ما الموقف أو التجربة التي جعلتك تعيد التفكير بكل ما تؤمن به، أو كما يُقال كانت نقطة التحول Turning Point على المستوى الفكري في حياتك؟
ما الموقف الذي جعلك تعيد التفكير بكل شيء تؤمن به؟
هناك محنة قد مررت بها منذ سنوات، وكانت بمثابة نقطة تحول بطريقة تفكيري وتقييمي للأمور، أدركت وتعلمت ما لم يكن ممكن أتعلمه بالحياة، وهذا ما هون علي المحنة جدا، لأن رغم قسوتها لكن كشفت لي أمور جعلتني أدركت المنحة التي أرسلت لي بهذه المحنة، أصبحت أكثر حرصا ودقة في فهم الأطراف الأخرى، بعد فلترة للأشخاص التي كانت بمحيطي، تعرفت على الأولويات بحياتي، وتمكنت من من تمييز مفهوم مثل العطاء والتضحية والتنازل بشكل عملي
كانت تجربة لها علاقة بالاصدقاء، كنا جماعة تقريباً أربعين شخص نشترك في نشاطات فنية معاً، ونجتمع يومياً ولا نفترق إلا عند مواعيد العودة للمنزل، وفي فترة مرضت ثم مررنا بعدها مباشرة بمشاكل مادية في المنزل وهذه الفترة صدمتني بكل من أعرفهم، لقد أكملوا طريقهم ولم يلتفت لي أحد وكأنني ميدالية مفاتيح قديمة سقطت من يد أحدهم، بعد ذلك بدأت انظر لحياتي ولمن أعرفهم ولكل ما يحدث وتحولت حياتي تماماً.
هذه الفترة، هذه السنة من إصرار الكثير من الصحف الأوروبية والناس الأوروبيين من تكذيب كل أخبار الموت القادمة من المناطق العربية وإصرارهم على أن الأمر كذب ولم يحصل مع تبيّنهم مئة بالمئة أن الأمر حصل وهناك أمور بشعة غاية في القرف تحصل في بلداننا على مرأى من العالم، هذا الأمر جعلني ألغي خطتي بالسفر لأوروبا للعيش هناك، والاستقرار هناك، جعلني أقلب وجهة نظري تماماً عنهم بأن الشعوب منفصلة عن آراء الحكومات، لم أرى هذا الانفصال بالطريقة الواضحة التي يُستعرض فيها الموت عندنا، بالحقيقة شعرت أنني كنت أعيش بكذبة كبيرة وخدعة كبيرة اسمها ديمقراطيات العالم وآرائه الموازية والداعمة لحقوق الانسان وكرامته، هذا الأمر قد خدعت به أعترف بذلك ولكني صحوت قبل أو أورّط نفسي بالانخراط بينهم وفي مجتمعاتهم المزيّفة.
لست وحدك المخدوع، جميعنا نعيش نفس الصدمة.
هذه المحنة كشفت وجوههم وعرتهم أمامنا، ولكن السئ أنها كشفت لنا أيضًا كم نحن ضعفاء على كلا المستويين الفردي والجماعي.
وحتى هذه الأمور تغيّرت عندي، حين عرفت أننا وحدنا في العالم بدون أي معين حتى على إبقائنا على قيد الحياة توّلدت فيّ مشاعر غريبة لم تكن موجودة فيها إصرار فردي على نفض المهانة والذلّة ونحصيل ما لم يحصّل بحقوق الانسان والرقيّ بالتعامل إلى طريقة فيها عمل دؤوب لتحصيل كرامة العيش والدفاع عن حرياتنا وهويتنا الشخصية.
وفاة أبي كانت نقطة تحول كبيرة في حياتي العملية والعلمية، وقد شعرت وقتها بالحزن والخوف من الحياة وسرعتها الكبيرة وبدأت أهتم بأفراد أسرتي بشكل أكبر وينتابني الخوف من فقدان أي منهم، باختصار قمت بإعادة التفكير في كل شيء، كانت تجربة في غاية الصعوبة جعلتني أشعر أن الحياة قصيرة لا يجب أن نضيعها فيما لا يفيد أو لا يعطي حياتنا قيمة حقيقية.
التعليقات