جميعنا سمع بمقولة الانسان يقاس بالعقل وليس بالعمر، أرى أن هذه المقولة صحيحة تمامًا، لكن السؤال الذي يدور في مخيلتي الآن، هو كيف تقاس العقول؟
الانسان يقاس بالعقل وليس بالعمر، لكن كيف تقاس العقول؟
بالتأكيد قد نجد أشخاصًا باعمار كبيرة ولكن عقولهم فارغة تمامًا. والعكس صحيح، حتى الاشخاص التي تحمل شهادات عالية، لا يمكن أن نقول أنهم واعيين.
فبرأيي العقل يقاس بالأفكار التي يحملها الشخص، العقل يقاس بمدى قدرة الشخص على نقاش من هو مختلف عن وجهة نظره، العقل يقاس بكيفية تقبل الشخص للنقد البناء الذي يحصل عليه من أشخاص متعددة في حياته، العقل يقاس بالمواقف وغيره لا أن نقول أن هذا الفلان بلغ من العمر عتيًا، إذًا عقله متفتح و واعي ومن هذا القبيل.
فبرأيي العقل يقاس بالأفكار التي يحملها الشخص، العقل يقاس بمدى قدرة الشخص على نقاش من هو مختلف عن وجهة نظره، العقل يقاس بكيفية تقبل الشخص للنقد البناء
بالفعل هدى، الأفكار وتقبل الآراء وغيرها من تلك الأمور دليل على أن هذا الإنسان ناضج بما يكفي ولديه من الفهم والاستيعاب ما يضعه مع قائمة الأشخاص الكبار وإن كان عمره صغيرًا. ولكن كيف يمكننا الحكم على الشخص بأن لديه نضوج فكري برأيك؟
حتى الاشخاص التي تحمل شهادات عالية، لا يمكن أن نقول أنهم واعيين.
ربما يحدث هذا ولكن مع نسبة قليلة، فالنضج الفكري مرتبط بالمخزون المعرفي للشخص ومدى امتلاكه للمهارات المختلفة، بالتالي من يحمل الشهادات ونجح في الحصول عليها بمجهوده هو شخص ناضج.
ذكرني سؤالك بقصة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز حين سأل ورد عليه غلام، فقال له:
لينطق من هو أسنّ منك.
فأجابه: أصلح الله أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه... ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسنّ لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك منك.
وفي نهاية المجلس أثنى أمير المؤمنين على الغلام فقال:
تعلم فليس المرء يولد عالمًا وليس أخو علم كمن هو جاهل.
فإن كبير القوم لا علم له صغير إذ التفت عليه المحافل.
كذلك هو الحال، فالانسان لا يقاس بعمره بقدر ما يقاس بعلمه وحكمته وأدبه.
هذا الكلام رائع يا دليلة، وأنا أومن به فعلًا. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الوعي الجمعي للمجتمع، حيث أن العديد من الأشخاص يردّدون هذا الكلام. لكن عند النقكة الفاصلة التي يتم فيها تطبيق مثل هذه المعايير داخل موقف ما، يسحب الجميع كلامه ويبدأ في التبريرات. فإذا جئنا مثلًا بمبدأ تطبيقي لهذه الفكرة في الزواج، فأكّدنا أن فارق العمل بين المرأة والرجل ليس معيارًا، فإن العديد من الأشخاص سيرفضون المبدأ، هكذا هو الحال في التوظيف والخبرة، وغيرهما من المواقف. فكيف يمكننا أن نبث هذه الثقافة في المجتمع في رأيك؟ هل الأمر متعلّق بالتعليم أم بالوعي الثقافي؟
فكيف يمكننا أن نبث هذه الثقافة في المجتمع في رأيك؟ هل الأمر متعلّق بالتعليم أم بالوعي الثقافي؟
اذا اعتمدنا على التعليم وحده فإننا لن نغير الشيء الكثير، وإنما علينا توعية أرباب الأسر ويمكن أيضا توعية المربين لأطفال ما قبل التمدرس أي التحضيري ومن ثمّ التعليم الذاتي، فنحن الذين لم نتلقى هذا التعليم يصعب علينا تقبله وتطبيقه، ولا ننسى أن هناك الأنا والكبرياء في الموضوع، يمكننا إدراك ذلك في أنفسنا وتصليح ذلك.
مثلا: أنا شخصيًا أحيانًا أرفض رأي شخص أصغر مني وأجد حجج قد لا تكون منطقية ثم لاحق أعترف بيني وبين نفسي وأحاول علاج الأمر بيني وبين نفسي.
- تقاس العقول بمدى منطقية الرأي، فالرأي السديد دليل على رجاحة العقل، وهذا لا علاقة له بالسن، بل بالعقلية نفسها، فهناك من صغر سنه وحسن كلامه ورأيه، وهناك من كبر سنه وإذا تحدث أفصح عن عقل خَرب لا يؤخذ له رأي ولا تطلب منه مشورة ولا يُحكَّم بين متنافرين وإذا حكَّم لزاد الفجوة بينهما.
- وتقاس العقول بمدى تقبل الرأي الآخر وثقافته وطريقته في الحياة، فالعقول المنغلقة على نفسها صغيرة، والتي تهاجم غيرها لمجرد الإختلاف في الرأي صغيرة، والتي لا تقبل إلا أن تسمع ما يوافقها من كلام صغيرة، وليس معنى تقبل الرأي الآخر أن تؤمن أنت به، بل معناه أنك تؤمن أن هذا الشخص له كامل الحق في التعبير عن رأيه وإن كان مختلف عنك.
- وتقاس العقول في الأوقات الصعبة التي تتطلب قرارات حاسمة وسريعة وقوية، فهناك من يدعي الحكمة وإذا ما مر بظروف شديدة نغصت عليه حياته انقلب ثباته تخبطاً وتحولت حكمته لحماقة، وتبدلت آراءه من علياء العقل إلى أسافل الجهل، فالأوقات الصعبة تبين مدى صلابة العقل وكفاءته وقدرته على إدارة الحياة بمشكلاتها.
- وتقاس العقول بالرقي في التعامل، فأصحاب العقول الكبيرة دائماً ما يحترمون الجميع بغض النظر عن السن أو درجة التعليم، فهم يحترمون الإنسان لذاته دوناً عن أي اعتباراتٍ أخرى، على عكس أصحاب العقول الصغيرة الذين يحكمون على الناس بما لديهم من مال او شهادات.
- وتقاس العقول بكيفية استخدامها لذلك العقل، فهناك من يستخدمه في الإحتيال وأكل حقوق الناس وآخر يستخدمه للعلم والمعرفة وتقديم الإفادة لنفيه ولمن حوله.
- تقاس العقول كذلك بما تحمله من أفكار، فإذا كانت الأفكار العظيمة فإنها تنم عن عقل عظيم .والعكس.
يقال بأن في الشدة يقاس فيها الصبر وبالمحبة تقاس المواقف وفي النقاش يقاس العقل، لذلك يمكن ان نختبر عقله بقدرته على إثراء النقاش والصبر أثناء المناقشة والإصغاء للغير بإنتباه وقبول الإختلاف.
وفي الصدد تذكرت حكمت الإمام علي عليه السلام حيث قال :لاتقاس العقول بالأعمار...فكم من صغير عقله بارع..وكم من كبير عقله فارغ. لذلك لا يمكن أن نقيس الشخص بعمره، ولا يمكن أن نحكم عليه بإنطباعه الشخصي ولا بمستواه العلمي إلا بعد أن نجول ما في حوارٍ معه يجعلنا نختبر عقله وما يدور في ذهنه من معرف وأفكار.
التعليقات