهم، تصرفاتهم وأذواقهم التي تتعارض بشكل محبط مع عاداتك وتتطلب إذا كنت ستعيش في شركة معهم نوعًا من الإقامة أو التنازل عن إبداءات الإعجاب والرغبات الخاصة بك وهذا كما يقول سارتر هو الجحيم.
وهذا بالمناسبة ما يتفق معه الكثير من الأدباء والفلاسفة ويربطونه أيضاً بمعدّل امتلاكك للمال والذكاء البشري، كلّما زاد امتلاكك للأمرين الأخيرين يجب أن تصبح دائرتك أقل من المحيط، هذا ما يقترحه الفلاسفة وهذا ما يصير أصلاً فعلاً مع الطبقات الاجتماعية.
التعليقات