يقول يوسف زيدان إنّ ما يُمارسه الأطباء الشُبّان أو طلاب البكالوريا من القراءة والدراسة بشكل يومي بلا استراحة وساعات طويلة جداً من الدرس هي مرحلة اسمها تيبّس إنساني لا ينصح بها وقد تجعل الشخص مخبولاً، أعتقد أنّك عرفت بفوز الطفلة شام بمسابقة القراءة، هل تؤمن بأهمية هذا وهل راقبت كميّة المعلومات والحصيلة اللغوية التي عندها؟ هل تراه تيبّس إنشائي لغوي وإنساني أيضاً؟
مسابقات تحدي القراءة، هل تؤمن بأهميتها أم تراها تيبّس إنشائي لغوي وإنساني؟
مشكلة هذه المسابقات في نظري هي السطحية الشديدة في تناول مفهوم القراءة، بداياتي في القراءة كانت علي يد صديقة عزيزة جعلتني أقرأ دون أن تطلب مني ذلك، فقط شعرت من خلالها أن القراءة تجربة فريدة.
وهذا المفهوم ترسخ في ذهني للان، القراءة تجربة فريدة، ممتعة، معلِمة.
أما مسابقات القراءة فتعتمد على أجواء ماراثونية لا علاقة لها بهذه التجربة.
فبالإضافة لكونها تيبس لغوي كما أشرت وهو رأي أتفق معه، فهي لا تُعد قراءة في نظري ولكن ماهي إلا مسابقة في المرور على مجموعة من الصفحات فقط ليس إلا.
من يدخل لتحدي القراءة ويشارك بها بالفعل غالبا ما يكون قارىء وقارىء نهم أيضًا، ولديهم شغف وحب كبير للقراءة، ولديهم قدرة على القراءة بمعدل كبير، لكن لن يدخل قارىء مستجد أو مبتدىء، لأنه سيكون مثل الشخص الذي يتدرب على المشي وفجأة يطلبون منه دخول ماراثون الجري.
قارىء مستجد أو مبتدىء
لا أتفق معك بهذا الطرح، لا يوجد في الحياة قارئ مستجد وقارئ مُتمرّس، لأسألك سؤالاً كمثال تبسيطي لما أحاول إيصاله لحضرتك، هل فعل الأكل يختلف بين الطفل والعجوز؟ أو بين الطفل والرجل؟ بالطبع لا، لماذا؟ لإنه لا يوجد هُناك خبير بالأكل ومستجد بالأكل، الفعل واحد ويعطي نتيجته، ولذلك الأمر مهما تطوّر لن يزيد من سرعة أو استيعاب المرء أبداً، هل تزداد سرعة المضغ مع كل تقدّم سنة في عمر الإنسان؟
كل التعليق يسأل أسئلة إجابتها نعم بكل تأكيد.
لا يوجد في الحياة قارئ مستجد وقارئ مُتمرّس،
على العكس تماما، يوجد فعليا وبكل عادة أو فعل هناك شخص مستجد يحاول ممارسة الفعل وآخر متمكن ومحترف الفعل، يعني الفرق واضح لا أدري كيف لا تجد الفرق بينهما؟
هل فعل الأكل يختلف بين الطفل والعجوز؟ أو بين الطفل والرجل؟ بالطبع لا
بالطبع هناك اختلاف مرحلي، هل يتمكن الطفل من أكل نفس كمية الرجل الشاب أو العجوز، بالتأكيد لا، هل يأكل نفس الأنواع بالتأكيد أيضا لا، ستختلف وفقا لنوعية الطعام نفسه دسم أم يصلح للأعمار الصغيرة.
باختصار اسأل نفسك كم كتاب قرأت بعامك الأول للقراءة؟ وكم ازداد معدل القراءة بعد ٣ سنوات من الممارسة؟
باختصار اسأل نفسك كم كتاب قرأت بعامك الأول للقراءة؟ وكم ازداد معدل القراءة بعد ٣ سنوات من الممارسة؟
يبدو أنّك لم تفهم سؤالي، أنا لا أسألك إلّا عن فعل الأكل، هل الفعل يختلف؟ القراءة فعل، هل قراءة شام الفائزة بمسابقة تحدي القراءة العربي تختلف عن قراءة رجل في التسعين؟ أنا أقول لك، لا. كل شيء واحد والاختلاف فقط بالكميات والأنواع، على أنّ القراءة واحدة، بالطبع هي ستقرأ لمرحلتها وهي سيقرأ ما يناسب مرحلته، هذا لا يُسمى قارئ مستجد وقارئ محترف، يسمى قارئ قديم وقارئ جديد، كلاهما بذات الفعل الذي لا يمكن أن يتطوّر.
فمن يُمارس المشي مثلاً، لا يمكن أن يركض مستقبلاً بحجّة أنّهُ صار محترفاً، فهذا فعل آخر، المشي فعل والركض فعل، القراءة فعل، فعل ثابت لا يتطور.
استدلالاتك كلها مغالطات منطقية، الفيصل بالمسابقة هنا هو شخص قارىء مبتدىء وقارىء نهم، القارىء المبتدىء لن يفكر بالدخول للمسابقة من الأساس لأنه ما زال يخطو خطواته الأولى بالقراءة على عكس القارىء النهم الذي لديه القدرة على قراءة مئتي كتاب بعام أو أقل، وأنت أشرت بنفسك أن الاختلاف بالكميات وهذا اختصار لمصطلح قارىء مبتدىء وقارىء نهم. إن شاهدت اللقاءات مع المشتركين من الدول العربية وسؤالهم عن عدد الكتب التي قرأوها وكيف كانت الإجابة وكيف يتعاملون مع الكتب سيتضح مقصدي من أول تعليق.
باختصار من لديه الشغف والرغبة بالقراءة وليس مجرد هاوي يقرأ كل يوم 3 صفحات، لن يجد من مسابقات ماراثون كما أشار عبدالعزيز، بل سيجد فيها متعة وهذا هو الفيصل.
القارىء المبتدىء لن يفكر بالدخول للمسابقة
ولا يمكن حتى للقارئ المُتمرّس بحسب وصفك طبعاً (أنا لا أومن بوجود هذا النوع من القرّاء) أن يُشارك بمسابقات، القراءة ليست رياضة حتى يكون لها مسابقات ومارثونات، القراءة حاجة ووظيفة تزوّدنا بالمعرفة التي نحتاجها فعلاً، المريض المُحتاج للدواء لا يمكن أن يُشارك بمارثون لشرب الأدوية.
قراءة مئتي كتاب بعام أو أقل
تحتج حضرتك على مغالطاتي المنطقية، هل تظن أنّ هذه الكميّات طبيعية ويُمكن أن تكون قابلة للتصديق؟ هل يُعقل أن يهضم إنسان طبيعي 200 كتاب في السنة دون أن يصبح عمله الرئيسي بالحياة هو القراءة؟ وهل يوجد أصلاً من يكون موظّفاً بمهمة قارئ؟ وهل هذا صحي ومطلوب من الأساس؟ أعترض وأنتقد هذا الرقم المذكور بأكثر ما أنتقد حتى وجود قارئ متمرس.
أنت لا تستطيع ذلك ولا تجد متعة بها، وقد أكون مثلك، لكن بالنهاية هناك كثر من يجدون في القراءة بهذا الكم متعة، ولديهم القدرة على خوض هذه المسابقات وهم مستمتعين بكل التحديات بها، لذا لا يمكننا تعميم رأينا الشخصي على الآخرين، ما شاهدته أن كل مشارك لديه متعة حقيقية بالمشاركة والقراءة، لديهم مفهوم مختلف حول القراءة وهم مستمتعون بذلك.
أما مسابقات القراءة فتعتمد على أجواء ماراثونية لا علاقة لها بهذه التجربة؟
كيف ذلك؟ سمعت بالأمس للقاء اعلامي كانت قد أجرته إحدى وسائل الاعلام مع الطفلة السورية شام، عندما كنت استمع إليها شعرت بالفخر، كيف لمثل هذه الطفلة أن تتحدث اللغة العربية الفصحى وبطلاقة، وبالطبع كل هذا ناتج عن ممارستها للقراءة، لماذا نقول بأنّ مثل هذه التحديات ما هي تشجيع وتعزيز لمن يمارس القراءة ولمن يفكر في مارستها في ظل توجه الكثير من اطفالنا وشبابنا نحو وسائل التواصل الاجتماعي ليس للإفادة وإنما لتضييع الوقت فقط! لماذا لا نعوّل على مثل هذه التحديات ونأخذها على محمل الجد ونشيد بالمنافسين بها.
تشبيه هذه المسابقات بالمارثون لا أراه تشبيهًا عادلًا، لانه بطبيعة الحال لا يمكن لأي شخص أن ينخرط في هذه المسابقات بدون أن يكون متمرس وقاريء نهم!
وبالطبع كل هذا ناتج عن ممارستها للقراءة
مصيبة هذا النوع من القضايا أنّ لنا أحكاماً مسبقة مسلّم بها من قبل، من قال أنّ القراءة ستعلّمها الفصحى؟ لي قصّة مع أهلي سابقاً حين دخلت المستشفى في عامي الخامس، طفل صغير، في أنني كنت أصرخ بصوت عالي في المشفى بجملة واحدة فقط: أسرعوا، أحضروا لي الطبيب - كيف تعلّمت هذا الأمر إن كنت لا أقرأ ولم أدخل مدرسة؟ أنا أقول لحضرتك، عبر المحادثة مع أنسات صفّنا، بهذا فقط.
وأنا أتوقّع أيضاً بأنّ الفضل بأنّ شام تتكلم الفصحى يعود إلى الأم بالمقام الأول
الإنسان يحب أن يكون حر نفسه في جميع الأمور، إن كانت القراءة أو أي نشاط آخر مفروض عليه، سينفذه بدون رغبة وعلى مضض، إضافة إلى أن الساعات الطويلة من الدراسة أو القراءة متواصلة لا يمكن ان تكون نتائجه جيدة تمامًا لأن العقل يتشبع عند نقطة معينة لهذا يحتاج إلى الراحة وتجديد النشاط ثم متابعة القراءة، أو أنه سينتهي الأمر بأنه سيحفظ المعلومات لفترة او لهدفه ثم سينساها فورًا لن يتم تخزينها في العقل بشكل دائم. هذا ما يحصل عادة مع طلاب الثانوية العامة، لكنهم فقط بحاجة إلى التركيز وتنظيم الوقت ليس ساعات دراسة متواصلة كل اليوم بدون راحة واجهاد انفسهم.
لم أسمع بالطفلة شام، من هي هل يمكنك أن تعرف عنها أكثر من فضلك!
لم أسمع بالطفلة شام، من هي هل يمكنك أن تعرف عنها أكثر من فضلك!
هي طفلة من دمشق فازت بتحدي القراءة العربي، يُقال بأنّ عدد المنافسين 20 مليون طفل، كانت على رأسهم بالقراءة عبر معايير كثيرة تخصّ المناسبة، يحتفل الكثير من الناس بهذا الإنجاز بينما أراه خطوة أولى نحو تدمير مستقبل الفتاة بكثير من القراءة التي تفوق حاجة أي طفل بالعالم، وخاصّة بأنّ معظم هذه القراءات مجانية ولا تؤدي لشيء حقيقي كانعكاس على حياة الطفلة.
أنا لا أحبذ هذا؛ فالأمثلة التي ذكرتها جميعها تركز على الكم لا الكيف بشكل أساسي وسطحي جدًا.. والقراءة أيضًا شأنها شأن أي فعلٍ مفيد نفرط في فعله فينقلب إلى ضده.. وبالحديث عن السطحية، عن نفسي أعاني من مشكلة تخص هذا الموضوع، ولا أجد لها حلا، أثناء دراستي أنا مضطرة لمعرفة كل شيء بشكل سطحي، لا وقت لديّ للتعمق، أو حتى الوقوف والانبهار (لك أن تتخيل)، عليّ أن أمر سريعًا إلى المعلومة التي تليها وإلا فأنا أقوم بتضييع وقتي وبالتالي لن يتسع لاستذكار كل هذه المعلومات.
أما عن الجلوس لفترات طويلة من أجل القراءة، فقد تكون له أبعاد صحية أيضًا، حيث يحتمل أن تتغير وضعية العمود الفقري ويصبح الظهر أكثر انحناءًا ويفتقد الجسم إلى المرونة.
ماهو اختصاص دراستك ؟ وكيف تستذكرين المعلومات من غير التعمق . اعتقد ان السبب يعود الى النظام الدراسي الذي يهتم بالحفظ والاجابات المطابقه بدل نشر المعرفه .
أثناء دراستي أنا مضطرة لمعرفة كل شيء بشكل سطحي، لا وقت لديّ للتعمق
حين كنت في الجامعة كنت دائم الطرح لهذه المشكلة، وسمعتها مني عميدة الكلية مرّة وأساتذتها مرّات وبالغالب لم يتحمّسوا جداً لاي مقترح رغم أنني في عديد المرّات كنت أقترح أمور جدية وعملية، والسبب دائماً ضيق الوقت، وبرغم أنّ جميع الجامعات الأوروبية تملك جداول دوام أقل بكثير من الجامعات العربية، إلى أنّ ذلك لا يمنعهم من التركيز على الحل الوحيد لهذه المعضلة، أي: حلقات البحث. والاهتمام بهذا الموضوع هو الفيصل الحقيقي الذي يزيد مهارات الطلاب في الفهم والبحث، التحليل والتركيب.
بالأمس ظهر أمامي فيديو لهذه الصغيرة وهي تجري لقاءً مع مذيع ما وصراحة وباستماعي للجمل التي شعرت بأنها ترددها بشكل آلي لا أكثر جال بخاطريي شعور بأنها ربما حفظت هذه الجمل مرارًا وتكرارًا حتى ترددها أمام الكاميرات لا أكثر.
سواء كان ظني صحيحًا أو لا. سأناقش الأمر من جهتين لأوضح وجهة نظري.
هناك قاعدة تربوية ينُادى بها الخبراء التربويين، تنص على أنه لا يجب أن يكون هدف الطفل من فعل الأمور الجيدة أوتجنب الأمور الخاطئة نيل الجوائز أو تفادي العقاب. بل يجب أن يكون فعله نابع من رغبة داخلية وتحفيز ذاتي. ودللوا على حديثهم بأن الأخيار لا يحصلون دائمًا على نتائج أفعالهم الخيرة في الدنيا بل على العكس ربما يعيشون حياة أسوأ ما تكون. كذلك لا نجد الأشرار على الدوام يحصدون نتائج أفعالهم في الدنيا بل على العكس قد يجدون كل ما يتمنون في متناول يدهم بكل بساطة ويسر.
إن ربط القراءة عند الأطفال بالمسابقات والجوائز العظيمة لن يجعل منهم جيلًا قارئًا يركز على القيمة المستفادة مما يقرأون، بل ستجعلهم يضعون نصب أعينهم الجائزة العظيمة التي سيحصدونها في حال فازوا بالجائزة.
نفس الأمر مع البالغين كذلك. وهذا كلام أقوله بناء على تجربة شخصية. كان هناك مجموعة ما على فيسبوك كانت تهدف إلى تكوين فرق للقراءة، وكل فريق عليه خلال عام كامل قراءة 100 كتاب، ثم نشر بشكل دوري مراجعات لكل هذه الكتب، مراجعات يجب أن تكون قوية وتعكس مدى فهم القارئ لها. انضممت لفريق من هذه الفرق، وكان فريقي للأسف مبتدأ، ومن ثم فقد كنا أقل شأنًا من كل الفرق التي شاركنا ضدها وللأسف لم يُحمسني هذا بل أصابني بخيبة أمل كبيرة، وجعلني أشعر بأنني لن أقدر أبدًا على الوصول لهذا المستوى، ومن ثم توقفت.
إن القارئ سواء كان طفلًا أو بالغًا عليه أن يُمارس القراءة من رغبة قوية داخلية لفعل هذا، وعلى عكس المتوقع لن تجعله القراءة يستمر في الطريق حتى وإن اختفت، بل على العكس سيمل إن لم يجد مقابلًا ملموسًا مع الوقت لفعله هذا.
هناك قاعدة تربوية ينُادى بها الخبراء التربويين، تنص على أنه لا يجب أن يكون هدف الطفل من فعل الأمور الجيدة أوتجنب الأمور الخاطئة نيل الجوائز أو تفادي العقاب. بل يجب أن يكون فعله نابع من رغبة داخلية وتحفيز ذاتي
لا أتفق مع حضرتك في هذا الطرح، أنا من مدرسة جوردان بيترسون الصراحة التي تقيم وزناً كبيراً جداً في التربية لمسألة الثواب والعقاب والمكافئة، فهو يرى بأنّ كل العلاقات تقريباً تمرّ تحت هذه المظلّة ويُتحكّم بها بهذه الطريقة، وتسيّر بهذه الطريقة سواء كنّا واعين لهذا الأمر أم لا.
وبالتالي فإن الطفل عندما يكبر سيكون كل فعل يقوم به لا بد أن يحصل في مقابله على شيء ما وإلا لن يفعل، كلما ذهب لقراءة كتاب سينتظر الجزاء، كلما أراد الدراسة سينتظر الجزاء .... الخ
وهذا سيجعل منه شاب بالغ أو امرأة بالغة نظرتهم للأمور مادية بحتة، فلن يقوموا بفعل أي شيء ما لم يعد عليهم بمنفعة ما، وهذا يجعل منهم أنانيين سيدي في أفعالهم.
نحتاج إلى النظر لأبعد من الموضع الذي نقف فيه لنقرر إذا كان الفعل صحيح أم لا، وبرأيي أن هذا السلوك نهايته ليست قويمة أو سليمة كما يتضح
وهذا سيجعل منه شاب بالغ أو امرأة بالغة نظرتهم للأمور مادية بحتة، فلن يقوموا بفعل أي شيء ما لم يعد عليهم بمنفعة ما، وهذا يجعل منهم أنانيين سيدي في أفعالهم.
على العكس تماماً، يمكننا أن ننظر للأمر من وجهة نظر مغايرة وهي أنّهُ سيخرج لنا شاب يعرف أنّ كل ما يفعله سيخلّف نتيجة ما، سواء سلبية أو إيجابية، كل شيء قيّم، لم نتعوّد على هذا بالبلدان العربية، ولذلك معظمنا يردد هذه العبارة: (يعني أنا الأول الذي أفعل هذا؟ - أو ما الذي يمكن أن يحدث؟) هذا ما أسس لهُ العرب في الخمسين سنة الأخيرة، والطريقة التي طرحتها هي الطريقة الاوروبية في التربية، لنقارن بين المجتمعين، أيّهما يلقي بالاً لقيمة أفعاله ومستقيم أكثر بالتعاطي الإنساني والعلاقات؟ بالطبع الجهة الأوروبية، هذا يمنحنا سبباً على الاقل لاختبار الأمر.
التربية الإيجابية حاليًا هي من أكبر المناهج التربوية في الدول الأجنبية حاليًا، وهذا المنهج كلية يرفض مبدأ الثواب والعقاب، ويرى أن الأشياء الحسنة يجب أن تكون نابعة من داخل الطفل، وليس نابعة من رغبة الحصول على مكافئة وكذلك الأمر مع الافعال السيئة يجب أن يكون تجنبها نابعًا من الداخل بحق. وهذا المنهج صار اكثر انتشارًا لا في الدول الأوروبية بل والعربية وغيرها كذلك.
هي اسرع وصفة لبناء جيل هش مسلع معرفيا ومعنويا، لا تركز هذا النوع من المسابقات على نوعية القراءة وجودتها وآثارها بعيدة المدى بقدر ما تركز على الإشهار للجائزة نفسها، وقيمتها الحضارية والثقافية التي لا يستفاد منها سوى القائمين عليها والجهات المنظمة، في حسن أن البقية لا يستفيد شيء حتى الرابح نفسه، بل وسأقول بأنها تأتي بنتائج عكسية حتى على الرابح نفسه، فهي تبرمج العقل على القراءة السريعة والسطحية في الفهم والاستيعاب، وتقتل روح الخيال والقدرة على النقد والتحليل، ذلك لأن واحدة من أهم شروط المسابقات هي أن من يقرأ اكبر عدد من الكتب في الوقت المتفق عليه، يفوز، فلا يسع أحد المشاركين التركيز على أي شيء أخر سوى الوقت والكم، لا الكيف والعمق.
أما عن الجهات المنظمة ففي الغالب هي جهات لا تهتم بالقراءة لا من قريب ولا من بعيد، وعادة ما تكون فعاليات القراءة جزء من نشاط أكبر، ربما جائزة كتاب، أو معرض، او حفل تكريمي، فتأتي المبادرات التنافسية كعرض جانبي لا أكثر، وهذا ما يجعل القراءة مجرد شعار يخدم المؤسسات المنظمة وليس القراء.
شخصيا اعتبر هذا النوع من المسابقات لا جدوى منه، حتى بعض الفائدة التي يمكن ان يعود بها على الناس والتي هي فائدة شبه منعدمة، أراها شبيهة بكتب التمنية البشرية، فهي تصل بالجماهير إلى أعلى مستويات التحفيز على القراءة في اللحظات الأولى للاعلان على المسابقة،لكن سرعان ما ينساها الناس ويعودون الى جهلهم وعزوفهم على القراءة، والسبب أنها لا تقدم منهجا او وسيلة تساعد الناس على القراءة المستدامة، بل هي مجرد تحفيز لحظي وينتهي في ساعات او ايام، واجزم أن الفائز نفسه قد ينتكس بعد الفوز بها ويعود الى التكاسل عن القراءة او تركها نهائيا، لأنه لم يكتسب القراءة او يمنهج عقله عليها بالشكل الصحيح والمدة الكافية.
وقيمتها الحضارية والثقافية التي لا يستفاد منها سوى القائمين عليها والجهات المنظمة
وأضيف، لذلك لا نراها عامة إلّا في دول الخليج والدول التي تحتاج سجّلاً عريضاً وطويلاً وباع كبير في مسألة تأهيل بلادهم ليكون لها مناخ ثقافي اجتماعي سليم، على عكس الدول المتقدّمة حقاً علمياً وتقنياً، كألمانيا مثلاً.
لذلك بالضبط أعتبرت أن هذه المبادرات هي مبارات ذات مآرب سياسية لا أكثر ولا أقل وعادة ما تتعلق إما بجائزة فلان للشعر، أو جائزة الامير فلان للرواية والأدب، أو جائزة رئيس الدولة ....للمبدعين ،وتأتي المبادرة عادة على هامش الحفل، كفقرة اعلانية يمكن أن يقرأها الإنسان المدقق بأنها محاولة لتغطية شيء ما أو توجيه فكرة الرأي العام والجمهور الى فكرة معينة عن المؤسسة ، بأنها مهتمة بالوعي والطفل والتعليم وو... لكن في الحقيقة هي مجرد غطاء وسد ذرائع لا أكثر.
بمجرد أن ينتهي الفاصل الاعلاني تموت الجائزة، هل سبق ورأينا مثل هذا النوع من الجوائز يؤسس نوادي دائمة للقراءة تحت اشراف خبراء ومعلمين وقراء محترفين؟ لا.. ، هل سبق و رأيناها تراقب الفائزين على الأقل للسنوات الثلاث او الخمس اللاحقة كيف يستمرون في تطوير القراءة واستراتيجياتها؟ لا.... هل رأينا مبادرات أن وضعت بعثات للجامعات الكبرى في الخارج لتبادل الخبرات في مجال المكتبات والقراءة؟ لا...
كل هذه علامات على أن هذه المبادرات هي مجرد جسور للعبور نحو الشاطئ الاخر بسلام وتصوير لواقع مثالي لا أكثر.
بمجرد أن ينتهي الفاصل الاعلاني تموت الجائزة، هل سبق ورأينا مثل هذا النوع من الجوائز يؤسس نوادي دائمة للقراءة تحت اشراف خبراء ومعلمين وقراء محترفين؟ لا.. ، هل سبق و رأيناها تراقب الفائزين على الأقل للسنوات الثلاث او الخمس اللاحقة كيف يستمرون في تطوير القراءة واستراتيجياتها؟ لا.... هل رأينا مبادرات أن وضعت بعثات للجامعات الكبرى في الخارج لتبادل الخبرات في مجال المكتبات والقراءة؟ لا...
للأمانة على أنّي أتفق معك في أنّ هذه المسابقات لها جزء معني بالغطاء السياسي وتمرير الأفكار ومراكمتها عن الدول المستضيفة، ولكن في المقابل لا أرى ما ذكرتيه حضرتك على أنّهُ من واجبات المسابقات المتفرعة عن أي مؤسسة، لإنّ طابع أي مسابقة في أي مؤسسة أن تكون غير مستدامة وإلّا لأُعتبرت مشروعاً واحتاجت تمويلاً والكثير من الاهتمام الأعلى من هذا.
ولكن في المقابل لا أرى ما ذكرتيه حضرتك على أنّهُ من واجبات المسابقات المتفرعة عن أي مؤسسة، لإنّ طابع أي مسابقة في أي مؤسسة أن تكون غير مستدامة وإلّا لأُعتبرت مشروعاً واحتاجت تمويلاً والكثير من الاهتمام الأعلى من هذا.
من البنود الاساسية في اي مؤتمر أو مسابقة وجود مايسنى بالتوصيات وهي افكار أو مشاريع مستقبلية مكملة لاعشغال المؤتمر أو المسابقة والتي عادة ما تقرأ في اخر اللقاءات وقد يتم اشهارها على الحضور وقد لا يتم لكنها تكتب بشكل رسمي داخل بنود السابقة او المؤتمر كشكل من توثيق الانتاجية وتعهد بالاستمرار في التقدم، لماذا لا يتم وضع مثل هذع الامور في التوصيات........ على الاغلب تكون موضوعة بالفعل لكنها لا تنفذ وتبقى مجرد شكليات لا أكثر لانها من الاصل ليست قضايا اساسية في نظرهم، وهذا يعيدنا للنقاش الاول، هو ان القراءة مجرد شماعة.
لا تركز هذا النوع من المسابقات على نوعية القراءة وجودتها وآثارها بعيدة المدى بقدر ما تركز على الإشهار للجائزة نفسها، وقيمتها الحضارية والثقافية التي لا يستفاد منها سوى القائمين عليها والجهات المنظمة،
من الذي قال لكِ ذلك؟ كيف لا يستفيد المنافس بها؟ خلود المتسابقين بهذه المسابقات ينافسون على مستويات عليا، هؤلاء يقرأون الكتب ويلخصونها، هنالك من يكون على دراية تامة بدار النشر و عدد الصفحات وخلافه، وأصلا قبل أن يتم ترشيحهم للمسابقة النهائية، يتم تصفيتهم على مراحل، بالأول قد تكون على مستوى المدينة ثم الدولة، ثم العالم العربي.
إن كانت الاستفادة تقتصر على الدولة المستضيفة لهذه المسابقات والترويج لحضارتها، فأنت مخطئة تمامًا، المسابق لن يكون استفاد من ممارسة القراءة وأصبح قاريء نهم بل سيكتسب مهارات كثيرة مثل؛ مهارة الثقة بالنفسة، مهارة التواصل، مهارة التحدث بطلاقة وباللغة العربية الفصحى، اذا هل هؤلاء لا يحققون استفادة!
مع كل ما قلت، مازلت اصر على مخالفة هذا الرأي، فرغم مل الميزات الايجابية الظاهرة للعيان، مثل تعزيز الثقة في النفس واكتساب مهارة التواصل والقراءة، لكن ذلك لا يعني أنها ستمتد في الزمن وتتأصل في شخصية المنافس بصفة قطعية تماما، فعلى الارجح كل هذه الصفات سوف نتقلب سلبا بعد حين، لأن هذا النوع من القراءة يندرج تحت بند القراءات السريعة التي أثبتت عدم جدواها من جهة ومشكلاتها البرمجية على الذماغ والصورة الذاتية للفرد وكدا توقعاته المستقبلية عن نفسه، إذ يبرمج الشخص على أن كل المواضيع قابلة للقراءة بمستوى واحد من الفهم والعمق والسرعة، ما سيؤدي الى تسطيح المعرفة من جهة، و ربط السرعة بالانجاز الفارغ الوهمي، فيتوهم القارئ انه يستفيد مما قرأ لكن رغم نجاحه المبهر وقت المنافسة، سوف يتفاجئ بنسيان كل ما قرأ، ببساطة لانه لم يوفر كل شروط القراءة المرسخة للمعلومة والتي من أهمها التدوين والتكرار..
اما عن الاضرار النفسية فهي كثيرة أيضا، وهي الاستحقاق الزائف بالمعرفة السريعة من جهة، وايضا الاستعداد الوهمي لفهم كل مستويات المعرفة بريتم وسرعة واحدة، ما سيجعل الشخص يصاب بانتكاس واكتئاب وعدانكسار الثقة في النفس بعد اول مواجهة مع موضوع صعب او في مستوى أعلى يحتاج الى التأني والتركيز.
التعليقات