تناولتُ نقاشًا منذ فترة قريبة حيال هذا المصطلح الذي نكرّره دائمًا، حيث أنني أريد أن أرى معناه الحقيقي من وجهة نظر كلٍّ منّا.
من وجهة نظرك، ما هي الثقافة؟ وما معنى أن يكون الفرد مثقّفًا؟
أرى أنّ التعريف الشائع القائل بأن تعرف كل شيء عن شيء و شيئا عن كل شيء، هو الأنسب في تعريف الثقافة. أي أن تكون متعمقا تماما في مجالك و تعرف و لديك خبرة و لو متواضعة بالمجالات الأخرى.
أرى أنّ الشخص يكون مثقفا حينما يستطيع أن يحاورك في أي موضوع ناقشته فيه، فتجد طبيبا مثلا يناقشك في السياسة و الاقتصاد و الفلك .. إلخ، فهنا سأقول رغما عني أنّه شخص مثقف.
بجانب الثقافة التي تتحدثين عنها فردوس هناك نوع آخر من الثقافة وأعتبره يضاهي الثقافة المعلوماتية من حيث الأهمية بل يفوقها، ألا وهو الثقافة المجتمعية وثقافة التعامل المحترم والرقي مع الآخرين، فهناك من يمتلك الثقافة التي يتحدث بها ولا يمتلك الثقافة التي يتعامل بها مع الآخرين.
في هذه الحالة أرى ثقافته بلا فائدة تذكر لأنها لا تنعكس على شخصيته أو على الآخرين.
لماذا لا نعتبر إذن أنّ التعامل مع الناس مجال من المجالات التي يجب أن يعرفها المثقف. بعبارة أخرى، أنا قلت أنّ المثقف يعرف كل شيء (مجازيا) في مجاله في حين يعرف شيئا عن كل مجال، فإذن يكون التعامل مع الناس مجال هو الآخر من المجالات التي يعرف عنها و هي من المجالات التطبيقية.
أرى أنّك قسّمت الثقافة إلى معلوماتية و أخرى مجتمعية، و دعني أسميها أنا نظرية و تطبيقية، لكن على أي فذلك لن يعدو فرعا للثقافة بينما نتحدث هنا عن المفهوم الشامل للثقافة ككل.
لكن إذا بقينا في تقسيمك و سلمنا به، فإنّك تقول:
هناك من يمتلك الثقافة التي يتحدث بها ولا يمتلك الثقافة التي يتعامل بها مع الآخرين.
أهو غير مثقف بالنسبة لك؟
لكن ماذا عن الذي يمتلك الثقافة التي يتعامل بها مع الآخرين و لا يمتلك الثقافة التي يتحدّث بها؟ أراه هو الآخر غير مثقف بالمعنى الأصح للكلمة. لذا فسواء تلك الثقافة ''المعلوماتية'' أو ''المجتمعية'' فما هما إلا فرعان من الثقافة.
كما أنّني عندما قرأت تعليقك الخاص حول تعريفك أنت للثقافة:
فالثقافة هي ما نتعلمه ويؤثر فينا ويفيد الآخرين، ولا بد أن يكون فيها هذه الشروط حتى تسمى ثقافة، فالثقافة التي لا تفيدنا أو تغيرنا ناقصة، والثقافة التي تفيدنا وحدنا ناقصة كذلك، والثقافة التي لا تعود على من حولنا بالنفع والإيجاب ينقصها شئ هام جداً وهو زكاة العلم، وزكاة الثقافة في نشرها.
أجدك تربط الثقافة بواحدة من وظائفها و هو ما لا أتفق معك فيه، بمعنى آخر لا أرى أنّ من شرط الثقافة أن تنفع المثقف و من حوله.
في هذه الحالة أرى ثقافته بلا فائدة تذكر لأنها لا تنعكس على شخصيته أو على الآخرين
لكنها تظل ثقافة.
ثم إنّ الشخص إذا ما عرف الكثير حول مختلف المجالات و امتلك معلومات جمة فذلك سينعكس عليه شاء أم أبى و سينعكس على شخصيته. أي نعم، ليس بنفس المقدار الذي سيظهر على شخص آخر اتخذ خطوة للانتفاع بثقافة كأن يتثقف مثلا في مجال الاقتصاد فيمضي يستثمر مثلا فإنّ ذلك سينعكس عليه إيجابا أو كشخص تثقّف في علم النفس فاكتسب طرقا لتقوية شخصيته على سبيل المثال طبّقها فآتت ثمارها. لكن هذا لا ينمع أنّ شخصا آخر تثقف أيضا في علم النفس مثلا فإذا به بشكل غير واع يتأثر بذلك فينعكس على شخصيته، أو شخص آخر تثقف في الاقتصاد فإذا به يطبق ما قرأه مثلا أو حضر دورة حوله بدون وعي لأنّ ما معلوماته في هذا المجال التصقت به. باختصار، أرى أنّ الشخص يتأثر بثقافته و تنعكس هذه الأخيرة على شخصيته و حياته شاء أم أبى و عمل على ذلك أم كان الأمر بدون وعي منه.
أما عن نفع الآخرين فأنا لن أقول أنّ المثقف سينفع محيطه شاء أم أبى فقط لأنّه مثقف، فقد يكون أحمد -مثلا- رجلا في غاية الثقافة لكنّه صامت على الدوام و لا يشارك في النقاش و لا يفيد الآخرين من خبرته، لكنّه رغم ذلك يظل مثقفا لأنّه يعرف الكثير.
لا تحسبنّ أنّني لا أتفق معك في أنّ المثقف يجب أن يفيد غيره بثقافته إنّما أنا لا أوافقك في حصر الثقافة على ذلك.
وزكاة الثقافة في نشرها.
أنا مثلا أزكي من الذهب الذي أملكه، فافترض معي أنّني قررت أن لا أفعل و أن لا أعطي هذه الزكاة، بغض النظر عن كون الزكاة من أركان الإسلام و أنها واجبة علي و و ... فقد قررت أن لا أعطيها. و رغم ذلك فهذا لا يمنع أنّ ما معي ذهب. و سنقيس ذلك على الثقافة أيضا (ما دمت أنت استعملت مصطلح الزكاة فسأمضي فيه) فقد أكون فتاة مثقفة لكن قررت أن لا أزكي من ثقافتي هذه أي أن لا أنشرها و أحتفظ بها لنفسي، بغض النظر عن كون ذلك محمودا و و .. فقد قررت أن لا أزكي هذه الثقافة. فكما أنّ رفضي زكاة الذهب لا يمنع كون ما معي مالا، فإنّ رفضي أن أزكي ثقافتي لا يمنع كون ما معي ثقافة. أرجو أن تكون قد فهمت ما أقصده في هذه النقطة. إنّني عندما سأعرف الذهب فسأقول أنّه معدن نفيس و ... إلخ، و ليس أنّ علي زكاته، فكذلك في الثقافة عندما أعرفها فإنّني سأعرف ماهيتها و ليس زكاتها.
لذا لا أتفق في تعريفك للثقافة بأنّها ما ينتفع به المثقف و محيطه. فأنا مثلا قد أملك الكثير من الذهب الذي أغلق عليه في خزانة في بيتي و لا أستعمله و لا أنزكيها و لا ينتفع به أحد لكن ذلك لا يمنع أنّه ذهب.
من وجهة نظري، أن الثقافة لا تكتمل إلا حين تكون ذات نفع لأن هدف العلم في المقام الأول الإفادة، فمثلاً نحن لا نتعلم ونذهب للمدارس ومن بعدها الجامعات ليقال أن فلان متعلم وشخص جامعي، بل ليعود هذا التعليم على مجتمعنا وعلينا بالفائدة، وكذلك حال المثقفين، فالمثقف غير النفعي لا يكون مثقفاً حقيقياً مهما بلغ من العلم لأنه أسقط فائدة الثقافة الأولى وهي النفع.
فلنقل أني طبيباً تخرجت من كلية الطب منذ ثلاثة أعوام ومشيت في الشارع ذات يوم فوجدت أن أحدهم أصيب بضربة شمس وأغمى عليه فتجاهلته دون أن أقدم له المساعدة فمشيت بعدها فوجدت فتاة صدمتها سيارة فرأيتها ومضيت، وقضيت حياتي كلها على هذه الطريقة، لا أعمل بعلمي ولا أفيد غيري به، نعم حينها سيكون لدي العلم وسأكون طبيباً، ولكن هل أستحق اللقب وهل الإسم على مسمى؟
وهل خلق العلم ليكون داخل الرأس فقط دون أن يكون له نفع واضح؟!
لقد قلت لك بأنّني أتفق معك في أنّه يجب أن ننفع الناس بما نملكه من ثقافة، لكن نحن هنا نتحدّث عن تعريف الثقافة ليس إلا.
فمثلاً نحن لا نتعلم ونذهب للمدارس ومن بعدها الجامعات ليقال أن فلان متعلم وشخص جامعي
لكن حتى لو لم نعمل بشهادتنا الجامعية فهذا لا يمنع أننا متعلمون. و كذلك الثقافة، فسواء عملنا بها أو لا فهذا لا يمنع أنّ ما معنا يُسمى ثقافة.
لا أرى أنّك فهمت إطلاقا كل ما قلته، فإنّ مثال زكاة الذهب الذي أوردته خير مثال لكن لا يبدو أنّك فهمته. إنّ سؤال المساهمة كان: ما هي الثقافة؟ و ليس: ما فائدة الثقافة؟ أو: متى تكون الثقافة كاملة؟
وهل خلق العلم ليكون داخل الرأس فقط دون أن يكون له نفع واضح؟!
أراك تستعمل مصطلح العلم بدل الثقافة، فهل ترى أنّ العلم هو نفسه الثقافة؟
و حتى لو سلّمنا بمصطلح العلم، إنّ سؤالك: هل خلق ... ؟ سيكون جوابه بالفائدة، أنّ العلم يجب أن يكون له نفع، أي نعم، لكن هذا ليس هو تعريف العلم. فعندما نعرف العلم لا نقول: العلم هو ما ينفع الآخرين.
ما فهمته من كلامك يا فردوس بأنه لا يمكن ان نربط مفهوم الثقافة بالعلم، وقد نجد من غير المتعلمين مثقفين أيضا، ولكن تباذر الى ذهني عندما أمر بمقالات ذات العلاقة بالموضوع، يربطون الطبقة المثقفة بالمتعلمة والواعية، ألا يمكن أن يكون تناقض في هذا الأمر؟
أعرف أشخاصا لم يدخلوا المدرسة و عندما أحاورهم أصدم من ثقافتهم و كمية المعلومات التي يعرفونها في شتى المجالات. أؤكد على ذلك بشدة: التعلم لا علاقة له إطلاقا بالثقافة؛ ليس كل متعلم مثقف و ليس كل من لم يتعلم غير مثقف. قد يكون هنالك فرق وحيد في أنّ المتعلم متخصص في مجاله، لكن عندما تجدين أستاذ فيزياء مثلا إذا حدّثتيه عن التاريخ لم يعرف غير ما حدث بعد مولده، و إذا حدثيه عن السياسة تجدينه لا يعرف حتى الحزب الحاكم في بلده، و إذا حدثتيه عن الاقتصاد تجدينه لا يعرف ما هي البورصة، و إذا حدثتيه عن الجغرافيا تجدينه لا يعرف حتى شكل الخريطة ... إلخ، بينما إذا حدثيتيه عن الفيزياء فستجدينه يعرف عنها كل شيء تقريبا، و تجدين شخصا لم يدخل المدرسة في حياته أو لم يتجاوز الابتدائية يعرف عن كل هذا، فعن أيهما ستقولين بأنّه مثقف؟؟
ألا يمكن أن يكون تناقض في هذا الأمر؟
تعرفين، كانت تقول لنا أستاذتي: الأمي الحقيقي هو الذي يحمل شهادة و لا يعرف أكثر من مجاله، فهو الأخطر على المجتمع من ذاك الذي لا يعرف القراءة و الكتابة.
هنالك تناقض، أجل، تناقض ناجم عن عدم معرفتهم بحقيقة الأمور أو قد يكون نوعا من التضليل، لا تصدقي كل ما يُكتب. الطبقة المتعلمة ليست بالضرورة مثقفة.
الثقافة من وجهة نظري ليست بحجم الكتب التي قرأها الإنسان أو عدد المحاضرات التي حضرها، ولا تتحدد أبدا بدرجة علمية أو منصب، الثقافة من وجهة نظري لها تعريف أعمق.
فهذه أشياء سطحية لا تعبر أبداً عما هو أعمق، فحقيقة الإنسان التي تتأثر بما يتعلمه لا يصح أن نحكم عليها من الظاهر.
فالثقافة هي ما نتعلمه ويؤثر فينا ويفيد الآخرين، ولا بد أن يكون فيها هذه الشروط حتى تسمى ثقافة، فالثقافة التي لا تفيدنا أو تغيرنا ناقصة، والثقافة التي تفيدنا وحدنا ناقصة كذلك، والثقافة التي لا تعود على من حولنا بالنفع والإيجاب ينقصها شئ هام جداً وهو زكاة العلم، وزكاة الثقافة في نشرها.
الثقافة لغةً مأخوذة من ثقف الشجر أو الفرع إذ شذبه و هذ نواحيه و حواشيه. وهل اصطلاحاً، تعني أن يأخذ الفرد من مجموع ثقافة عصره بنصيب وأن يضرب في المعرفة بسهم وافر في كل مجال. يعني كما نقول أن تعرف من كل شيئ شيئ وهذا هو ما أراه من وجهة نظري.
بجانب ما ذكرت خالد، هناك من يعرف شئ كبير نسبياً عن كل شئ ولا يتخصص في مجال ما يعرف فيه كل شئ، هل هذا أفضل أم أنك تميل إلى التخصص؟ ولماذا؟
عبد الرحمن نحن في عصر لا نستطيع فيه أن نكون موسعيين بالمعنى الحقيقي لأن المعرفة كثرت و تخصصت كثيراً. فأنا أفضل التخصص ولكن بجانب التخصص، علينا أن نطالع في مجالات أخرى متفرعة متنوعة حتى نصقل أنفسنا في مجالنا الذي نتخصص فيه. يعني لكي تعرف قصور تخصصك نفسه لابد من معرفة باقي التخصصات. فلو أن لديك شقة وتعيش فيها طول حياتك ولو لم تطلع على و تدخل باقي الشقق لحسبت أن شقتك، مثلاً، هي الغاية في التصميم و جودة التجهيز. فحنيما تدخل باقي الشقق المملوكة للغير مثلاً ، يمكنك أن تعرف مدى ما تحتاجه شقتك نفسها. فما أريد أن أقوله أن المتخصص يحتاج إلى الإطلاع على كل التخصصات حتى يصقل تخصصه نفسه. يعني مثلاً، الأديب لا بد أن يطلع ( ولو حتى على الكتب المبسطة للجماهير) على ما أنتج في مجال العلوم بكافة أنواعها وتفرعاتها حتى إذا ما تناول موضوعا أدبيا تناوله بعمق في تخصصه. ألا تتفق معي؟
قبل أن نتحدث عن معنى الثقافة، فلابد أو أن ندرج أنواع الثقافة:
الثقافة المادية Material Culture: تشمل الجانب الثقافي المحسوس المعبر عن موروث ثقافي والإجتماعي للبلد، ومن أبرزها الإنتاجات والصناعات المحلية التي تمتاز بالخصوصية لبلاد على حساب الأخر.
الثقافة غير المادية Nonmaterial Culture: هذا المفهوم الشائع الذي يتباذر في ذهن أي شخص يسمع كلمة الثقافة، وكل ما هو غير محسوس يعبر عن الجانب الثقافي، ويشمل ذلك المعتقدات والعادات والتقاليد والموروثات الثقافية والاجتماعية.
ووفق ما جاءت به نظرية النسبية الثقافية-Cultural relativism بأن الحكم على أي تصرف فردي يتباذر من شخص لابد أن يأخذ بعين الاعتبار المحيط الثقافي واعراف المجتمع الذي ينتمي إليه، غريب حقا، قد نجد بأن هذا الأمر يتم أخذه بعيين الإعتبار من طرف أخصائيين النفسانين خصوصا عندما يدرسون حالة مريضم بالنظر لمحيطهم.
-أما عن الشخص المثقف فهناك إخترافات مختلفة عن هذا التعريف فهناك من يعتبر بأن الثقافة هي مزيج بين المعارف والمكتسبات والخبرات الشخصية للشخص ممكن أن تجعل منه مثقفا في أمر معين بدون التعمق فيه، وصراحة أؤيد هذا التعريف.
أرى أن اللب الأساسي للثقافة ضمن هذا التعريف يجب أن يشمل تعامل الإنسان مع الآخر واستيعابه له بشكل عام، وبالتالي قدرته على استيعاب العالم وتنوّعه من حوله. من خلال هذه العادة يمكننا التعامل مع المثقّف كشخص يستطيع أن يتقبّل. في رأيي هذه هي النقطة الأهم.
أمّا فيما يخص التعريفات التي سبقت هذا التعريف في تعليقك، فأنا أرى أن الأمر بالطبع له العديد من الشرائح والتصنيفات. لكنني أفضل دائمًا أن أعزوه إلى اللب أو الأساس إن صح التعبير الذي تحدّثتُ عنه.
أتذكر ذلك التعريف المتداول عن الثقافة والدارج بقوله ان تعرف شيئ عن كل شيئ ومع إقتناعي الكامل بهذه المقولة إلا أنها ينقصها بعض المفاهيم كيف، مع انتشار عصر المعلوماتية اصبح الوصول الي المعلومات في متداول الجميع ليكون الانسان مثقفا ولاكن ماذا عن ثقافات المجتمع بشكل عام هنا أنت بحاجة لفهوم اكبر من ان تعرف مع ضرورة المعرفة بالطبع فالامر يحتاج الي التنفيذ والتجربة والاحتكاك بالاخرين.
من وجهة نظرك، ما هي الثقافة؟ وما معنى أن يكون الفرد مثقّفًا؟
أعتقد أن الثقافة تعني جمع أكبر قدر من المعرفة في مختلف أوجه العلم، وحب التبحر في شتى المجالات، والوصول إلى إجابة لكل التساؤلات، والبقاء متصلاً مع كافة فروع الحياة، وتكوين فهم لأوفر عدد من علوم ومهارات العصر، المثقف مصاب بفضول المعرفة ولا يتمنى الشفاء أبدًا .
المثقف قد يعيش بين الكتب والمقالات، يقتات على المعلومات، ويختلط بجمعٍ من الشخصيات، وتتسع جغرافيته لتتجاوز حدود قريته بل حدود بلده، فإن سألته عن ما يفضل الصيني تناوله على الفطور وجدته عارفاً، وان استفسرته عن سعر العملة الروسية وجدته لك مجيباً .
يجد متعته في تناقل العلوم وتلاقحها، لا يحيط نفسه بهالة الفلاسفة التي تفصله عن العامة وتضعه في مكان أعلى منهم، بل يصب ما آتاه الله من العلم ويوزعه على الجميع، يجلب معرفته وينحتها ويشكلها وينقلها من أثير العقل إلى الواقع الملموس .
يقدّر التفكير ويحرّكه ويدغدغه حتى في أبسط القضايا، ولا ينجرف خلف القطيع .
أختلف معكِ في هذا السياق يا تقوى، فعلى الرغم من أن الثقافة بالتأكيد تحتاج إلى معرفة، فإنني أرى أن الثقافة في حد ذاتها تعتمد بشكل أساسي على مدى تفاعلنا وطريقة تفاعلنا مع هذه المعرفة، وبالتالي يجب علينا أن ندرك أن الثقافة نفسها لا تعتمد على التعليم وإنما تعتمد على التعلّم، فإذا كانت المعرفة هي نتيجة للتعليم -أي استقصاء المعلومة- فالثقافة في رأيي هي التعلّم باستقصاء التجربة والتفاعل معها بالطرق الصحيحة والمتنوعة، والنظر إلى الأمور بأكثر من وجهة نظر.
تشمل الثقافة الدين والطعام وما نرتديه وكيف نرتديه ولغتنا وزواجنا وموسيقانا وهي مختلفة في جميع أنحاء العالم.
الثقافة هي مجموعة من المعطيات الفكرية والعاطفية والمادية، والثقافة لا تورث بيولوجيًا وإنما عن طريق الاستيعاب وهو الذى يجعل الثقافة إرث اجتماعي ينقل خبرات من جيل إلى جيل، وبذلك تدخل الثقافة فى التنشئة الإجتماعية.
تحدد الثقافة على أنها أنماط مشتركة للسلوكيات والتفاعلات، والبنى المعرفية والفهم التى يتم تعلمها من خلال التنشئة الإجتماعية، يمكن النظر إلى الثقافة على أنها نمو لهوية المجموعة التي تعززها الأنماط الإجتماعية للمجموعة.
وليس الفرد مثقًفًا أن يكون قارئ كتب كثيرة، فالثقافة تعبر عن حالة العقل لدى الفرد من اتساع آفقه الذهنيه واتساع الثقافات المختلفة عنه فى ثقافته، فهي تشمل قبوله للأفكار الغريبة واحترام العقول وعادات وتقاليد الشعوب والأفراد المختلفة عنه.
ليس هذا النوع من الثقافة الذي قصدته يا صديقي، فتشيح الكلمة في الإنجليزية له وجه واحد فقط، وهو الوجه الذي ذكرته. لكن في العربية الأمر مختلف، فكلمة ثقافة لا تعني فقط ما عنيته أنت، وإنما تعني من جهة أخرى المعرفة نفسها، وقدرة الفرد على أن يعي ما حوله، وأن يستوعب العالم من حوله. البعض يأخذها من منحى كم المعرفة لديه، والبعض الآخر يأخذها من خلال كيفية التعامل مع الآخر. لكن الأهم أنني أعني أن الكلمة لها معنيين، لا معنى واحد.
من وجهة نظري الثقافة تتلخص في عدة نقاط.
التعليقات