مسلسل من إنتاج 2023 من بطولة باسم سمرة ومحمد فراج وأسماء أبو اليزيد وبسمة وكوكبة من النجوم يتحدث في أهم مسارته عن محاولة تاجر مخدرات كبير بإقناع أخيه المتدين الملتزم الإنضمام إليه في تجارة المخدرات لكونه بعيد عن الشكوك، بين صراع الشقيقين تدور أحداث مشوقة من الدراما والجريمة ولكن يفجر المسلسل تساؤل واضح حول مدى إمكانية تحكم بيئة أسرية واجتماعية فاسدة في تحويل مسيرة شخص ملتزم دينياً للإنحراف وتغيير كافة مبادئه وبالإسقاط على الواقع الحالي أيهم أكثر تأثيراً في مسار الناس .. البيئة الفاسدة أم الأخلاق والمبادىء التي يمتلكها الإنسان؟
الالتزام الشخصي أم تأثير البيئة، ما الذي يحدد مسار الإنسان في مجتمع مضطرب؟ بطن الحوت 2023
أنا شخصيا متيقن ودون أدنى شك أن للبيئة المحيطة أثر لا نظير له على أخلاقنا ومساراتنا في الحياة. وهذا من واقع تجربتي وتجارب أشخاص مقربين مني. حتى إذا كانت لدي بوصلة أخلاقية أو دينية توجهني للصواب والخطأ، فمع الوقت ستنحرف الوجهة شيئا فشيئا إلى أن ينتهي بك المطاف بعيدا أشد البعد عن طريقك الذي كنت عليه في البداية.
ولكن أستاذ كريم ما العمل في حالة أنه تم فرض عليك العيش في بيئة سامة لا يمكنك مغادرتها أو هجرها وفرضت عليك؟
لطالما كنت أفكر في إجابة لهذا السؤال لكن لم أخلص إلى حل جذري صراحة. لكن أظن أن الحل الأمثل في تلك الحالة يكون في محاولة فرض حدود شخصية والانعزال عن البيئة قدر الإمكان لحماية شخصيتك ومنظومة أخلاقياتك وأفكارك من التلف والتغير التدريجي مع الوقت
نعم هذا الحل قد يكون حل جيد ، أن تعيش داخل صومعتك الخاصة ، ولكن أليس هذا أشبه بقصة الراهب الذي كان يعيش في مدينة فاسدة فأختار الانعزال عنها ولما أرد الله أن ينزل غضبه على تلك المدينة أمر الملائكة أن يبدؤا أولاً من الراهب الذي قرر الانعزال التام عن أهل مدينته ؟
طبعا إذا استطعت أن تغير طبيعة مجتمعك الذي تعيش فيه فهذا هو السيناريو الأمثل والأفضل. لكن إذا حاولت ولم أستطع فأظن أن الحل الأمثل هو الانعزال، فأن يكون هناك شخص واحد صالح في بيئة فاسدة أفضل من ان تكون البيئة برمتها فاسدة أليس كذلك؟
بالطبع ولكن بالنسبة لموضوع المسلسل وبدون حرق لأو دخول في تفاصيل ، الأخ الفاسد نجح في إفساد الأخ الصالح وجعله يتحول لشخص أكثر فساداً بالدرجة التي تجعلك تفكر هل هو فعلاً كان صالحاً حقاً أم أنه شخص فاسد ولكن يحتاج لأن يوضع في اختبارات حقيقية .. ؟
جميعنا في الحياة نقع في فخ كبير أحياناً أننا إذا كنا نتصف بصفة ما حسنة نظن أننا أسوياء فقط لأننا لم نختبر . وهذا يجعلني أقفز لسؤال ثاني أعتقد انه لا يقل أهمية وهو يخص ردك التالي:
طبعا إذا استطعت أن تغير طبيعة مجتمعك الذي تعيش فيه فهذا هو السيناريو الأمثل والأفضل. لكن إذا حاولت ولم أستطع فأظن أن الحل الأمثل هو الانعزال
السؤال هنا ما حدود إستطاعتنا .. ولما بالأساس نتوقف عن المحاولة ؟ بمعنى أنه إن كانت هناك بيئة فاسدة وسامة ولنقول إنك حاولت مرة ولم تنجح في تغييرها .. ما هي المعايير التي تجعلك تتوقف عن المحاولة والابتعاد والانعزال وهل هي ترتبط بعدد محدد من المرات ، مثل أن تحاول أن تحدث تغيير مرة فتفشل ، فتحاول مرة ثانية فتفشل فتتوقف عند الثالثة؟
لا أعتقد أنه من المنطقي أن يكون الأمر متعلق بعدد محدد من المرات فنحن لسنا في لعبة فلكل شخص طاقته وقدرته وظروفه الشخصية التي على أساسها يحدد متى يجب أن يتوقف عن محاولة التغيير. أعتقد أن الحد الفاصل الذي يجب التوقف عنده هو بمجرد أن يشعر الشخص أنه قد بدأ يتلوث بالبيئة بسبب محاولة اصلاح لها، في تلك اللحظة لا بد أن يتوقف تماما ويختار العزلة لكي ينجو بنفسه
لا يمكننا إنكار دور المعتقدات الدينية التي تحكم الفرد منا وتجعل لديه مبادئ راسخة، ولكن في نفس الوقت أرى أن البيئة الفاسدة لها تأثير أقوى قد يؤدي إلى تغيير مسار أي شخص مع مرور الوقت حتى ولو كان ملتزمًا، فالإنسان بطبعة ضعيف مهما كانت أخلاقه وقناعاته يتأثر بالبيئة المحيطة به إذا كانت فاسدة وتمتلئ بالإغراءات، وقد تؤدي البيئة في نهاية المطاف إلى جعل الإنسان يتخذ قرارات تتعارض تمامًا مع المبادئ التي يؤمن بها، وفي المسلسل هناك صراع داخلي ينشأ داخل الشخص المتدين بسبب وجود فساد ومغريات وكأن بيئته الفاسدة تجذبه بشدة ليتأقلم معها.
أعرف أستاذة بسمة أن البيئة السامة لها تأثير هائل على معظم الناس بشكل يدفعهم للإنحراف تأثراً بتلك البيئة ولكن تلك القاعدة لا تنطبق على الجميع بالضرورة فمثلاً عندما كنت في المرحلة الثانوية الصناعية كنت متواجد في بيئة سامة للغاية يعد فيها تعاطي المخدرات وتداول السلاح وشرب الخمور وممارسة الرزيلة هو أمر طبيعي يقوم به الجميع بشكلاً أو بآخر وبنسب متفاوتة وكان من غير الطبيعي أن يتواجد شخص في هذا المناخ ويرفض حتى شرب السجائر ويقاوم التأثير الهائل والسخرية والتهكم والتنمر والغربة بين هذا المجتمع (ولقد كنت كذلك حينها) فيحدث حينها أن تتأثر البيئة السامة بشكل عكسي ، فوجدت بعض الصحبة التي أحترمت قراري بل وطالبوا أن أساعدهم في الإقلاع عن بعض تلك الموبقات وكنت حتى أحياناً أنجح في مساعدتهم ، ما أود قوله هو ليس بالطبع الإشادة بما قمت به ولكن فقط البرهنة بتجربة شخصية أنه يمكن لأي شخص (قوي الإرادة ) أن يغير محيطه وأن يحافظ على مبادئه .. ولكن للأسف تلك الفئة من الناس قليلة وجميعنا ضعفاء في أمر ما بشكل يجعل البيئة السامة تترك أثرها علينا.
إذا أردت إسقاطا واقعيا تاريخيا لكلا الرأيين، فهناك فتية الكهف الذين اغتربوا بدينهم بسبب البيئة المحيطة وعجزهم عن التغيير لأنهم يدركون تأثيرها عليهم نظرا لكونهم بشرا في النهاية فرحلوا حفاظا على تدينهم، بينما تجد مصعب بن عمير رضي الله عنه مثلا أُرسل كسفير للاسلام في بيئة لا تحترم مبادئ الاسلام وكان هو المؤثر عليهم وسبب إسلام قبيلة كاملة!
وهنا تعلم، أن الملتزم في هذا المسلسل ليس مخطئا في كلا الخيارين، سواء قرّر البقاء والدعوة لقيمه، أو تغيير البيئة حفاظا على التزامه، وهذا يعتمد على شخصيته بشكل رئيسي، ولا أحصر هنا قوة الإيمان فقط، بالطبع هي مهمة.. ولكن حتى يونس عليه السلام وهو نبي قرر المغادرة، وإنما تأثيره بشكل أساسي وذكاؤه في الدعوة وفي تجنب المنزلقات وإن وقع فيها لا يعترف بها! فالشخص يعلم.. إن كان يمتلك شيئا من مؤهلات مُصعب.. أو كان شخصا انتقل من مرحلة الصلاح إلى الإصلاح، فبقاءه في الخمارة أولى من المسجد! وتأثير صغير فقط يتركه هناك يلعب دورا كبيرا في قلب الموازين.. وحين يرى عدم جدوى بقائه ولا يترك أثرا ولو صغيرا بينما تزداد انتكاساته ويرى قيمه بدأت تسقط أو تتميع شيئا فشيئا فهنا لكم دينكم ولي دين، الحفاظ على نفسه أولى فيهجرهم ويكتفي بالدعاء لهم.
نعم لقد قمت بالفعل بتضمين أمثلة تستعرض الفكرتين والتناقض بينهم دون أن يكون أياً من الفكرتين هو خطأ بالضرورة ، وأنا أقتنعت كثيراً بهذا الطرح ، ولكن لي سؤال يطرح نفسه .. إن كنت في بيئة سامة قد تؤثر علي بالسلب ، ولا أستطيع المغادرة أو لا أملك القدرة عليها ماذا أفعل؟ وهل سأحاسب مثلاً على أني لم أغادر .. أو أنني مثلاً تذرعت بأن ضعفي الحالي هو أمر محدود وأنني سأصبح قوياً وقادراً على تغيير البيئة السامة حولي ؟
عدم المغادرة بسبب العجز وعدم القدرة لا بسبب القرار الإرادي (اي أنه لو بيده يريد المغادرة لكن لايقدر) لا أجد له حلا في رأسي حاليا سوى العزلة وقلة الاحتكاك بالبيئة قدر المستطاع والاستعانة بالدعاء.
وبالنسبة للسؤال الآخر، لاشك أنك لن تحاسب شرعيا إن كنت لا تستطيع المغادرة لعذر ضروري حتى لو كنت لا تستطيع التغيير، أو حتى كانت نيتك أنك ستصبر وتقوى وتقاوم البيئة على أمل التغيير يوما ما حتى لو لم يكن القرار الأفضل!
أما مجتمعيا قد تجد اختلافا في وجهات النظر بين من يلومك ويعتبر ذلك تسويغا لنفسك للانزلاق في مغريات هذه البيئة وبين من يرى ذلك شجاعة منك على تحدي البيئة والظروف ويتخذك مثالا أو قدوة حسنة أو يعتبرك بطلا.
نعم هذا المنزلق الخطير غالباً ما يكون سبباً أو مدخل للشيطان لإفساد الشخص ، ولكن أنا أجد أن هناك وجهة نظر مختلفة ، فالواعظ ليس بالضرورة أن يكون مثالياً .. ليس بالضرورة أن يكون كالأنبياء .. بل في كثير من الأحيان عليه أن يقع في الخطأ ليفهمه .. ويتفهم طبيعة الصراع النفسي والمجتمعي الذي يعاني منه شخص يشبهه وقع بالخطأ ذاته ويحاول التوبة ولا يقدر فيمكن مثلاً لشخص لم يكن يصلي وأصبح بعد وقت طويل ملتزم ويصلي بنصيحة قرين له يقطع في الصلاة بأن يصلي ، الأمر نفسه بشخص مدمن على الجنس أو المخدرات .. حينما يعود سليماً معافي من رحلته الفاسدة لطريق الصواب يكون هو أفضل بوصلة تقود الأشخاص الذين تعرضوا لأمور مشابهة .. وهكذا .. لأن الوقوع في الخطأ يجعلنا نعي ونفهم لما هو خطأ .. شرط أن لا تسعى أو تقع فيه متعمداً ومع ذلك (رحمة الله وسعت كل شيء) .. والله سبحانه وتعالى يحب العبد التائب .
البيئة هنا هي المؤثر الأول، إذا نظرت لكل أبناء الجنوب في الدول الأفريقية ستجد معظمهم بارعين في الصيد ولديهم قوة بدنية جيدة، بينما أبناء اليابان والصين نسبة ذكائهم اسرع، هنا يكمن السبب في البيئة، وكما تؤثر على الناحية البدنية والعقلية تؤثر أيضاً على الجانب النفسي والسلوكي.
والحالة التي يعرضها المسلسل تستعرض نمط فعلي ومدروس وهناك أبحاث نفسية عديدة تؤكد عليه.
ولكن أنا رغم ذلك لا اؤيده وأرى أن من يتمسك بما يريده وما يراه صائب فلا يجب أن يرده راد عن ما يريد، وهنا أقصد أن التنازل مهما كان الضغط أو الإلحاح هو استسلام من صاحبه فهو هنا ليس ضحية ولا مقيد ولكن قرر التنازل ولم يبذل جهد للنجاة بنفسه.
أوافقك جداً أستاذ أسلام على هذا الرأي رغم أن اليئة مؤثرة وفعالة في سلوكيات الأشخاص ولكن لا توجد بيئة قادرة على فرض تغيير جذري بشخصية الشخص .. البيئة السامة تسحق الشخص أولاً ثم تسحق مبادئه ثم تغييره .. فإن لم تستطع البيئة من سحق الشخص على الأقل (عقلياً) فلا يمكنها من وجهة نظري التأثير عليه .. فكم من فقيراً شريف وهو بحاجة للمال ويرفض الانحراف والعكس بالعكس ، لذا لا أرى أن البيئة وحدها كافية لكي تكون هي السبب الأوحد للإنحراف ولكن الشخص بنفسه هو من يكون لديه بعض الميول (الغير ظاهرة بالضرورة).
لذا يظل الشريف شريف حتى يؤتمن ، ويظل الشيخ شيخ حتى يختبر .
الأمر يعتمد على مدى إيمان واقتناع الشخص بقيمه ومبادئه، إذا كان إيمان قوي واقتناع تام سيكون من الصعب الانحراف عنها، إلا إذا حدث له ما يثبت عكس ما كان يؤمن به، صدمة كبيرة جعلته يشك ويعاود التفكير فيما إذا كان هو على صواب أم لا، فمثلا تخيل شخص مسالم طوال حياته لا يفكر في أذية نملة حتى كما يقولون، لأنه لا يرى أن العنف حل لأي شيء، ويخاف ربه لو أذى شخص بقصد أو من غير قصد، ولكن الحياة تستمر في ضربه مرات متتالية حيث يتعرض للأذى المستمر ممن حوله، وآخر الضربات لامست حد عزيز جدا عليه، لنقل ابن أو اخ فأدى لموته أو تدمير حياته، ما احتمال تحول هذا الشخص للنقيض تماما عما كان عليه؟ من وجهي نظري ٩٠% سيتحول تأثرا بالغضب والاستياء والحزن الذي سببته الصدمة التي تعرض لها.
نعم بالفعل هذا الرأي يمثل ما أعتقده بالضبط وقد يكون هو الرد نفسه الذي تشاركت فيه مع أستاذ @Eslam_salah1 والغريب أن هناك مثل واضح وأحبه للغاية رغم أنه طفولي نوعاً ما ولكن بنفس الوقت حقيقي جداً شخصية باتمان الشهيرة في الكوميكس هي شخصية لطفل قتل والديه وعاش في مدينة يملئوها الفساد فتحول للأنتقام والاقتصاص ليس فقط ممن قتلوا والديه ولكن المجرمين عموماً ، وكان عنيف للغاية في تطبيقه للعدالة من منظور (الأنتقام) إلى أن يمر بمواقف تعيد له إيمانه بنفسه ومبادئه وتلهمه التوقف عن الانتقام وتطبيق العدالة ، أن الأمر كله كما أشرت يتعلق بالإيمان فأنا مثلاً أصاب بالذهول أمام صمود الشعب الفلسطيني في ظروف لا يمكن لأي بشر تحملها ومع ذلك لم يفقدوا للحظة الإيمان بأنفسهم أو بقضيتهم أو بحقوقهم أو بالله ... في حين نحن .. لا نصمد كثيراً أمام مقاطعة منتجات فقط .
التعليقات