كيف أدت التكنولوجيا إلى جعل النسيان أصعب من أي وقت مضى؟

يزعجني عرض الذكريات القديمة بشكل مستمر من خلال التكنولوجيا، وأحياناً أقوم بحذفها بمجرد ظهورها، ورغم أن هذه الأدوات قد تبدو مفيدة في البداية، إلا أنها تفرض علينا تذكر أحداث قد تكون قديمة أو حتى مؤلمة، وتعيد فتح جروح لا نرغب في العودة إليها، وأحيانًا نجد أنفسنا محاصرين في ماضي لا يمكننا الهروب منه، مما يعوق قدرتنا على التقدم في الحاضر والتركيز على المستقبل، أعتقد أن التكنولوجيا يجب أن تكون أداة لخدمتنا وليس لتقييدنا بأعباء الماضي، وإذا كان الأمر لا بد منه ينبغي عمل زر إغلاق وتشغيل لهذه الخاصية.

ليت النسيان في الواقع سهل كما وفرته التكنولوجيا، أنا عكسك تماماً، كل الذكريات والأحداث المخزنة على أي جهاز أو وسيلة تقنية أنت تعرف كيف تتخلص منها بضغطة زر أو بأمر برمجي، ربما نمانع قليلاً ولكن بلحظة نمحي كل شئ.

أما العالق في العقل والقلب من تجارب وذكريات وخسائر وفي الجسد من علامات وندوب فكيف ننساه!

على العكس التكنولوجيا مكنتنا من التحكم أكبر بذكرياتنا وبكل ما نريد تذكره أو حذف ما لا نريده، فإن اردت أن تتذكر شيئا باستمرار دون نسيان فأنت تحتفظ به فقط، والعكس صحيح، وهذا لا يوفره لنا الوضع الطبيعي ما بين الذكريات التي تفرض علينا، قلما ما نملك القدرة على إدارتها مثلما سهلت علينا التكنولجيا الآن

جربت كلا العالمين، مرة حين كنت سعيدًا أنني مازلت احتفظ بذكريات طفولة من خلال التكنولوجيا، صور من هاتف قديم بدائي رفعتها على google photos مثلًا، وصور أخرى تمنيت لو كنت أستطيع مسحها مرة واحدة بدلًا من كوني مضطر لفلترة كل الخدمات السحابية للتأكد أن تلك الذكرى قد رقدت بسلام، وفي الحقيقة أعتقد أن أهميته في جعلنا نحافظ على الماضي أقوى، قد يكون ترك لنا باب لنبش قبور الذكريات السيئة، ولكن هذا لضعف نفوسنا وليس خطأً منه.

القدرة التكنولوجية على حفظ الذكريات وتحميل البيانات تجعلنا في موقف معقد. في الماضي، كان النسيان جزء من عملية التنظيم الطبيعي لحياتنا، يُسمح لنا بتحرير أنفسنا من الذكريات غير الضرورية أو التي لم نعد بحاجة إليها. أما اليوم، بفضل الهواتف الذكية والحوسبة السحابية وحسابات التواصل الاجتماعي، أصبحت كل لحظة من حياتنا محفوظه بطريقة أو بأخرى. وعلى الرغم من أن هذه الأدوات تسهم في الحفاظ على الذكريات السعيدة وتعزيز الشعور بالاتصال، فإنها أحياناً تجعلنا عالقين في ماضٍ ربما أردنا نسيانه.

الذكريات ستظل للأبد سوى حزينة كانت أم مفرحة .. ورأيت بنفسي ناس تحدث لهم أشياء فجأة يتذكرون اشياء قديمة مرت عليها عشرات السنوات .. النقطة المهمة التى تعلمتها هي أن أنظر للذكريات على انها شئ من الماضي وليس أنا .. صعب أن أوصل فكرتي ولكن سأحاول .. عندما تنظر الى صورة قديمة لك أنت تتفاعل معها رغم أنها مجرد ورقة عليها شوية ألون .. هذا الذي في الصورة ليس أنت .. أنت الآن مختلف تماماَ سوى في الشكل والمظهر أو النفس والروح ..

يعني الاهم هو النظر للذكريات ولا نرتبط بها .. لا نربط انفسنا بها .. هذا ما أمارسه في واقعي فعلاً وليست نظرية ..

تحياتي

المسألة ليست فقط في أن التكنولوجيا تمنعنا من النسيان، بل في أنها تحدد لنا ما يجب أن نتذكره. منصات مثل فيسبوك وإنستغرام تختار تلقائيًا الأحداث التي تظن أنها "مهمة" لنا، بناءً على معايير خوارزمية، وليس بناءً على اختيارنا الشخصي. هذا يطرح سؤالًا مهمًا: من يملك حق التحكم في ذاكرتنا؟ عندما تظهر لنا "ذكرى قبل 5 سنوات" بصورة قد تذكرنا بفقدان شخص عزيز أو تجربة مؤلمة، نجد أنفسنا مجبرين على مواجهة لحظات كنا نحاول تجاوزها، مما قد يُعيد جروحًا قديمة.

تجربتي مع خاصية "ذكريات فيسبوك" جعلتني أدرك هذا الجانب. ذات يوم، ظهرت لي ذكرى قديمة لصورة كنت قد التقطتها مع صديقة مقربة لم يعد بيننا تواصل اليوم بسبب خلاف مؤلم. لم أكن أريد أن أتذكر هذا الموقف، لكنه عاد فجأة دون إذني. شعرت حينها بثقل عاطفي، كأن الصورة أعادت الحزن الذي ظننت أنني تجاوزته. المفارقة هي أنني لم أطلب هذه "الخدمة"، بل فُرضت عليّ.

لكن في المقابل لا يمكننا إنكار أن التكنولوجيا لها جانب إيجابي في توثيق اللحظات السعيدة، خاصة عند توثيق اللحظات العائلية، مثل صور الأطفال، والرحلات العائلية، والمناسبات الخاصة. في بعض الأحيان، يُشعرنا الرجوع إلى تلك الصور بدفء الحنين، خاصة إذا كنا نمر بفترة صعبة ونحتاج إلى تذكير بالأوقات الجميلة، لدلك تبقى التكنولوجيا سلاح دو حدين.

من وجهة نظري تجعلنا رهائن له .. فكل اللحظات السعيدة التي جمعتك بأصدقاء أو أحباء لم يعودوا موجودن أو تغيروا إلى شيء تكرهه فتصبح تلك اللحظات بمثابة وحش مؤلم يغرز أنيابه مع كل ذكرى حلوة تحولت لذكرى سيئة