فجأة يُطرَق بابي ويدخل صديقي معه شنطة سفر ويقول لي: هل يمكن أن أقضي عندك هذا اليوم؟ - قلت له أكيد ودخل، وحكى لي قصة شجاره مع والده بسبب مشاكل عائلية كان مضطراً لكي يفصل فيها أن يخوض بعض الحوارات الحادة التي لم يتقبلها أبوه وصار يزعجه عليها كثيراً فاضطر للهروب من المنزل، وحين خرج طلب منه أبوه أن لا يعود للبيت أبداً رغم أن صديقي لا
في مثل هذه الحالة كنت عاجزاً تقريباً عن التصرّف، لا أعرف ماذا يمكن أن أتصرّف نهائياً وقبل أن أقول لكم كيف تصرفت أريد أن اسمع كيف يمكن أن تتصرفوا أنتم. شاركوني آرائكم!
أول شيء سأفهم ما حدث بالتفصيل لأتمكن من حل المشكلة، وسأعمل على تهدئته أولًا وإعلامه بأن الوالد عندما يتشاجر معه أو يطلب منه ألا يعود للمنزل لا يقصد ذلك تحديدًا، وإنما هي مجرد كلمات يعبر بها عن غضبه ولكنه في جميع الأحوال لن يستطيع الاستغناء عنه، وبعد النقاش والتأكد من أنه قد هدأ تمامًا سأحاول الأتصال بوالده والحديث معه بعد مرور الوقت الكافي ليزول شعوره بالغضب تجاه أبنه، وسأحاول امتصاص الغضب وتوضيح أن ما حدث مجرد سوء فهم ولا مانع من تحسين الوضع ببعض الكلمات التي تجعل قلب الأب يرق ويستقبل أبنه بشكل جيد عند عودته.
سأحاول الأتصال بوالده والحديث معه بعد مرور الوقت الكافي
ألا تعتقدين أنه من الصعب أن يقبل الوالد فكرة تدخل الصديق في المشكلة وقد يؤدي ذلك إلى تعقيد المشكلة بدلًا من حلها؟ لأن الوالد في النهاية سينظر للصديق على أنه شخص غريب وأن ابنه استنجد بالغريب في موضوع خاص به مع أبوه.
سبق لي حل مشكلة شبيهة بنفس الأسلوب، وشعر والد صديقتي وقتها بالحرج نوعًا ما عندما تحدثت إليه، وبعدها قام بالتعبير عن سعادته لأنني مهتمة بالأمر وحريصة على جعل الأمور تسير بشكل أفضل، وكان رده في النهاية هو أنه سيسامحها لأجلي هذه المرة، لذلك أعتقد أن الفكرة ستنجح بنسبة كبيرة.
الآن سأحكي لك أن الأب لم تكن هذه مرّته الأولى التي يقوم بطرد ابنه أو قول له ذلك، حتى ان صديقي قال لي أنه يبدو أنه يخطط لكي يتزوج بالمنزل مرة أخرى بعد وفاة والدته، ولذلك يعمل على طرد ابنه.
ليس كل الآباء برأيي لا يعنوها للكلمة حين يلفظوها ولكننا نحن من تعوّدنا على حسن الظن ورضا الوالدين بكل الطرق الممكنة حتى بتنا أحياناً نضلل أنفسنا لتحقيق هذا الهدف
على الرغم من تعقيد الحالة أصلًا، ولكن عندما أتخيلها من زاويتي كفتاة تصبح أشد تعقيدًا، على الأقل الشاب يمكن أن يدبر نفسه بأي طريقة، لكن في حالة الفتاة قد يتحول الأمر إلى حالة تبني إذا رفض الأهل رجوعها!
ولكن عمومًا الحل المنطقي الوحيد الذي جاء ببالي هو تفويض الموضوع لأطراف أخرى في الأسرة كالأعمام أو الخلّان، وطلب تدخلهم سواء بمحاولة إقناع الأب والأم بمسامحة الإبن والسماح له بالعودة أو جلبه للعيش معهم في النهاية هؤلاء أهله وسيتحملون مسؤوليته، طبعًا حتى تهدأ الأمور وترسو على بر سيقيم معك إجباري.
ولكن ما أسوأ هذا الموضوع على نفسية شاب يريد أن يدخل وساطة بينه وبين ابوه لكي يستطيع العودة إلى منزله والعيش بسلام، من أسوأ المواقف التي قد يتعرض لها شاب في حياته، هذا الأمل ثقيل برأيي على نفسية وكرامة الإنسان وصعب، تحمّل هذا الأمر صعب جداً ولا أعرف كيف يمكن أن يتكيّف نفسياً الشاب بعد خوض هذا الأمر.
أعلم هو صعب، ولكن كل الخيارات المتاحة في حالة كهذه صعبة، سواء أن يعيش بعيدًا عن والده ويقاطعه ويظلّ يشعر بالأسى على ما تعرض له، أو أن يعود فيطرد مجدداً، أو يدخل وساطة من الأهل وتنجرح كرامته، أو يعيش مع أحد أفراد أهله البعيدين ويدخلهم في حرج دائم مع أبيه!
انت لم تذكر القضية التي اختلف عليها الاب والابن ولذلك ستكون الاجابات عمومية.. ولكن الأهل أحيانا يرون في ابنهم تسليماً للكسل ويجدون أفضل الطرق لتعليم الابن المسؤولية هي رميه في وسط الحياة ليوم أو يومين ليستيقظ ويعرف امكانياته ومدى ضرورة أن يقوم بتطوير نفسه واذا كان لديه قناعات فليقم بتمويلها وتحمل تبعاتها.
جملة " وحين خرج طلب منه أبوه أن لا يعود للبيت أبداً" اظنها مجازية، اعني أن الأهل في هذه المواقف يكون نصف كلامهم من خارج قلبهم، لنفرض بأنه قالها وقصدها حقاً فإن صديقك يجب أن يستثمرها بشكل ايجابي قدر المستطاع وتكون تحدي ليثبت صحة قراره.
صحيح، فقد رأيت مواقف كهذه كثيرا، ولا يكون الأهل يقصدون ذلك فعليا. لكن، يكون الابن فعل شيئا يوجب أن يضعوا له حدا. بعدما يهدأ قليلا، سيوافق على عودته بلا مشاكل ما دام سيصلح الأمر الذي تسبب بذلك.
الاختلاف كان قصة عائلية شخصية عادية بحتة وبرأيي لا وجود لأي مبرر يمكن أن يؤدي بأي حال من الأحوال إلى طرد الشاب من المنزل، هذا ثقيل كسلوك وأرم لا يمكن أن يطيقه العقل، وما أريد أن أضيفه أن هذه لم تكن المرة الأولى، تعرّض مرة صديقي للطرد سابقاً وقد اسمعه أبوه عدة كلمات أيضاً تُلمّج لذلك، يشكّ صديقي بأن الأب يتحضر لزواج جديد بالمنزل!
سيكون مرحبا به بالتأكيد، وسأجعله يأخذ قسط من الراحة ربما ليومين أو اكثر وبعدها سأبحث معه عن طرق لحل الأزمة، فلو كان لي معرفة مع أهله سأحاول أن أتواصل معهم بالاستعانة ببعض الأقارب، ولو لم يكن وكان قراره نهائيا، فأيضا يعتمد على حالته المادية وهل هو يعمل أم يدرس وفي الحالتين سأقترح أيضا أن يعود للمنزل حتى يتمكن تدبير حالته المادية بشكل يمكنه من العيش منفردا لو أراد ولكن الموضوع معقد وأنت لم تعطيني أي تفاصيل عن عمره، وعن ماذا يريد أن يفعل فالتصرف في النهاية من طرفي سيكون الدعم بكل تأكيد.
هذا ما فعلت بالضبط، يا سلام وكأنني أقرأ تصرفاتي، لقد أقنعته باتخاذ طريق مادي يستطيع أن يعينه على الاستقلال لعدم الدخول بهذا الدرب نهائياً مرة أخرى مع والده، لإن الأمر يمكن أن يؤثر علىىنفسيته بالمستقبل ويصنع منه شخصية مهزوزة اجتماعياً.
لا مشكلة في استقبال الصديق ولكن بصورة مؤقته، أول ما سيخطر ببالي هو أنك تحدثت إلى والده لتخبره أين ابنه وأنه سيمكث معك حتى تهدأ الأمور، وأنك ستتحدث معه في اليوم التالي لتفهم المشكلة، بعدها تتجه لصديقك لتتحدث معه قليلًا حتى يهدأ وينام وفي اليوم التالي تناقشه في الأمر، أظن أن أفضل وقت لفهم المشكلة هو عندما يهدأ الطرفان.
لابد وأنك شرحت لصديقك بأن المشكلات الأسرية واردة ولا يوجد بيت لا يخلو منها ولا مفر من الإصلاح بينه وبين والده، ويمكنك أن تقدم له االدعم حتى تهدأ الأمور لكنك لن تتحمل مسئوليته للأبد، بعد مشاورات بين الطرفين بالتأكيد سيعود صديقك لمنزله ويعتذر لوالده الذي سيتجاهله قليلًا ثم يسامحه.
لو كنت مكانك لن أنصح بعودته أبدا طالما هو لا يرغب؛ لأنه سيعتقد أنك تريد طرده أو التخلص منه، حاول تقبله واحتوائه وفهم سبب المشكلة، ثم فيما بعد ناقش معه الحلول وما يتوقع هو أن يحدث، وحاول أن تدفعه للصواب بالتدريج.
التعليقات