قد يكون هذا العنوان صادما، وقد يتوهم البعض أنني أتحدث في الفراغ. أو أنني أقصد الاستفزاز. كلنا مصلحيون مع الشعر كغيرنا من ذوي المصالح الأخرى. لكن رويدك فهذا العنوان يحيلنا إلى صورة قديمة جدا من صور المصلحية التي تتربص بالشعر والشعراء معا. صورة عنترة بن شداد الذي يخبرنا عن معاناته مع هذه المصلحية عندما كانت القبيلة تحتاجه فهو الفارس والمقدام والطيِّب، وفي غير حاجتها له فهو المُهان المدفوع بالأبواب:

ينادونني في السلم يا ابن زبيبة *** وعند صدام الخيل يا ابن الأطايب

أما عن صورة المصلحية في عصرنا فغالبا ما يحضر الشعر على ألسننا على سبيل التفكه في كلمة نلقيها، وقد ألجأتنا إليه بضاعتنا المهلهلة في النظر والحجج العميقة. لذلك نلوذ بالشعر او نمارس على الجمهور أحبولة استدعاء شاهد شعري لاستمالته إلى أفكارنا أو لتمرير رسالة آنية. الشواهد كثيرة على هذا كثيرة، مثلا ففي سياق إفادات مفوض الاتحاد الأوربي في زمن كورونا كان غالبا ما يختتم إيجازاته الصحفية بمقاطع من قصائد لشعراء من أمريكا وأوروبا تتمم رسالاته وإفاداته. من ذلك مثلا تذكيره بقصيدة الربيع لفيكتور هيكو:

ها هو ذا إذن الأيام الطويلة؛ النور، الحب، الهذيان !

ها هو ذا إذن الربيع ! مارس، أبريل ذو الابتسامة الحلوة،

مايو المزهر، يونيو المحرق، كل الأشهر الجميلة صديقة !

وأشجار الحَور، على شواطئ الأنهار النائمة،

والمساء مليء بالحب؛ وفي الليل، نعتقد أننا نستمع..

عبر ظل فسيح وتحت سماء مباركة،

لشيء سعيد يغني في اللانهائي.

حقا يبقى الشعر هو صوت الحكمة في زمن العي والعجز عن الإقناع خاصة في ظروف عصيبة كتلك التي عاشها العالم أيام كوفيد (كورونا). أليس هذا من المصلحية؟ وأنتم ما رأيكم أننا مصلحيون في التعامل مع الشعر، بحيث لا نلجأ إليه إلا عند حاجتنا له؟