يطمح الجميع بدرجات متفاوتة لتحقيق أكبر قدر من التوافق مع توقعات مجتمعه ليضمن له مكانة مرموقة في المجتمع، وقد يلجأ البعض لإرتداء ثوب بهيّ الحلة كلما خرج لمواجهة هذا المجتمع، وعندما يعود إلى خلوته سرعان ما يتعرى من ذلك الثوب ليبقى قليلاً مع حقيقته التي لا يطلع عليها سواه .. سمات شخصيته الحقيقية، ما يحب وما يكره، اهتماماته كل تلك الأمور التي تم اخفاؤها جزئياً أو كلياً عن مجتمعه للكثير من الأسباب أهمها الضغط المجتمعي والخوف مما أسميه "لعنة الإستبعاد" .. وبطبيعة الحال سيقع هذا الشخص في نفاق وأكاذيب لا خلاص منها، يقول الشاعر محمود سامي البارودي :
لِأَيِّ خَلِيلٍ فِي الزَّمَانِ أُرَافِقُ
وَأَكْثَرُ مَنْ لاقَيْتُ خِبٌّ مُنَافِقُ
بَلَوْتُ بَنِي الدُّنْيَا فَلَمْ أَرَ صَادِقَاً
فَأَيْنَ لَعَمْرِي الأَكْرَمُونَ الأَصَادِقُ
ولكن يا شاعرنا المحترم، هل نلقي باللوم كلياً على هؤلاء الأفراد الذين اضطروا للاختباء خلف الأكاذيب المجتمعية السائدة ؟ أم أن ما تفرضه المجتمعات من ضغوطات على الفرد منذ نعومة أظافره ليتخذ شكلاً معيناً قد لعبت دوراً كبيراً في صنع هذه الشخصيات المنافقة المضطربة التي تشتكي منها .. ما أعنيه هنا أن المسؤولية مشتركة بين الطرفين "الفرد والمجتمع" .. ما رأيكم هل تتفقون معي في هذا الرأي ؟
عفواً أحبتي ولكن للتوضيح، أنا لست أناقش هنا العلاقات الإنسانية كالصداقة مثلاً بل أتحدث عن تلك الوجوه التي نمتلك منها جميعنا ونرتديها في المناسبات أو في الشارع أو حتى في الزيارات العائلية، وما إن يحدث تسرب لحقيقتنا أمام الملأ حتى تبدأ النظرات الحادة بمطاردتنا لمعرفة ما الذي دهانا !
ستقول لي، لقد تعايشت مع الأمر وما أفعله ليس سوى مسايرة للمجتمع حتى تستمر الحياة أي أنني لست منافقاً تماماً .. ولكن سأشاركك أبيات تحمل وجهة نظر أخرى عن أثر هذا النفاق الإجتماعي علينا، يقول الشاعر :
فإن يغز النفاق ديار قومٍ *** فموعدهم هلاك واندثارُ
وكم أمم بلا خلق تهاوت *** و أمست حول ساقية تُدار
إذا نحن موعودون بهلاك واندثار قريب إذاً .. هل ترون الأمر محتمل الحدوث أم أنه يحدث بالفعل ؟
وصلنا إلى ختام هذه المساهمة والتي أحب أن أختمها بسؤال : هل تملكون شخصية متوافقة مجتمعياً إلى جانب شخصيتكم الحقيقية، وكيف تتصرفون في مواجهة المجتمع المنافق أو الذي يطلب شكلاً معيناً لأفراده ؟
التعليقات