مؤخرًا محكمة الجنايات بمدينة المنصورة طالبت بإذاعة إعدام قاتل الفتاة المصرية- التي قتلت أمام جامعتها- على الهواء في تصريحات متلفزة، هناك من أيد ذلك كي يبقى ذلك عبرة لمن تسول له نفسه بقتل الأبرياء في حين أن هناك من رأي بأنه قد يؤثر على نفسية الاطفال والنساء ومن يتصفون بأصحاب القلوب الضعيفة ، لهذا يرون أن حكم الاعدام من المفترض أن ينفذ بمنأي عن الاعلام وأن يكون في السجن لا غيره. ما رأيك؟
هل تؤيد اذاعة حكم الاعدام على الهواء؟
هذا يعود بنا للقرون الوسطى بأوربا وعصر الظلمات, حيث كان يتم جر المذنب أمام أعين الجماهير للمقصلة وهم يكيلون له السباب والشتائم ويهتفون بكل حنق: اقتلوه! اقطعوا رأسه!
لا يمكن القضاء على الجرائم بهذا النهج, هذا سلوك انتقامي عاطفي لإشفاء الغليل, فقط لأن هذه الجريمة لها وقع بالمجتمع وحركت العواطف يتم التعامل معها بهذا الاستثناء, وإلا فإنه يجب بث كل الإعدامات على الهواء مباشرة وهذا ما لا أراه معقولا بالمرة.
يجب محاربة الجهل والفقر والاكتظاظ والاهتمام بالصحة النفسية للمواطنين ووضع برامج حكومية خاصة بذلك, إن أردنا القضاء على هذا النوع من الجرائم, أما عرض المشاهد العنيفة فلن يحد من عددها مطلقا لأن القتلة لهم دوافع استثنائية غير متحكم بها, وعرض مشهد الإعدام لن يؤثر في العقلية الاجرامية للمجرم, كما أن الإنسان الطبيعي لن يستفيد من المشهد مطلقا لأنه لا يفكر بذبح أحد منذ البداية, كل ما سيحدث أنه سيتضرر نفسيا لا غير.
لا يمكن القضاء على الجرائم بهذا النهج, هذا سلوك انتقامي عاطفي لإشفاء الغليل, فقط لأن هذه الجريمة لها وقع بالمجتمع وحركت العواطف يتم التعامل معها بهذا الاستثناء
ليس سلوك انتقامي لكنه سلوك عادل، لأنها جريمة لابد من اتخاذ ردع عام يعدم هذه الأفكار والجرائم ولعل أن العقوبة لاتكون عقوبة إلا إذا أحدثت أثر قانوني. ورأينا أن جل المجتمعات والدول التي لا تملك ردع عام تتنامى فيها الجرائم.
برأيي ييموضوع إيجابيات وسلبيات. فسلبياته تتمثل في ما ذكرته ولكن من جهة أخرى أحد أسباب حصول تلك الجرائم هو فقدان هيبة القضاء خاصة في قضايا ظلم المرأة وإذاعة حكم الإعدام على الرغم من كونه فعل غير حضاري، إلا أنه يبرز هيبة القضاء ويجعل كل امرأة مظلومة تتشجع في اللجوء إلى القضاء.
لا أرى أي رابط مطلقا بين بث مشهد لإعدام الرجل على العامة وتشجع النساء للجوء للقضاء.
نحن نتحدث عن جريمة قتل وليس تعنيف أو تحرش.
الإنسان يتأثر بما يراه أكثر من تأثره بما يسمعه، فحتى ولو أعلن عن حكم الإعدام، إذاعته تظهر هيبة وعدالة القانون بشكل أكبر، وعندما تزداد هيبة القانون تزداد ثقة الفئة المستضعفة به. فكثر من النساء لا يلجأن إلى القانون لأنهن غير واثقات من أنه سيتم إنصافهن. ففي الكثير من الحالات السابقة لم ينصف القضاء المرأة وكان الرجال المتهمون يفلتون من العقاي أو يحصلون على عقوبات مخففة.
هذا يعود بنا للقرون الوسطى بأوربا وعصر الظلمات, حيث كان يتم جر المذنب أمام أعين الجماهير للمقصلة وهم يكيلون له السباب والشتائم ويهتفون بكل حنق: اقتلوه! اقطعوا رأسه!
ذكرتني بويليام والاس - الذي اختلف الاراء حوله هل هو مجرم أم أنه بطل ثوي- عندما تم قتله بطريقة همجية، حيث قاموا بتعذيبه كي يطلب الرجمة وعندما طلبها قاموا بشنقه، و ربط يديه بحصانين و قدميه بحصانين آخرين ثم أخرجت أحشائه وأحرقت جثته أمام أنظار الناس، الأمر مرعب حقًا. لكن جواد اذاعة حكم الاعدام في حاضرنا مختلف عن العصور السابقة و وبالأخص العصور الوسطى، كون سيترك أثرًا أخف وطأة- بكثير من الاعدامات السابقة- عن الاعدامات في العصور السابقة!
لا اعلم قد اتفق او اختلف مع هذا الطرح وان كان من الممكن حضور اسرة المقتول ومشاهدة القصاص العادل على هذا القاتل ولا داعي ان تبث هذه المشاهد على الملئ حيث لن تكون مناسبة للجميع.
لا أرى أي داع لذلك سوى العودة للعصور الوسطى والتشفي بمشاهد القتل والدماء التي أوشكت أن تصبح طبيعية في المجتمع.
لا يمكننا أن نضع فارقًا بين القتل ونقول للمشاهد هذا مشهد لقتل عليك أن تحزن بسببه وهذا عليك أن تفرح بسببه.
القصاص هو العدل نعم ولكن لا سبب لإذاعته على الهواء فهذا لن يغير من النتيجة. والقصاص بقدر الجريمة نعم لكن إن كان الفعل بشعًا بما فيه الكفاية فلماذا التكرار وإحداث الضرر النفسي والاعتياد على المشهد؟
قال نيتشه يومًا "احذر وأنت تحارب الوحش أن تصير وحشًا مثله" والتشفي بمشهد القتل البشري لن يكون يومًا سوى بداية تحولنا لوحوش في رأيي.
لا أرى أي ميزة في هذا الأمر، فأنا أجد أن الجانب القانوني هنا يتلاعب بسلاح شديد الخطورة، حيث أننا أمام محاكمة الغرض منها -اجتماعيًا على الأقل- حصر أحداث العنف والتنديد بها بأكثر الطرق صرامةً. لكن من جهة أخرى، إذاعة سلوك مثل هذا، حتى إذا كان في إطار القانوهن، لن يجدي ولن يكون سوى صورة أخرى من صور العنف التي تصدّر للمزيد من الأشخاص، ناهيك عن أزمة شاشات العرض وصعوبة السيطرة عليها، لأن هنالك احتمال وإن كان ضئيلًا جدًا أن يصق المشهد أمام طفل أو شخص لا يناسبه هذا المستوى من العنف.
أعتقد لابد في بعض الجرائم أن ينفذ حكم الاعدام على الملأ ليكون الشخص المجرم عبرة لغيره، واذا نظرنا إلى الجانب الحقوقي أن 7" حكم الاعدام " لايتماشى مع حقوق الإنسان لانه يفتك " بحق الحياة" وتدعو المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى الالغاء الشامل لعقوبة الاعدام.
سيُعدم يا رفاق ..
سيأخذ نصيب ما فعل، واللّه أراد له أن يذهب طاهرًا من ذنبه، ارتكب جُرمًا وقتَل وكان العقاب ؟!
أُهين ويكأن الذل حين يكتب على شخص يموت بدل المرة اثنين، وسيُعدم، انتهى.
لا أهوّن ممّا ارتكبه، لكن يكفي ، أريد أن أقول لكل شخص سيبادر في الخوض في الحديث أن واللّهِ من قتل ثم أخذ عقابه في الدنيا فهو ذاهب إلى مولاه بلا ذنب، أريد أن أحدثهم أن يكفُّوا عن الخوض فيها وفيه بعد موتهما ..
لقد رأينا في مذلته كل العِبر والعظة، لقد رأينا في حالته النفسية وهو يعلم جرّاء بشاعة ما فعل ، واللّه قد اقشعّر بدني من نبرة صوته وأنا في دواخلي أردّد :- ياربّ ثبتنا في لحظة قد يذهب فيها العقل ويُفقد فيها الحول والقُوى.
لم يُبثّ الإعدام !
سيقولون من العدل أن يتم العقاب بنفس صورة الجُرم ؟
وسأقول أننا شعوب في عز غلبة عاطفتها إلّا أنها يستهويها أن ترى بشاعة الأحداث _ طالما أنّ المُصاب ليس مصابنا _ نحزن ونتأثر لفترة ونعود لوتيرتنا، ومن الإعلام ما يستهويه التقاط الصورة، ومن الصفحات ما تترصد الفرصة لتلحق بقائمة الأكثر مشاهدة!
فلا أفجعنا اللّه في عزيز ، وثبّتَنا.
لا أفجعنا اللّه في عزيز، وثبّتَنا.
التعليقات