في موقف سابق، تعرض أحد أفراد عائلتي للإساءة من قبل أحد الأشخاص، وبالطبع في هذا الوقت غالبًا ما يغيب أي تفكير منطقي للحوار، فأظهرت بعض العدائية في هذا الموقف، ولكني حاولت السيطرة على شعوري حتى لا أتسبب بمشكلات لأهلي، لأنهم عادةً يفضلون استخدام الأسلوب الحكيم في التعامل مهما كان نوع الموقف، وعلى الرغم من اتفاقي مع أسلوبهم، إلا أنني في وقت هذا الموقف، كنت أرى أن إظهار بعض العدائية سيفي بالغرض وهو توضيح الحدود في التعامل، لذا؛ هل الحكمة تعني دائمًا التعامل بهدوء في المواقف مهما اختلفت؟
العدائية.. الحكمة، كيف نختار الأسلوب الأنسب للتعامل مع شخص يسئ إلينا؟
الهدوء لا يكون دائمًا مناسب بالطبع خصوصًا في الأمور الواضحة في التعدي على حق من حقوق الآخرين سواء بالحديث أو بالفعل وهنا في رأي يكون رد الفعل الصارم والشديد في محله، فالهدوء ليس قاعدة لكن التريث في كثير من الأحيان يكون مناسب فقط لحساب الأمور بشكل جيد ودون انفعال لكن التريث لا يعني أن يكون رد الفعل النهائي هادئ بل قد يكون أشد.
وكنت أتناقش منذ أيام مع أحد الأصدقاء عن رد فعل زيدان في نهائي كأس العالم عندما ضرب ماتيراتزي وكان هو من رأي ان رد الفعل هذا ليس مناسب مهما كان السبب، وكنت أنا مناصر لفكرة أن بعض الأمور قد تستحق رد الفعل هذا فإذا كان الذي انتشر بأنه سب أمه أو أخته مثلًا صحيح فهنا لا أرى مشكلة في رد الفعل العنيف بل بالعكس يكون هنا في محله تمامًا.
ليس فقط نوعية الموقف هي التي تحكم بنوعية رد الفعل، بل شخصية الطرف الآخر لها عامل مهم، فهناك شخصيات التعامل معهم بحكمة تجعلهم يتمادوا بخطأهم وأسلوبهم العدواني، وهذه الشخصيات ترى الحكمة ضعف، والاحترام بطلب الحق ضعف أيضا، لذا العدوانية معهم ليست خطأ بل بمحلها، أحيانا هناك أشخاص يجب ان يدركوا أن لدينا اظافر نخربش بها، حتى يلزموا حدودهم ولكن كل هذا في إطار الاحترام، وليس الضرب كما فعل زيدان ههههه.
الحكمة تعني أن تتصرف مع كل موقف بما يناسبه فقد يكون الرد العنيف حكيم في بعض الأحيان طالما كان منطقيًا، والعنف يكون مبرر في بعض الأحيان برأي فماذا تفعل على سبيل المثال مع شخص يسب دينك مثلًا أو أمك أو أختك وما إلى ذلك، فإن رددت عليه بالسب أيضًا أصبحت مرتكبًا لذنب والسكوت غير وارد في مثل هذه المواقف بالطبع، أما أن تدافع عن شرفك ودينك فلا حل حينها سوى استخدام القوة.
أريد أن ألفت نظرك أن أسلوب الحكمة أحيانًا يكون من باب المسؤولية والتخوف من حدوث مشكلات لاحقة لأحد الأفراد، خصوصًا لو أن الطرف الآخر شخص مؤذي ويمكن أن يورطك في مصائب لا تنتهي، لذا هناك عوامل مختلفة تؤثر على قرارك سواءً باستخدام الحكمة أو العدوانية.
العدائية ليست شرطا أن تكون بالضرب، ولكن ممكن بالقول، الفكرة ألا يصل للطرف الآخر والذي يرى أن القوة تكمن بالقدرة على الأذى أن لدي قدرة على الأذى أيضا
حسنًا، المشكلة كما ذكرتها، أن وقت الغضب عادة لا نفكر في العواقب، بمعنى أننا نتصرف بناءً على تعصب وتحيز واندفاع، ولا نضع في حساباتنا التبعات اللاحقة، التي قد تكون أشد وطاة من الموقف نفسه، ولذلك أنا أتفهم منظور أهلي للتمسك بنقطة الرزانة والحكمة في كل الأمور، ولكني شخصيًا أرى أن الحزم واحيانًا الغضب (دون اللجوء للعنف الجسدي) لهما دورًا كبيرًا في عملية المواجهة واسترداد الحقوق، لأني طالما لم أخذ حقي سيظل هذا الموقف عالقًا في ذاكرتي، يتكرر بشكل لا نهائي بسيناريوهات مختلفة كان بإمكاني التصرف وفقها، وهذا بدوره سيخلق نوعًا من الغضب المتراكم داخليًا، وسيظهر في مواقف لاحقة في أشكال مختلفة من التوتر والعصبية.
الفكرة أني أرفض هذا الخط الأحمر الذي يضعه الكثير من الناس وأعني بهذا عدم اللجوء للعنف على الإطلاق ومهما كانت الظروف ومهما كان الموقف، فالسلمية ليست مبدأ مطلق يجب تطبيقه في كل الأحوال، لكن المطلوب أن يكون هناك حكمة وألا يكون العنف أول الوسائل التي نفكر بها لكن بالعكس يكون آخرها وعندما نعجز عن غيره.
سمعت حكمة من قبل تقول أنه "كلما اقترب الفرد من عقله الهادئ كلما اقترب من القوة"، فالهدوء والحكمة في جميع المواقف سيؤديان إلى الأغراض المطلوبة منهما، وذلك سواء للوصول بالنقاش إلى نقطة الحل أو لاسترداد الحقوق بطريقة مميزة دون التسبب في إحداث تفاقم للمشكلة، كما أنها تقي من سوء الفهم على عكس العدائية التي تؤدي إلى تحويل الحق إلى باطل في جميع الأحوال، إذ إنه عادة ما يخرج صاحب الحق ذو الموقف العدائي والصوت العالي من المشكلة وكأنه السبب الرئيسي في حدوثها.
لذا أفضل التعامل بالهدوء والحكمة في هذه المواقف، ولا أقصد بالحكمة والهدوء أن يتخلى الفرد عن حقه، بل أقصد هنا النقاش البناء للمشكلة والسعي إلى إيجاد الحل المثالي لها وإرضاء جميع الأطراف، وفي نفس الوقت التحلي بالقدرة على أخذ الحق وعدم السماح بالإهانة في المواقف التي تستدعي ذلك، ولكن دون استخدام العنف والكلمات البذيئة التي تزيد من حدة المشكلة.
بل أقصد هنا النقاش البناء للمشكلة والسعي إلى إيجاد الحل المثالي لها وإرضاء جميع الأطراف
كيف تقنعين بالنقاش شخصا لا يعترف به؟ هذا لن يستجيب حتى وربما يقابل دعوتك باستهزاء. إذا استطعت فعل ذلك فهنيئا لك، وإن لم تستطيعي -وهذا ما سيحدث غالبا- لأن من الصعب تهدئة شخص ثائر.
فبدلًا من ذلك، أنا أميل إلى إشعاره بالنقص وبأن لديه خللا عليه إصلاحه. لماذا نستعمل العنف أو الهدوء الذي قد يُفسر على أنه ضعف، في حين أن لدينا سلاح أقوى وهو إخراجه بصورة الظالم المخطئ في حق غيره. هذا سيتدعي منا جزءًا من الحكمة كذلك. بعض الناس تضيع حقوقها بنفسها وتصبح مخطئة في نظر الكل بسبب التصرفات المتهورة مع أن الحق كان لها منذ البداية.
إشعاره بالنقص وبأن لديه خللا عليه إصلاحه
أعتقد أن هذا الأسلوب سيزيد من حدة المشكلة لا محالة، فالنفس دائمًا تحب من يشعرها بأهميتها والأسلوب الهادئ هنا إذا لم يؤدي إلى حل المشكلة فهو على الأقل سيمتص غضب الشخص الثائر ويقلل من حدة الخلاف، أما إشعاره بالنقص وأن لديه خللا فقد يؤدي ذلك إلى مشاجرة في نهاية الحوار لأنه سيسعى هو الآخر إلى رد الأمر الذي قد يفسره على أنه إهانة.
قد يُفسر على أنه ضعف
من يفسر الهدوء والتحضر على أنه ضعف لا يستحق أن نضيع الوقت في محاورته، لأنه لا يُدرك الغرض الحقيقي من النقاش البناء، وأود أن أوضح لكِ عزيزتي أن الهدوء الذي أقصده لا يتعارض تمامًا مع أخذ الحق.
أنا أميل إلى إشعاره بالنقص وبأن لديه خللا عليه إصلاحه. لماذا نستعمل العنف أو الهدوء الذي قد يُفسر على أنه ضعف، في حين أن لدينا سلاح أقوى وهو إخراجه بصورة الظالم المخطئ في حق غيره
أنا أتفق مع أسلوبك الخاص بالمواجهة والتحدث بالحقائق الواضحة بالنسبة للطرفين ومن خلالها نصل لمن له الحق، ولكن لاحظي أن هذا التكنيك السيكولوجي لن يصلح في كل المواقف، خصوصًا لو أنكِ تتعاملين في مواقف مفاجئة لا تعرفين فيها الأطراف الأخرى، وبالتالي لا تستطيعين استخدامه، لذا تجدين نفسك أمام حلين إما تصعيد الأمر أو تهدئته.
خصوصًا لو أنكِ تتعاملين في مواقف مفاجئة لا تعرفين فيها الأطراف الأخرى، وبالتالي لا تستطيعين استخدامه
بالعكس هذا وقت أنسب لاستخدامه. حين يكون الجدال مع شخصٍ غريبٍ عنا. تصيد تصرفاته لتخبريه بأنه مريض ويحتاج إلى العلاج. أو السكوت مثلًا وسؤاله: "هل أنت متأكد من أنك بخير؟"
أنا أميل إلى إشعاره بالنقص وبأن لديه خللا عليه إصلاحه.
وربما هو محق في غضبه، وفي هذه الحالة سأكون أنا الشخص المخطئ أو المؤذي لأنني أشعره أن ما يفعله غير طبيعي مع أن لديه كامل الحق فيه، وفي هذه الحالة يمكننا أن نترك الشخص يعبر عن غضبه طالما لا يبالغ أو يتجاوز فيه، ومن ثم يمكن مناقشة المشكلة معه بهدوء للعمل على حلها، وهنا أنا أتحدث عن الغضب الطبيعي وليس شخص لديه مشاكل مع الغضب والتحكم فيه، فتكون هذه هي الطريقة الوحيدة للتعبير عنه نفسه، فهذه مشكلة أخرى لا علاقة لها بأي سبب غضب من أجله، ويجب معالجة مشكلة الغضب في هذه الحالة بمساعدة المختصين وإلا سيكون من الصعب العيش مع هذا الإنسان من الأساس.
ما أشرتِ إليه بسمة في الجزء الأول من تعليقك صحيح، وهو المرجع الأمثل في أغلب حالات الخلاف، لكن الأكيد أن هناك طائفة من البشر لن يجدي معهم الحوار، ولا يمكن إشراكهم في محاولات إرضاء جميع الأطراف، ومن المستحيل الوصول معهم إلى حل منطقي فضلًا عن أن يكون مثالي! كما أن تلك الطائفة يستغلون هدوءنا لهضم حقوقنا أو استغلالنا أو التقليل منا، فما يكون التصرف الأمثل برأيك مع هذا النوع من البشر؟
ل أقصد هنا النقاش البناء للمشكلة والسعي إلى إيجاد الحل المثالي لها وإرضاء جميع الأطراف، وفي نفس الوقت التحلي بالقدرة على أخذ الحق وعدم السماح بالإهانة في المواقف التي تستدعي ذلك،
عادة لا تجتمع نقاط النقاش البناء وأخذ الحق وتراضي جميع الأطراف في مختلف المواقف، بل في الأغلب يكون هناك طرفًا خاسرًا، وهذا متوقع وطبيعي. وعلى الرغم من اتفاقي معك في تعليقك من الناحية المنطقية، ولكن عمليًا هو مثالي بعض الشيء، في الأغلب نهاية بعض المواقف تكون برضوخ أحد الطرفين (حتى لو كان بإرادته وللحفاظ على قيمه ومبادئه) وفوز الطرف الآخر (حتى لو كان عن احتيال)، لذا الأمر عائد في النهاية لمبادئ الطرفين وما هو على المحك بالنسبة لهما سويًا، لأن هذا ما سيحدد موقف كلًا منهما في إدارة الحوار.
أولا أتمنى أن تكونوا بخير وأن يكون الموقف مر بسلام لكِ وللعائلة، والحكمة تعني استخدام الأسلوب المناسب في المواقف المناسبة وبناءا على فعل الشخص المسيء نفسه، فالهدوء يعد هو الحكمة بعينها وخاصة لو موازين القوى غير متكافئة فليس من الجيد دخول صراع سينتهي بالخسارة والمزيد من المشاكل، ولكن في أوقات أخرى يكون التعامل بحزم مع هؤلاء الأشخاص يكون حكيما أيضا ليعرفوا أن هنالك من لا يرضى ولن يصمت على هذا التصرف ولكن أن تتعامل بحزم يجب أن يكون لديك من هو بجانبك ويدعمك حتى لا تجد نفسك تواجه وحيدا وتدخل في عواقب غير جيدة لك، فالدعم ممن حولك شيء مهم، وفي موقفك ما دام الدعم غير موجود فالحكم هنا أن تتعامل بهدوء وهذا الهدوء يدل على قدرتك على تخطي المواقف والتعامل معها بأقل الخسائر الممكنة. ويمكنك في المستقبل من أخذ حقك لو أردت ذلك سواء بالقانون أو بالأحكام العرفية في المجتمع.
خاصة لو موازين القوى غير متكافئة فليس من الجيد دخول صراع سينتهي بالخسارة والمزيد من المشاكل
أولًا شكرًا لك، ثانيًا تعليقك منطقي جدًا وهو الأقرب لما حدث بالفعل، ولكن أحيانًا يرى البعض أن عدم اتخاذك موقف أو التصرف بعنف، يدل على عدم قدرتك على المواجهة. ولكن في الحقيقة أنا اتفق مع جملة "اخذ الحق حرفة"، بمعنى أن موقفي بالحكمة أو العدائية متوقف على عوامل كثيرة أهمها المسؤولية ووجود دعم كما ذكرت، فبالتالي اتخاذي لأي قرار متوقف على سرعة البديهة في تخيل التبعات اللاحقة لموقفي وتأثيرها على من حولي، ومنها سيكون قراري مبني على ما أراه مهمًا بالنسبة لي لا بالنسبة للموقف.
التعليقات